مقالات

ابني مصاب بمتلازمة داون، هكذا قال لي الأطباء، فماذا أفعل؟!

أم رحيمة بابنها مهما كان به من بلاء

فى ساعة صباحية من ساعات المرور على الحالات بمستشفى الأطفال، مررنا بقسم الأمراض الوراثية لأجد طفل من الوهلة الأولى تعلم أنه مصاب بمتلازمة “داون” أو الطفل المنغولى. فى معظم الحالات يتم حجز هؤلاء الأطفال ليس بهدف مداواة الخلل الوراثى ولكن لمداواة بعض التعقيدات الجسدية مثل” التهاب الجهاز التنفسى، ثقب فى القلب” المتلازمة مع المرض الأساسى والذى أساسه خلل فى المادة الوراثية التى يحملها الطفل.

الطفل ليس بمفرده بالطبع بل تحوطه يدا أمه ويفترش رجليها كمهد دافئ. لا تتركه لحظة ولا تشتكى من تبرمه وضيقه الدائم، مقيمة دائمة فى المستشفى وعلى المدى الطويل كذلك، ولا تشك لحظة فى أنها ستتخلى عنه!

الطفل المريض بمتلازمة داون يكون لديه تخلف عقلىّ للأسف، ولذلك لابد أن يشمله ويحيطه بالرعاية إنسان عاقل؛ ونعنى بإنسان عاقل؛ إنسان مدرك للمعانى الكليّة يستطيع استباط معانى العدل، والرحمة ،والكرم، والظلم…. إلى آخره.

طفل متلازمة داون تُنمّى به الجوانب الاجتماعية بعدم إهمال أهله ومحيطه بل ومجتمعه له. وللأسف بعض أولياء الأمور يهملون أطفالهم أصحاب متلازمة داون؛ فلذلك يُصبح الطفل عدوانى ولا يستطيع اكتساب مهارات جديدة تلائم عقليته.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أمّا عن الأم التى رأيتها؛ فهى أم رحيمة رءوم، تهتم بطفلها إلى أقصى درجة، وستهتم به طالما ظلت حيّة. إنها تنسى تعبها وتحملها بمجرد أن ترى الابتسامة مرسومة على وجه طفلها الصغير. فهى الأم العاقلة الرحيمة، وترى فى ذلك أقصى سعادتها.

ابني سيولد مصابًا بمتلازمة داون، ماذا علي أن أفعل؟!

على صعيدٍ آخر؛ قابلت امرأة تحمل بطفل بالشهر الرابع من الحمل، وبعد إجراء العديد من الفحوصات؛ أكَّد إليها الأطباء بأنَّ طفلها القادم سيكون مُصاب بمتلازمة “داون” وما إن علمت حتى أصابها القلق والتوتر، وشرعت فى اتخاذ قرار إجهاض طفلها؛ فهى لا تريد طفلًا معاقًا ذهنيًا على حد قولها . وبدأ من حولها بإقناعها بمحاولة إجهاضه فهو لن ينفعها!!

يا إلهى! أين أُذهب بعقل هذه الأم؟! أين إدراكها لمعنى الرحمة بل معنى الأمومة؟! هل ستستطيع هذه الأم تربية طفل سليم حتى؟ كلا-وربى- لن تستطيع، كيف ستوّصل لصغارها معانى الإنسانية؟ كيف ستوّصل لهم مفهوم السعادة وأنها غاية الغايات وأنّ اللذة لن ترضى النفس الشريفة؟!هل سألت نفسها لماذا أتزوج وأنجب ؟

يقول “ابن مسكويه”- رحمه الله- : ” وقد ظن قوم أن كمال الإنسان وغايته هما فى اللذات، وأنها هى الخير المطلوب والسعادة القصوى، وظنوا أن جميع قواه الأُخر إنما رُكّبت فيه من أجل هذه اللذات والتوصل إليها، وأن النفس الشريفة التى سميناها ناطقة، إنما وُهبت له ليرتب بها الأفعال ويميزها، ثمّ يُوجهها نحو هذه اللذات لتكون الغاية الأخيرة هى حصولها له على النهاية والغاية الجسمانية. وأن من رضى لنفسه بتحصيل اللذات البدنية وجعلها غايته وأقصى سعادته فقد رضى بالعبودية لأخس الموالى؛ لأنه يُصيِّر نفسه الكريمة التى يناسب بها الملائكة عبدًا للنفس الدنيئة التى ينافس بها الخنافس والديدان وخسائس الحيوانات التى تشاركه فى هذا الحال.

ولذلك لاينبغى أن يغتر الإنسان بجزئه المادىّ مهما بلغ من حسن وقوة، فإن الماس يبدو جميلًا براقًا، ولكن حقيقته كاربون أسود لا قيمة له.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أنا أمتلك ثلاجة وبوتاجاز؛ فلماذا أتزوج ؟!

للأسف قد ألف الناس المحسوسات وأصبحت غاية بالنسبة لهم، وأصبحوا يشمئزون من المعقولات، أو من عالم المعانى بشكل عام. أصبحت الزوجة بالنسبة لهم مجرد ثلاجة، وبوتاجاز؛ حيث يقول أحدهم: ” أنا أمتلك ثلاجة وبوتاجاز؛ فلماذا أتزوج ؟!” لقد تناسى الرحمة والمودة والسكن والأنيس والحنان الوارف الظليل، والسكينة والأمان، وليقول بكل سذاجة أنا أمتلك ثلاجة وبوتاجاز!

حينما مرّ بتجربة سيئة؛ أصابه التعميم ونسى طريق سعادته وحرم نفسه من طريق كماله وجلس يُقاسى الوحدة والألم والقلق.

يقول الفارابى: ” أما أن السعادة هى غاية ما يتشوّقها كل إنسان، وأنَّ كل من ينحو بسعيه نحوها فإنما ينحوها على أنها كمال ما، فذلك ما لا يحتاج فى بيانه إلى قول؛ إذ كان فى غاية الشهرة” .

إن هدف الإنسان من أفعاله الاختيارية هو الوصول إلى أقصى غاياته والمُتَمثِّل فى السعادة، والتخلص من كل ألم وقلق واضطراب وتحقيق الطمأنينة والسلام. ولكن الصحيح كل الصحيح فى تشخيص كيفية وصوله إلى السعادة ؛ أهو عن طريق اللذة الحسية أم العقلية والمعنوية؟ أم بتوظيف كل منهما فى موضعها؟!

يجب أن يعرف الإنسان أن اللذات الحسية كالمأكل والمشرب والنكاح لا تطلب لذاتها أى أنها تطلب لتحقيق هدف آخر ومعنى أسمى وأكمل  وبذلك يرتفع ويسمو عن سائر الكائنات الحية ويبقى فعلًا جديرًا بلقب سيد الكائنات وخليفة الإله الحكيم العدل فى أرضه وحينها سيعرف اجابة سؤاله لماذا أتزوج ؟ ولماذا أكل ؟ ولماذا اعيش ؟ .

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

داليا عادل

طالبة بكلية الطب – جامعة المنصورة

باحثة ومحاضرة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة