فن وأدب - مقالاتمقالات

ماهر حسن .. شاعر وحارس باب ثقافي معتبر

حين نأتي على ذكر من يعملون للثقافة المصرية في دأب وإصرار وصمت، سيكون للكاتب الصحفي والشاعر ماهر حسن مكانًا في الصف الأول، فهو قد أعطى كثيرًا وجنى قليلًا، لكن هذا لم يلقِ في نفسه اليأس، وفي قلمه الجفاف، وفي صدره الضيق والأسى.

يقف ماهر على تل من أوراق صحف، تصدر في مصر وخارجها، تتوالى فيه حوارات مع كبار الأدباء والمفكرين، وعروض لكتب متنوعة، وتغطيات لندوات ومؤتمرات، ونقد لأعمال جديدة، كما يقف على عدة من دواوين الشعر، التي يبدعها على مهل، ويقطع لها جزءًا من وقته المشحون اهتمامًا بالآخرين، ومن ذائقته التي يعرف الإيثار إليها سبلًا واسعة. وله أيضًا كتاب بعنوان “حكاية الدساتير المصرية في مائتي عام”.

عرفته قبل سنوات من قراءتي جريدة “العربي”، إذ لم يكن أي عدد فيها يخلو من حوار مستفيض له استعد له جيدًا بأسئلة كافية، ومهد له مليًّا بمقدمات معبرة ومعتبرة. ورأيته –فيما بعد– ينتحي ركنًا في مكتب بسيط ليفرغ شرائط الحوار، يتعارك مع الكاسيت ذهابًا وجيئة حتى يلتقط كل ما قاله ضيفه، لا يترك شاردة ولا واردة، فمن حق الذي قال أن يصل قوله إلى من يريد، ومن الواجب على الصحفي أن يكون أمينًا في نقل المعرفة، حتى لو كان هذا يكلفه عناء وعنتًا شاقين، ولا يعود عليه إلا بالقليل جدًا، أو لا يعود بشيء على الإطلاق.

وقد حاور ماهر نحو خمسمائة من رموز الأدب والمعرفة والعلم والفن، على رأسهم نجيب محفوظ وعبد الرحمن الأبنودي وأحمد زويل وعبد الوهاب المسيري وسيد حجاب والسيد يس وأحمد فؤاد نجم وحسن فتحي وأحمد شفيق كامل وكامل زهيري وغيرهم، ولذا لم يكن من المستغرب أن يحصل عدة مرات على جائزة التفوق الصحفي في فرع الحوار التي تمنحها نقابة الصحفيين.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أما في صحيفة “المصري اليوم” فقد حول ماهر صفحتين أسبوعيتين عنوانهما “الأزبكية” و”دنيا الكتب” إلى منبر مهم للنقد الثقافي والأدبي وعرض مختلف المطبوعات، ونشر الإبداعات في الشعر بألوانه والقصة بطرائقها، فصارتا بهذا محط أنظار المثقفين، وجمعتا حولهما كثيرًا من القراء المتذوقين للأدب والفن، لأن المشرف عليهما لا ينحاز إلى مدرسة أدبية على حساب أخرى، ولا يجامل كتابًا في صفوف السلطة أو على رأس مؤسسات رسمية على حساب آخرين ليس لهم من سبيل، ولا سند، سوى ما يكتبونه.

لكن الوجه الآخر لماهر حسن يتوارى بعيدًا، حتى لا يكاد يراه البعض في غمرة الانشغال بما يقدمه للصحافة الثقافية من خدمة مشوقة وعميقة في آن، ألا وهو وجه الشاعر. فلماهر دواوين أربعة هي “لا جديد” و”كل عشق وأنت بخير” و”وشايات عادية” و”يمر بيننا”، تضعه ضمن شعرائنا، بقصائد فاضت بها نفسه، فلم يمنعه انشغاله بغيرها من أن يترك لها مسربًا لتحط على الورق، محتفية بالصورة والمعنى، وما يجيش به الخاطر، وذلك الذي تضطرب به جنبات المجتمع الرحيب، وفيها رغبة واضحة في التجويد والتجديد على قدر الاستطاعة، حتى أننا نجد في ديوان واحد ألوانًا شتى من الشعر.

يصعب في مقالي هذا أن أضرب كل الأمثلة على هذا الشعر ومنه، لكن بعضه قد يدل على جميعه، أو يمثله بحال أو آخر، لا سيما أن تجربة صاحبه تتماهى –إلى  حد بعيد– مع المنجز الشعري المصري المعاصر بدفتيه الحرة والمنثورة، فماهر لا يكف –بحكم عمله– عن التفاعل والتشاكل مع دواوين تدفعها المطابع بلا انقطاع، لشعراء كبار يقفون على ناصية المشهد، وآخرين يضعون أقدامهم على أول الطريق.

في شعر ماهر نجد قصائد سياسية مثل تلك التي يهديها للانتفاضة الفلسطينية ويقول فيها: (خمسون عامًا، أو يزيد/ راسغات في الهوان ولا جديد/ تلك البشائر طفلها الممسوخ/ وسط غياهب الأرض الذليلة/ وما أن شب عن طوق الدماء/ إذا بريح الشر قد طمست سبيله”، ثم يقول في موضع آخر: “خمسون عامًا/ لا الدم المهدور أيقظنا/ ولا صوت القيود/ خمسون عامًا لم تكن أبدًا/ على قدر الجنازات التي/ أحيت شعوبًا من جديد”.

نجد في شعره أيضًا ما يبين غربة الإنسان في بلادنا وحيرته وتيهه وكفاحه من أجل البقاء والتحقق، فينشد: “على موائد الكلام والفصول/ وفي ازدحام الأمسيات والطقوس/ يكون شعري جائعًا وظامئًا وعاريًا/ ولا يقول مرة/ إن اللصوص قد سطوا على الحروف/ تقاسموا الماء الزلال والرداء والرغيف/ لا يقول/ حين أراهن في حلبات العشق/ وأخسر حظ القلب/ وألمح ذاك اليأس المر يصفق لي/ أتوكأ فوق الأوجاع/ يصدمني نفس التذكار/ لكن عبثًا/ فبرغم الجرح الغائر/ أنهض ثانية/ وأعاود نفس المشوار”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وفي شعر ماهر ما ينتقل به من العام إلى الخاص، ومن الاجتماعي – السياسي إلى النفسي، فيعطي التجربة عمقًا واختلافًا، كأن يقول: “أفسحي/ ما بين حلم واحتياج/ باعدي ما بين خوف وانسياق/ بين ميلاد جديد وانسحاق/ كي أزف لك دمي/ (ذاك المعلق بين أرض وسماء)/ بين بغض واشتهاء/ بين موت وابتداء/ بين حرمان بغيض وامتلاء”.

وفي ديوانه الأخير “وشايات عادية” يجمع ماهر تجارب شعرية متنوعة، وينتقل في بعض القصائد من شعر التفعيلة إلى النثر، ومن قصائد طويلة إلى حد ما إلى مقطوعات متدفقة منها تلك التي تقول: “تخرجين إليَّ/ من كتاب المدائح واحدة/ تقرئين على الوقت كل الحضور/ ومن زبدي/ تخرجين إلى البحر عارية/ تمتطين جواد القصائد/ تكشفين عن الروح أغطية الوهم/ يرتد بصري حديدا/ تستغيثين بي من جنوني/ فأعرف أنك منفاي/ والمرفأ المستباح/ واللعنة الدائمة”.

مقالات ذات صلة:

بهاء طاهر .. رحلة مثمرة في نهر الأدب وعلى ضفتيه

اللغة والطبيعية.. هل ثمة علاقة؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ما هو الفن؟!

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

د. عمار علي حسن

روائي ومفكر مصري

مقالات ذات صلة