مقالات

أندلسيات .. الجزء الخامس

في الفترة بين عامي 1492- 1502 كان مسلمو غرناطة مدجنين؛ لم يكن أحد يمنعهم من الصلاة ولا من ممارسة بقية شعائر الإسلام.

كانت الحمية الدينية وراء الفعلة التي أقدم عليها ثيسنيروس (يقال إن خمسة آلاف مسلم اعتنقوا الكاثوليكية في ذلك اليوم)، وكان على الدولة الإسبانية أن تجد مخرجًا لذلك التناقض بين التزامات الملك فيرناندو بمقتضى معاهدة غرناطة، وبين عمليات التنصير التي يمارسها ثيسنيروس.

اضطهاد مسلمي الأندلس

في عام 1502 صدر مرسوم ملكي بحظر ممارسة أي دين غير المسيحية، وعلى المذهب الكاثوليكي بالتحديد، المرسوم يحمل في طياته مبررات صدوره، كأنه يجيب عن سؤال مفترض: لماذا نقض الملك فيرناندو معاهدة غرناطة؟ يقول المرسوم إن الملك –حرصًا منه على مصلحة رعاياه من المسلمين– يريد أن يجنبهم طريق الضلال، وممارسة دينهم الذي يخالف العقيدة الكاثوليكية المقدسة، على أن المرسوم كان يسمح لمن لا يريد التنصر بمغادرة البلاد.

اعتبارًا من ذلك التاريخ كان من الطبيعي أن تغلق المساجد، إن لم تحول إلى كنائس، ماذا يفعل المسلمون حينئذ؟ كان موقف الونشريسي واضحًا: يجب على المسلم أن يخرج من الأرض التي يتغلب عليها النصارى. لكن الخروج من إسبانيا لم يكن سهلًا دائمًا. ماذا يفعل الإنسان إذا كانت أمه قد جاوزت الثمانين ولا تستطيع السفر؟ هل يسافر ويتركها لمصيرها دون عائل؟ ماذا يفعل المريض؟ ثم كان حب الوطن، وهو أمر لا يمكن إغفاله.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فتوى أحمد بو جمعة مفتي وهران إلى الموريسكيين

107952Image1 1180x677 d 1024x587 - أندلسيات .. الجزء الخامسإزاء تلك المعضلة كتب مسلمو غرناطة رسالة إلى أحمد بو جمعة مفتي وهران يستفتونه في أمرهم، وقد اجتهد الرجل، وأفتى بجواز أن يفعل المسلم كل ما تطلبه منه السلطات، أي أن يمارس التقية، فيكون مسيحيًا في العلن ومسلمًا في الخفاء. اعتبارًا من ذلك التاريخ، عام 1502، تبدأ الفترة الموريسكية التي أغفلها مؤرخونا إغفالًا يدعو إلى الأسف.

تلقى مسلمو غرناطة رسالة مفتي وهران بارتياح، وأقبلوا على حياتهم الجديدة: يذهبون لسماع الوعظ في الكنيسة صباحًا، ويؤدون صلاة الظهر عندما يعودون إلى بيوتهم، يؤدي شبابهم طقوس الزواج على يد القسيس، لكنهم لا يبنون بزوجاتهم إلا بعد حضور الفقيه وولي العروس وشاهدي عدل، يتلقى مواليدهم ماء التعميد في الصباح، لكنهم يذبحون الشياة ويؤدون سنة العقيقة في المساء.

انقطعت أخبار العالم الإسلامي عنهم تقريبًا، لكنهم كانوا يفرحون بانتصارات الأتراك إذا علموا بها، كان الأتراك يحاولون مساعدتهم، ولعبت الجزائر دورًا فريدًا في نصرة الموريسكيين، ويكفي أن نعلم أن حاكم الجزائر كانت له الكلمة العليا في بلنسية التي أصبحت فالنسيا.

اقرأ أيضاً: نرى تاريخنا بالطريقة التي كتبها الغرب

مأساة الموريسكيين في الأندلس

صمت مؤرخونا إزاء تلك الفترة صمتًا مطبقًا (بعضهم له عذره في الصمت، فالوثائق كلها من الآن فصاعدًا باللغة الإسبانية، وهي لغة لا يعرفها هذا البعض)، لكنهم حين تكلموا أصبحوا كمن سكت دهرًا ونطق كفرًا، لأن ما كتبوه ينم عن جهل كامل بالحقائق.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أنت لا تستطيع الحديث عن قضية الموريسكيين إلا إذا فهمت عناصر المجتمع الإسباني آنذاك، ثم عليك أن تدرس تاريخ الدول الأوروبية وعلاقاتها بإسبانيا. علينا أن نقرأ ملفات محاكم التفتيش بعناية، لا من أجل إثبات جرائم السلطات الإسبانية فقط، بل لكي نعرف منها أيضًا طريقة الموريسكيين في تسيير حياتهم اليومية، وكيف احتفظوا بعقيدتهم الإسلامية ما يربو على قرن من الزمان دون مساعدة من أحد تقريبًا.

من الغريب أن نقرأ في الوثائق أن الموريسكيين، رحمهم الله تعالى، لم يكتفوا بممارسة شعائر الإسلام، بل دعوا بعض جيرانهم المسيحيين إلى الدخول في الإسلام. تحدثنا الوثائق عن راعي الغنم الموريسكي الذي كان يعلّم جاره المسيحي كيف يتوضأ ويصلي (تقول الوثيقة إن الاثنين ضُبطا وهما يمارسان “جريمة الوضوء”).

وللحديث بقية…

مقالات ذات صلة:

الجزء الأول من المقال، الجزء الثاني من المقال

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الجزء الثالث من المقال، الجزء الرابع من المقال

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أ.د./ جمال عبد الرحمن

أستاذ اللغة الإسبانية، كلية الآداب والترجمة جامعة الأزهر

مقالات ذات صلة