مقالاتقضايا شبابية - مقالات

ماذا لو كنت عقرب ساعة وتعمل في كل ثانية؟

لماذا نحاول التقاعس.. لماذا  نحاول أن نتكاسل.. نحاول أن نجد المبرر؛ فتتحول الحياة لرحلة من الاستراحات! تخيل لو كنت عقرب الثواني في الساعة.. يجب عليك طبقا لغايتك أن تتحرك كل ثانية بمساحة معلومة وسرعة معلومة. تنظر خلفك فتقول بعز وتفاخر: انظر كم ثانية أنجزت! انظر كم دقيقة عملت متواصلا! ثم تنظر للمستقبل وتقول لست أنا من سيتحمل العبء وحدي. وهل ليس من حقي أن أرتاح قليلا؟ هل سأحارب الزمن والوقت وحدي؟ ألا يوجد غيري  يسد هذا الثغر؟ ألا يوجد مصدر للطاقة يجدد نشاطي حتى أستطيع استكمال العمل؟ يا ليتني خلقت كعقرب الدقائق أتحرك كل دقيقة فقط وبسرعة أقل! أو عقرب الساعات يا لراحته ونعيمه! إنني مع دقة تكويني وصغري أتحرك في خمس ثوانٍ ما يتحركه هو في ساعة كاملة.

لماذا نلقي اللوم على الأشياء الاخرى

لقد ظلمني صانع الساعات حينما وضعني في هذه المهمة. ألا يرى كم أنا أصغر العقارب وأدقها؟ ألا يعمل بعقله وهندسته ليضع القوي الكبير في مهمة الحركة الكثيرة، والصغير الرفيع في المهمات التي أقل؟ إنه حقا صانع ظالم. حتى البطارية التي تمدنا بالطاقة بطارية محلية الصنع رديئة ليست ألمانية أو أمريكية أو يابانية. يا ليتني أذهب لساعة ألمانية أو أمريكية أو يابانية. فعلا هناك مصادر الطاقة النقية ستمكنني من العمل دون توقف حتى وإن عملت عقرب للفيمتو ثانية لا للثواني فقط. كم أنا مظلوم، كم أنا ضعيف، كم أنا مكتئب… توك… توك… توك… انتهت البطارية وفرغ الوقت وماتت العقارب وأضاع العقرب الصغير وقته كله في النظر والعجب والتوهم والكسل ولم يعمل كثيرا وأهدر من الوقت أغلبه.

نظر صاحب الساعة لها فقال في نفسه: ما أشأم هذه الساعة! إن عملت لم تحسب الوقت بدقة! فعقرب الثواني لديها متكاسل وكثير التوقف. وإن عملت بدقة أهلكت الطاقة الكثيرة على ساعات عمل قليلة. إن هذه الساعة لا تستحق حتى ثمن البطارية التي أضعها فيها. فيلقيها في القمامة ويستبدلها بساعة أخرى تستطيع تحمل المسؤولية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هكذا نحن في الحياة! نضيعها في التسويف والفخر والنظر والحقد والسخرية والتمني والظنون. ولا ننظر لأنفسنا إلا بكل ازدراء وحقارة وننسى أن الخالق سبحانه وضع في كل واحد منا ما يعينه على مهمته. لو شاهدت الأولمبياد ستتعلم معانٍ كثيرة. فرافع الأثقال له خلقة غير رامي الجلة غير بطل الرماية غير العداء. وحتى العداء الـ 100 متر له خلقة غير العداء للمسافات الطويلة. لا تجدهم يهتمون بما فضل الله به بعضهم على بعض كما فعل عقرب الثواني في الساعة. ولكن كل يهتم بأهدافه وغاياته التي حددها وفق إمكانياته وقدراته ورؤيته للوجود ولنفسه.

لو نظرت للبارا أولمبياد لذوي الاحتياجات الخاصة لتعجبت أيما تعجب ولعلمت كم نحن نهلك أنفسنا بهذه الطباع السيئة. دعوة لتفجير الطاقات الكامنة فينا. كل فيما يسر له، ولا مانع من الهوايات. فالدارس الأكاديمي والمعلم لا مانع أن يلعب رياضة تحافظ على نشاط قلبه. والرياضي لا مانع من أن يطالع أخبار العلوم والأبحاث والفلسفة ليثري عقله. والمذنب المخطئ وكلنا هذا الرجل عليه ألا يسوف على نفسه ويمنيها بالمستقبل الواعد وهو لا يؤدي شيئا يذكر لتحقيق هذا المستقبل. فالنتيجة تتبع أخس المقدمات في المنطق. مهما كان الحلم جميلا لن يتحقق بجماله ولكن بمدى سعي الإنسان نحو إخراج هذا الحلم من حيز القوة لحيز الفعل لماذا لا نفعل.

ليست الدعوة دعوة الاستسلام للواقع الذي لا نجد فيه نصيبنا العادل. بل هي دعوة لتغيير الواقع والعمل على تفجير طاقات الإنسان الكامنة فيما يفيد بدلا من إضاعة الوقت في الشكوى والنواح الذي لا يغير من الواقع شيئا.

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حسن مصطفى

مدرس مساعد في كلية الهندسة/جامعة الإسكندرية

كاتب حر

باحث في علوم المنطق والتفكير العلمي بمركز”بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث”

صدر له كتاب: تعرف على المنطق الرياضي

حاصل على دورة في مبادئ الاقتصاد الجزئي، جامعة إلينوي.

مقالات ذات صلة