إصداراتمقالات

لإنكار الواقع وجوه كثيرة

عندما يشعر الإنسان بخلل ما فيما كان يظن أنه الصواب ورغبة صادقة منه في معرفة حقيقة الأمور من حوله فمن الإنصاف أن يبدأ من واقع الشك المنهجي الذى يكون غرضه ليس الشك المطلق بل الوصول بالشك إلى مرحلة اليقين ومن الأمور الواجب التأكد منها هو وجود واقع خارجي وإمكانية معرفة هذا الواقع.

وفى رحلة البحث هذه يقابل الباحث عن الحقيقة شبهة إنكار هذا الواقع من بعض المشككين بالقول بعدم سلامة الحواس تارة أو عدم التأكيد على أن ما نعيشه هو واقع.

ومثل هذا الكلام مردود عليه بالدليل والبرهان وليس بحثنا هنا بمعرض الرد على مثل هذه الشكوك، إنما من خلال التدقيق في هذه الشبهة نجد أنها تتطور باستمرار ولا تقف عن حد إنكار الواقع مباشرة أو التشكيك في سلامة الحواس وإنما اتخذت أشكالًا أخرى من إنكار للواقع لكن بصيغ أكثر تعقيدًا، فنجد مثلا أتباع اللاأدرية بالمنظور العام والذين يقرون بمبدأ عدم المعرفة { لا أدرى } فهذه الفلسفة من جانب تشكك في إمكانية أدوات المعرفة في كشف الواقع بطريقة سليمة وذلك باتباع المنهج العقلي المعتبر، ومن جانب آخر تنكر وجود واقع من الأساس يمكن التعرف عليه.. فموقفهم الذى يعتمد على تبنى الجهل خاصة في الموارد الميتافيزيقية هو إنكار لوجوده على الرغم من إقامة الدليل على أن الواقع ليس ماديا فقط. وإن كان هذا الجانب لا يتمتع بالشهرة التى يتمتع بها أصحاب النظرة المادية للوجود والذين يرون ويتبنون فكرة أن الواقع الذى نعيشه هو واقع مادى فقط -وهذا مردود عليه أيضا- لكن ما يهمنا أن نبرزه هنا أن هذه النظرة المادية البحتة للوجود تعتبر أيضا منكرة للواقع حيث اعتبرت أن ما دون المادة ليس بواقع وهذا مخالف لحقيقة الوجود، وإن كان لهذه النظرة أبعادها التاريخية والفلسفية التى أدت إلى إنكار أي واقع غير مادى إلا أن ما يهمنا هو اعتبار أصحاب هذه النظرة للواقع هم امتداد طبيعي لمنكري للواقع.

أضف إلى ذلك أصحاب الفرضيات غير الواقعية والتي يكون الغرض منها الجدال لإفحام خصومهم وذلك بعرض فرضيات ليس لها وجود على أرض الواقع للوصول لنتائج تخالف الواقع، كأن يقول شخص مثلا افترض أن ما تقوله ليس بحاصل وأن الأمر اختلف من مكان لمكان وزمان غير الزمان. مثل هذا الافتراض هو إنكار للواقع لأننا عندما نبحث عن حقيقة الأشياء فمن الواجب علينا أولا رفع الواقع كما هو ومحاولة فهمه وتفسيره لا أن نفترض وجود واقع غير الواقع وهو بالأساس مجرد افتراض في أغلب الأحيان يكون الغرض منه السفسطة لا أكثر.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وهناك من النماذج الكثير مما لا يسعنا المجال لذكرها ولكن ما نريد التأكيد عليه أن فكرة إنكار الواقع تتطور وتأخذ أشكالا متعددة، وأن الغرض من ذلك هو إبعاد الانسان الباحث عن الحق عن الوصول لحقائق الأشياء وتبنى الحقيقي منها بوضع الإشكالات والشبهات أمام بحثه. ولكن بقليل من تعلم قوانين التفكير السليم والتعرف على المنهج العقلي يستطع الإنسان كشف هذه المغالطات والرد عليها. كياكيد علية أن

مقالات ذات صلة