مقالاتفن وأدب - مقالات

كلاب السيدة وبائع اللبن والإعلام بينهما

قصتين من الإعلام

القصة الأولى

خلال بضعة أيام الأخيرة اهتمت وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية بخبر المغنية الأمريكية الشهيرة ليدي جاجا، السيدة جاجا لديها كلاب وتحب كلابها، شكرا سيدة جاجا على رفقك بالحيوان وعواطفك المؤثرة، ليدي جاجا لديها عامل مسؤول عن تمشية الكلاب كل يوم! “ماشي يا عم، ست غنية، من فلوس الهبل اللي بيسمعوا أغنياتها ويعملوا منها شخصية مشهورة”، خرج شخص ما على كلاب السيدة جاجا أثناء التمشية اليومية وأطلق النار على العامل المسؤول عن التمشية وخطف الكلاب!

بالطبع خبر رهيب تتابعه كل وسائل الإعلام وتتحدث عنه منصات التواصل الاجتماعي، العناوين كلها عن الكلاب ! العجيب أن قليلا من وسائل الإعلام والناس مهتم أو حتى سأل عن العامل الذي أطلق عليه النار، الكل يسأل: “أين كلاب الليدي جاجا؟!”، والسيدة جاجا عرضت نصف مليون دولار لمن يدل عن كلابها، نصف مليون دولار!

مبلغ أعتقد أن ٩٠% من سكان الكرة الأرضية لم يحلم به، ٩٠% من سكان العالم سيعيش ويموت دون أن يرى في حياته هذا المبلغ من المال، والحمد لله عادت الكلاب للسيدة جاجا الطيبة الحنونة على الحيوانات مبروك! ولا زِلت حتى اليوم لا أعرف ما حدث للعامل مسؤول تمشية الكلاب، أخبار بسيطة بين السطور قد تجدها عن هذا الشخص الإنسان.. البشر، لأن كلاب جاجا أهم!


158706313 279678796885429 7951934683838097214 n - كلاب السيدة وبائع اللبن والإعلام بينهما

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هذا يعلمنا درسين:

١_ أن ما يصنع اهتمامات الكثير من البشر هو ما يقوله الإعلام، ضجة عن كلاب جاجا، ضجة عن “بص العصفورة”، وما لا يتحدث عنه الإعلام يعتبره الناس غير مهم أو غير موجود! الإعلام يصنع تفكير وأولويات الناس، خاصة الناس من أصحاب العقول الفارغة، القطيع، التابع، ليس في عقله شيء فينتظر ما يضعه الإعلام في عقله، لو تحدث الإعلام عن مباراة كرة تنس الطاولة سيتحدث الغوغاء عن تنس الطاولة، بينما لو تحدث الإعلام عن مباراة كرة القدم سيتحدث الغوغاء عن كرة القدم!

٢_  أن ثمن الفقراء والعمال والموظفين عند الأغنياء أقل بكثير من ثمن كلابهم! نُحَيّي رقة وعطف الأغنياء على كلابهم، ونتمنى أن يمتد بعض من هذا العطف إلى ضحايا الحروب والظلم والجوع والفقر من البشر، أو على الأقل يمتد إلى الكلاب التي تعيش في بلاد الفقر والظلم والجوع!

القصة الثانية

أثناء طفولتي كان عم محمد اللبان يحضر اللبن الطازج على العجلة، يمر في الحي، أمي تشتري اللبن الطازج، تغلي اللبن، نشرب اللبن، مثل كل البشر على مر العصور، وأحيانا في قريتنا كنا نشربه مباشرة من الجاموسة، ثم ظهرت حملات دعاية وتخويف، تتحدث عن أن اللبن السائب ربما.. ربما يحمل الأمراض ويكون ملوثا حتى يا سيدتي لو كنتي تغلينه، رغم أن هذا احتمال ضعيف جدا!

فضلا عن حملة تشويه بائعي اللبن واتهامهم بالغش في اللبن وإضافة ماء أو مواد سامة، وانطلقت الشائعات للتخويف، لنكتشف فيما بعد أن هذه الحملات في الإعلام كانت لتحويل الأمهات من اللبن الطازج إلى اللبن المعلب! وتحول الجميع إلى اللبن المعلب في زجاج أو بلاستيك أو الورق المقوى، بما يحمل من مواد كيميائية ومواد حافظة وإضافات وغش.. و.. و.. و.

158843352 276805140628367 8253573100463854778 n - كلاب السيدة وبائع اللبن والإعلام بينهما

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حتى أصبحت أجيال اليوم لا تعرف غير اللبن المحفوظ المصنع في مصانع لا نعرف ما يحدث فيها، وظهرت أجيال لا تعرف طعم اللبن الحقيقي، بل غالبا لو تذوقوا هذا اللبن الطازج الحقيقي فلن يتقبلوه! لأنهم تعودوا على السائل الأبيض بطعم الجير الذي يشربونه من معلبات مكتوب عليها لبن طبيعي من مصانع كذا!

الدرس:

أن التخويف هو أقوى سلاح في الدعاية!

اقرأ أيضاً:

هل الإعلام وسيلة لتشكيل الرأي العام أم وسيلة مؤدلجة لصناعة القيم؟ 

العبودية الحديثة

عدالة الفكر المادي الخادعة

اضغط على الاعلان لو أعجبك

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

أ. د. خالد عماره

الاستاذ الدكتور خالد عماره طبيب جراحة العظام واستاذ جراحة العظام بكلية الطب جامعة عين شمس

مقالات ذات صلة