فن وأدب - مقالاتمقالات

ميكيافيللي .. ماذا قدم للبشرية في كتاب الأمير؟

يمكنك أن تصف نيقولا ميكيافيللي بالذكاء، لكن بشرط اعتبار الذكاء مسألة نسبية، فالشرير يمكن أن يكون ذكيًا في الشر، والنصاب والمجرم يستدرج ضحيته بحيل ماكرة تدل على الذكاء، لكنه مع ذلك لا يمكن أن يكون ذكيًا بوجه عام، ذلك لأن المراهنة على الشر غباء في حد ذاتها، ويتضح ذلك دائمًا في الجولة النهائية، فالشر يخسر في نهاية المطاف.

عن ماذا يتحدث كتاب الأمير؟

أنا هنا أتحدث عن ميكيافيللي عبر كتابه الشهير”الأمير”، في هذا الكتاب ينحاز ميكيافيللي انحيازًا مطلقًا للطاغية ضد شعبه ومعارضيه ومنافسيه، ويصف له بمنتهى الدهاء الشيطاني كيف ينجح في إخضاع الشعب والمعارضين بشتى الطرق والوسائل، النظيفة منها أو غير النظيفة، وكيف يتخلص من معارضيه وكيف يخيف ويرعب ويبطش حتى لا يجرؤ أحد أبدًا على الاحتجاج، كيف يظلم دون أن يقدر المظلوم على المطالبة بحقه، ويقهر دون أن يستطيع المقهور رفع رأسه، ويستعبد الناس ويذلهم دون أن يتمرد عليه أحد مهما كان.

صحيح أن الكتاب نفسه يعكس خبرة عملية وسياسية واسعة لميكيافيللي، بل وخبرة بالنفس البشرية وبالحياة عمومًا، وصحيح أن الكتاب ليس كله نصائح للطاغية وحثًا له على استخدام الوسائل غير الشريفة من أجل البقاء في الحكم، ويحتوي أيضًا على كثير من النصائح الجيدة للحاكم وللدولة، لكنك قد تكتشف أنه لا شيء يمكن أن يغفر لميكيافيللي مساندة الطاغية ضد الشعب، وتحريضه على البطش والتنكيل والتجويع والتعذيب دون النظر إلى الرحمة والعدل، وعلى أساس أن بطشه وإرهابه من أدوات قوته التي لا غنى له عنها إن أراد البقاء على قمة السلطة، نعم، سيكون من الصعب على إنسان سليم الفطرة أن يغفر لميكيافيللي مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.

من هو كاتب كتاب الأمير؟

el principe 1024x576 - ميكيافيللي .. ماذا قدم للبشرية في كتاب الأمير؟ولد نيقولا ميكيافيللي في فلورنسا عام 1469، ويعتبر من أشهر الفلاسفة والمفكرين الإيطاليين في عصر النهضة، هو الذي أنشأ فكرة الواقعية السياسية وروج لها، وتعد كتبه مرجعًا للعلوم السياسية. نشر كتاب الأمير عام 1532، من أجل أن ينصح الملك لورنزو بن بيرو دي ميديشي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ما هو منهج ميكافيلي؟

في هذا الكتاب يتناول أسس نجاح القائد أو الأمير دون النظر إلى الأخلاق، فالكتاب يتضمن عديدًا من النصائح والآراء والأفكار السياسية التي تدل على ذكاء ودهاء شديدين، لكن لأنه لا يعبأ بالقيم الأخلاقية أو بمعاني الرحمة والعدل فقد جاءت أفكار الكتاب بكثير من الأخلاق غير الحميدة. للأسف منذ أن ظهر هذا الكتاب للنور وهو مرجع اعتمد عليه كل ديكتاتور، فاستخدم أفكاره وما زال يستخدمها عدد كبير من قادة ورؤساء الدول. ناهيك بكونه كتابًا أساسيًا لدارسي العلوم السياسية، إذ يلخص وسائل سيطرة الدولة وبقائها، ولم يجد مؤلفه أي حرج في توجيه النصائح التي تتناقض مع مبادئ العدل والمروءة، وكان أهم ما يريده من تأليف هذا الكتاب إرضاء الملك، لذا جاء الكتاب مناسبًا فقط لكل حاكم طاغية لا يعرف الرحمة.

في كتاب الأمير يقدم ميكيافيللي طريقة الوصول إلى السلطة وإنشاء الدولة المسيطرة، والحفاظ عليها من الأعداء والمتربصين والاحتفاظ بكرسي الحكم حتى النهاية، يستخدم في ذلك دروسًا من التاريخ، فميكيافيللي كان دارسًا للتاريخ بإمعان شديد وتأمل جاد، وجاءت نصائحه عبارة عن خلاصة تجارب المكر والخداع، فيندهش القارئ في كثير من البلاد الديكتاتورية من تطابق هذه النصائح مع ما يعمل به حكامه بالفعل.

من أشهر أقوال ميكافيلي

نبذة عن كتاب الأمير لميكافيلي - ميكيافيللي .. ماذا قدم للبشرية في كتاب الأمير؟

يقول مثلًا: “لا شيء أشد ضرورةً من أن يتظاهر الأمير بالتدين، فالناس عامةً يحكمون بما يرون بأعينهم أكثر ممّا يحكمون بما يلمسون بأيديهم، فكل امرئ يستطيع أن يرى، لكن قلة قليلة تملك أن تلمس ما أنت عليه، ومن واجب الأمير أحيانًا أن يساند دينًا ما ولو كان يعتقد بفساده، إن الدين ضروري للحكومة لا لخدمة الفضيلة لكن لتمكين الحكومة من السيطرة على الناس…”.

يدعو ميكيافيللي إلى عسكرة الحكم فيقول: “من المستحيل أن يحترم الجنود أميرهم الذي يجهل الأمور الحربية، لن نرى رجلًا مسلحًا يطيع رجلًا أعزل ولن نرى أعزل آمنًا بين مسلحين، يجلب كونك بلا سلاح في مواجهة الناس كثيرًا من الشرور، من ضمنها أنك تكون محتقرًا”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

يدعو الحاكم إلى التنكيل بمعارضيه ويصفهم بالأشرار فيقول: “من يُريد الخير لن ينعم أبدًا إذا كان حوله كثير من الأشرار، وهكذا فعليك أن تشيطن خصومك وتصفهم بالأشرار حتى لو كنت أنت الشرير وكانوا هم أصحاب الحق”، ويقول غير مبال بالقانون والعدل: “هناك طريقتان للعراك، واحدة قانونية، والأخرى بالقوة، وعلى الأمير استخدام الطريقتين…”.

يدعو الحاكم إلى استخدام القمع فينصحه قائلًا: “من الأفضل أن يخشاك الناس على أن يحبوك”، وللبرهنة على ذلك يضيف قائلًا: “إنّ الناس أسرع إلى الإساءة لمن يحبّون منهم إلى الإساءة لمن يرهبون، لأنّ الحبّ قائم على نفعهم الذاتي فإذا انتهى هذا النفع ذهب الحب، أمّا الخوف فأساسه العقاب، ورهبة العقاب لا تزول مطلقًا…”، ولا يكتفي ميكيافيللي بتحريض الحاكم على العنف ضد شعبه ومعارضيه بل وينصحه بألا يتدرج في العنف، فيقول: “في الواقع، يجب تنفيذ أعمال العنف دفعة واحدة، فسرعة تجرعها تجعلها أقل مرارة وتأثيرًا على الشعب”، أما أعمال الخير فينصحه ميكيافيللي بالتدرج فيها فيقول: “وأما أعمال الخير فينبغي القيام بها في شكل جرعات منتظمة، حتى يتم تذوقها على نحو يترك طعمها صدى طيبًا في نفوس الناس، الشر يفعل على دفعة واحدة، بينما الخير يفعل على دفعات”.

يقول له: “اجعل الناس تتوقع منك الشر، حتى إذا قدمت لهم بعض الخير شكروك، فالناس لا ينسون فضل من يتوقعون منه الشر…”، ويؤكد له على فائدة القسوة والقمع فيقول: “الأمير لا يخشى أن يتّصف بالقسوة في سبيل توحيد شعبه، لأنّ قسوته تكون أشدّ رحمة من الأمراء الذين يتمادون في اللين ويسمحون بالقلاقل…”، ويقول: “جوّع من تخشى تمرده وكن أسدًا إنسانيًا يخيف الذئاب الجائعة.. أيها القائد كن ثعلبًا يكتشف الفخاخ قبل أن يقع فيها، وأسدًا ليرهب الذئاب قبل أن ترهبه…”، ويضيف: “استخدام المهابة والخوف من العقاب طريقة صحيحة لا تفشل أبدًا، والغاية تبرر الوسيلة”، يقول: “لا تدع عدوك يشبع، فالقويّ الذي يعمل لتقوية الضعيف يسعى إلى الموت بقدميه!”.

يدعوه إلى البخل على الشعب فيقول: “لا يجب على الأمير أن يكون كريمًا مع الناس، لأنهم عندئذ سيطلبون منه مزيدًا فإذا منعه عنهم تمردوا عليه…”، ويحرضه على التنكيل التام فيقول: “إذا كان لا مفر من أذية أحد فلتؤذه بقسوة تجعلك لا تخاف من انتقامه مستقبلًا”.

يوضح له أنه يستطيع تعويض كثير من القسوة تجاه الناس بقليل من الإنعام عليهم، فالناس تحب المال أكثر من أي شيء، فيقول: “ينسى الناس أنهم فقدوا آباءهم بأسرع مما ينسون فقدانهم لنصيبهم في الميراث”، ويحذره مع ذلك من الثورة حتى لو كان الوضع هادئًا ويدعوه لمنعها قبل أن تبدأ فيقول: “الخطأ الشائع عند بعض الأمراء أنهم لا يحسبون حساب العواصف عندما تكون الرياح هادئة…”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هل كان يؤمن ميكافيلي بما ذكره في كتاب الأمير؟

722376 1937198407 1024x538 - ميكيافيللي .. ماذا قدم للبشرية في كتاب الأمير؟لو استسلمنا لذكر كثير مما جاء به ميكيافيللي من نصائح شريرة في كتاب الأمير فلن يكفينا سوى تأليف كتاب بنفس حجم كتابه، لكن وكما يقال، فما لا يدرك كله لا يترك كله، وفي الأمثلة السابقة ما يكفي لإظهار نوع الفكر اللا أخلاقي في هذا الكتاب، الذي أثار ضجة وتم منعه من النشر –إلا بعد موت ميكيافيللي بخمسين سنة– إذ صُودر بسبب لا أخلاقية أفكاره وامتداد تأثيره السيئ ليعم البشرية، لدرجة أن كلًا من نابليون وهتلر اتخذاه مرجعًا لهم، كذلك كان موسوليني لا ينام حتى يقرأه.

لكن هل تظن أن نيقولا ميكيافيللي كان مؤمنًا بكل ما كتبه في هذا الكتاب من أخلاق سيئة؟ يجيب على ذلك ميكيافيللي نفسه، إذ يقول في رسالة إلى صديقه المؤرخ ورجل الدولة الإيطالي فرانشيسكو غويتشيارديني: “لبعض الوقت لم أقل أبدًا ما أومن به، ولم أومنْ أبدًا بما قلتُه، وإذا ما قلت أحيانًا ما أفكّر فيه، فإنّني دائمًا أخفيه بينَ عدد من الأكاذيب، فيصعب الوصول إليه”.

يلاحظ أن كثيرًا من الناس الذين يعيشون في البلاد الشمولية الحكم، يصيبهم الذهول وهم يقرؤون أفكار ميكيافيللي، ويشعرون تمامًا بأن هذه الأفكار هي وحدها التي تحكمهم.

مقالات ذات صلة:

لافندر .. عزة عز الدين

اضغط على الاعلان لو أعجبك

رواية الخيميائي .. لماذا كل هذا النجاح؟

كتاب الفلاسفة الموتى

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ . شامخ الشندويلى

الشاعر والكاتب والسيناريست المعروف

مقالات ذات صلة