مقالاتعلم نفس وأخلاق - مقالات

الصناعات الخفية .. الخوف والتجهيز للسيطرة على الجموع

كيف يتم صناعة الخوف برأيك ؟

ترك لنا الاستعمار إرثاً كبيراً جداً من الأعباء سواءً الاجتماعية أو الاقتصادية، أثقلت المجتمعات التي استعمرها بالكثير من المشكلات التى ما زالت لوقتنا الحالي تشكل أكبر العقبات أمام التنمية والنهوض لتلك المجتمعات، حيث لم ينتهِ الاستعمار بمجرد الرحيل الظاهري عن مستعمرات كان يحتلها، فقد مد حبال الاستعمار على كافة المستويات تقريبا معتمداً إما على الترغيب أو الترهيب، فتارة يرهبها بالعقوبات أو الحروب أو تحريك النعرات والجماعات الموالية له، وتارة أخرى يمنّي المجتمعات بحياة رغدة خالية من الخوف والقلق والتوترات.

ومن التبعات الثقيلة التي تركها الاستعمار، السيولة الفكرية التي صدرها للكثير من المجتمعات، ففي مرحلة الحداثة قدمت وعودا للبشرية بأننا فى زمن العلم، زمن السيطرة على الخوف من تحرير العقل، والسيطرة على الطبيعة وإخضاعها والهيمنة عليها، وقد رسمت أحلاما للكثير من الأفراد والشعوب بأن زمن الخوف قد انتهى.

فما بين تأميم الخوف بأن الدول ستوفر فرص العمل والتأمين الصحي والحماية الاجتماعية وغيرها، نجد على الجانب الآخر تم خصخصة الخوف بأن تقوم الشركات والأفراد بالدور الذي تقوم به الدول لتوفير نفس أسباب إزالة أي خوف.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وقد ثبت فشل تلك النظرة في الكثير من الجوانب، فبدلا من أن يؤدي العلم إلى زيادة الرفاهية والتعايش بين الأفراد والمجتمعات أدى إلى زيادة الصراعات والحروب في العالم، وبدلا من أن يقدم لنا العلم الحلول للكثير من المخاوف التى يعاني منها الفرد، فقد ساهم في زيادتها في العالم، فقد استطاع الفكر الغربي المادي (الخالي من أي قيمة أخلاقية) من توزيع التخوف في تفاصيل الحياة اليومية من اندلاع الحروب والصراعات الدينية والطبقية، واستفادت من هذا التخوف الذي صنعته في زيادة معدلات الكسب وتراكم الأموال؛ فبعد رفعها شعار حماية الأفراد والمجتمعات تخلت عن هذا الشعار ناقلة تلك المسؤولية للأفراد أنفسهم، فحولت تلك المخاوف إلى صناعة كبيرة جدا من أدوات الحراسة وكاميرات المراقبة وأسلحة الحروب.

وجعلت مسؤولية الحماية والتغلب على التخوف مسؤولية الفرد نفسه، مما أصاب الناس بحالة من الهلع والخوف من كل شيء تقريبا، كما فتحت لهم مجالا لإفراغ الخوف فقد أبدعت نظما للتواصل بين البشر لتفريغ طاقات الخوف من جهة واستثمارها من جهة أخرى؛ فنجد في وسائل التواصل الاجتماعي اكتفاء الناس بمجرد التهكم والتعبير عن الحزن والأسى، وكأن كل أدوارهم هي تلك التعبيرات البائسة والتى تزيد فى الوقت نفسه من معدلات الخوف والقلق متناسين أنهم أصحاب المشكلة.

قد أصبح الخوف صناعة كصناعة الجوع والندرة وغيرها من الصناعات الخفية التي اعتمدت على جهل الناس في المقام الأول، أو استغلال حاجات ومخاوف طبيعية وتعظيمها ليتم فرض الهيمنة أكثر وأكثر.

وما نشاهده من فقدان للهوية والغاية فى الحياة وزيادة معدلات الانتحار والأمراض النفسية، ما هي إلا نتاج تلك الصناعات الخفية.

 

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ أيضا:

القوى الكامنة في الإنسان .. لماذا نحن مميزون بالعقل (1)

لُب الزيتونة .. البحث عن السبب الجذري أفضل من معالجة الآثار الناتجة عنه

حرب بين عقله وقلبه.. هل من سبيل لحل الصراع ؟

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مقالات ذات صلة