مقالات

كام شير وتدينى ابنك!

كام شير وتدينى ابنك!

 تنتشر العديد من الظواهر من حين لآخر على مواقع التواصل الاجتماعى وخاصة الفيسبوك وتأخذ ما تأخذ دون أن يمررها الكثيرون على عقولهم محاولين بشكل جاد فهم فحواها أو الهدف منها أو مآلات الخوض والمشاركة فيها.

وظاهرة هذه الأيام هى اتفاقية -محددة بالأرقام-  تتم بين أحد الجماهير وبين أحد رموز شركة أو مؤسسة إنتاجية أو خدمية صغيرة كانت أو كبيرة، هذا الشخص من الجمهور العام راغب فى منتج أو خدمة مجانية من الشركة أو المؤسسة مقابل نشر ( شير ) دعائى لهذا الاتفاق، كأن تحصل مثلاً أحد الفتيات على فستان مجاناً من أحد محلات بيع الفساتين مقابل 500 شير للاتفاقية التى تمت بينهما، أو أن يحصل أحد الفتيان على تقويم لأسنانه مجاناً بالاتفاق مع أحد أطباء الأسنان مقابل 1000 شير فى -عدة أيام محددة- للاتفاقية المدعمة بذكر صفحة العيادة الخاصة للطبيب بالطبع.

وعلى نفس المنوال يطلب الكثيرون: موبايل ، سيارة، شقة، جلسة تصوير مجانية… وهكذا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

المشكلة ليست فى الفستان أو التقويم أو جلسة التصوير او كام شير ولكن المشكلة تكمن فى ثقافة ” الجنْى السريع ” أو ” الكسب دون الجهد ” التى باتت وليدة هذا العصر “عصر السرعة”.

أضف على ذلك أنها فى الغالب تكون دون وعى بالصورة الكاملة وبلا تدقيق فى عواقبها. فهذه الظاهرة لها علاقة وثيقة بالغزو الثقافى وترويج لثقافة الاستهلاك وتحويل العملاء إلى كروت إعلانية لأصحاب الأموال والشركات ولكن سأكتفى بالتركيز على النقطة السابقة وليكن للموضوعات الأخرى حين آخر.

إذا نظرنا إلى الشخص الأول –الراغب فى امتلاك منتج ما أو تحصيل خدمة ما– نجده يريد ذاك الشىء دون استعداد لبذل جهد حقيقي يُذكر مستخدماً أحيانا بعض العواطف لحمل الناس على النشر واستثارة حب المساعدة والخير داخلهم لتنفيذ مطلبه (كسب مادى سريع).

وإذا نظرنا إلى هؤلاء “الناس” نجد مسعاهم لنيل شعور السعادة وعمل الخير يدفعهم للنشر تاركين الآلاف من المساكين حقاً على أرض الواقع دون مساعدة، فعدة ضغطات وهو جالس يتصفح الفيسبوك تغنيه وتكفيه وتُثرى روحه فيذهب بعدها للنوم وهو هادئ البال (كسب معنوى سريع).

وبالطبع يتربع على العرش رؤساء الشركات والمؤسسات التى توافق على هذا النوع من الاتفاقيات، فمن منهم يرفض سبيل دعائى جديد دون جهد أو مقابل يُذكر!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إنها ثقافة الكسب السريع التى تترسخ لدى العديد من الشباب والفتيات –المفترض أنهم ذو الطاقة والحماس-  بل تدفع البعض منهم أحياناً لتفضيل سبل بلا قيم أو مبادئ صحيحة لينالوا الهدف، أو تدفع البعض الآخر لليأس وفقدان الثقة بالنفس نتيجة التأخر الطبيعى للنتيجة المرجوة لأن الجهد المناسب لم يُحقق بعد.

وبثبات هذا المفهوم الخاطئ تنهال عليهم التوقعات بتغيير الحال بضغطة زر أو بمشاهدة فيديو تحفيزى واحد. ويغرق الكثيرون فى الاكتئاب نتيجة عشرات من الخطط المتراكمة وغير المكتملة والأهداف غير التامة والمستوى المهارى والتقنى والعلمى صعب المنال والقدر القاسى والرضا المغلوط.

لا بد من زراعة الطعام أو صنعه أو شرائه حتى تسد جوعك، وكوب الماء لن يروى ظمأك ما لم تمد يدك وتشرب، فالزجاجة لن تتحرك من تلقاء نفسها، ولن تفهم علماً جديداً دون تعلم أسسه وركائزه، ولن تتقن مهارة بشكل احترافى دون ممارستها، وإن أردت مجرد الانتقال من مكانك فلا بد أن تتحرك.

إنها طبيعة الحياة تدفعنا للعمل لجلب ما نريد وما نتمنى، بل وأحياناً تكون رحلة الوصول أعمق إفادة من عاقبة الوصول ذاته ومنها تتراكم الخبرات وتتكون العلاقات، وفيها –أو من المفترض أن- يتعرف الفرد منا على نفسه ويقومها ويتحدى قواه ويقاوم ذلاته ويُغنى مهاراته ويستمتع، فهو يُكادح فى طريقه للوصول لغاياته الرفيعة، وما أعظمه شعور!

لن يأتى كسب حقيقى دون الأخذ بأسباب وعلل الوصول من علم ومعرفة وجهد جسدى وذهنى وتفضيلات وتضحيات وترتيب جيد للأولويات لن يأتي كسب حقيقي  بعملك شير !.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لن ينتقل الشخص فجأة من الدرجة الأولى لأى سُلَّم إلى الدرجة الأخيرة دون المرور بجميع الدرجات الموصولة بينهم.

لا بد من العمل، هذا هو قانون الحياة.

“الذي يريد أن ينتصر في الحياة عليه أن ينتصر على نفسه، على خوفه وكسله وأنانيته وتردده، وأن ينتصر على نواقصه”  لـ فيكتور_سوفوروف

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هبة علي

محاضر بمركز بالعقل نبدأ وباحثة في علوم المنطق والفلسفة

مقالات ذات صلة