مقالات

الأولويات التي تحول دون سقوط الفرد والمجتمع .. الجزء الثالث

طلبنا منك عزيزي القارئ في المقال السابق أن لا تشعر بالتناقض في القول بالسعي للحصول على كل شيء وفي نفس الوقت يكون عدم العطاء هو سبب عدم قدرتك على طلب كل شيء، وهذا ما سنحاول تفسيره في هذا المقال، مع إضافة مفاهيم أكثر حول موضوع بحثنا ” الأولويات التي تحول دون سقوط الفرد والمجتمع “.

من الجيد أن يسعى الإنسان لكل شيء كما أوضحنا سابقا، وأن الطموح إلى معالي القيم هو السبيل إلى ذلك، وقد كانت سيرة الأنبياء والمصلحين على مدار التاريخ تُشجع وتُوضح للإنسان كيفية التزود بتلك القيم طالما الإنسان حيًا يرزق دون كلل أو ملل وبلا توقف.

كيف يكون العطاء؟

لكن هنا يجب أن نوضح ما بدا في ختام المقال السابق من تعارض بين السعي لكل شيء وأن سبيل ذلك هو العطاء!
من العقلانية أن يدرك الإنسان أن الرغبة في الحصول على معالي القيم والتزود بها على مدار حياته حتى يعيش حياة كريمة وعزيزة لهو أمر جيد،

لكن قد يكون في نفس الوقت مُهلك أيضًا، ففي الوقت الذي يريد الإنسان الاحتفاظ بما يملك دون بذله بالعطاء؛ كان كل ما يملك سبب في سقوطه وهلاكه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فحينما تقول بأني لا أريد أن أفقد ما أملك؛ يبدأ حينها السقوط، ففي ذلك الوقت يكون الإنسان قد حصل له ” العُجب” تلك الصفة القبيحة والمُهلكة في ذات الوقت، حيث يظن الإنسان وقتها أن ما حصل عليه هو حق أصيل له دون غيره وغير مطالب ببذله،

وهذا هو سبيل الظالمين المفسدين الذين ظنوا أنهم دون غيرهم من يستحق كل شيء، في حين أن كل ما نملك هو ممنوح لنا وليس نحن سببا أصيلا فيه؛ فالمال رزق وله في عنقنا حقوق للغير فيه والصحة رزق يجب أن نستعمله في الخير،

والشجاعة رزق يجب أن تكن للدفاع عن المستضعفين، والأبناء والزوجة رزق يجب أن نبذل في سبيلهم التضحية والعطاء لتربيتهم وحفظهم وتكوين أسرة عاقلة صالحة تكن دعامة من دعائم المجتمع ككل، فكل ما نملك يجب العطاء منه.

العطاء الحقيقي

العطاء - الأولويات التي تحول دون سقوط الفرد والمجتمع .. الجزء الثالث

وهذا يُعد من الناحية النفسية صعبًا، فقد يتفوه البعض بهذه المفاهيم لأنه لا يملك شيء ، لكن الاختبار الحقيقي هو وقت الامتلاك، وقتها يكون الإنسان أمام المنعطف الخطر الذي ذكرناه سابقًا، بل أكثر من ذلك؛

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فإن اختبار العطاء قد يجعل الإنسان يقتل ويمنع ويغضب ويظلم حتي لا يعطي مما امتلك ظننا منه أن العطاء غير واجب عليه، ولنا في التاريخ وأحداثه العِبر الكثيرة، فما ظَلم المستعمرون إلا بسبب ظنهم أنهم يستحقون كل شيء دون غيرهم وأنهم لهم الحق في الأخذ فقط حتى لو كلف ذلك ملايين القتلى والمشرين والمرضى،

وأن الفقر في العالم لهو من نفس السبب الذي جعل قلة تظن أنها تستحق كل شيء دون غيرها وليس واجب عليها العطاء فمنعت وتجبرت وظلمت حتى صار حال العالم كما نرى اليوم.

لماذا علينا العطاء؟

وقد يتبادر لذهن البعض منا سؤال متعلق بقيمة العطاء، حيث يسأل البعض ولماذا علينا العطاء؟ ولمَ كل هذا الضرر الذي قد يلحق بنا إن منعنا العطاء؟

لكي نفسر هذا التساؤل يجب أن نكون على اتفاق أن الإنسان الذي هو وحده بناء المجتمع والمتمثل فيما بعد في الأسرة وغيرها من التجمعات البشرية كبرت أو صغرت، هذا الإنسان هو مخلوق مختار حر فيما يختار وفق ما تحدده له رؤيته حول الصواب والخطأ ومسببات السعادة والشقاء.

هذا الاختيار لن يكون ذا قيمة إن لم يضع الإنسان بين محبوبين لنفسه، بحيث يحدد ماذا يأخذ وماذا يترك، فالبعض قد يوضع في موقف الرضا ببقاء المحتل في بلده وبين التضحية التي يجب أن يبذلها لو أراد أن يخرج هذا المحتل،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هذا الاختبار هو من يحدد مستقبل الفرد والمجتمع على السواء، فقد يختار بقاء المحتل مقابل ألا يضحي بوقته وماله ونفسه، وقد يختار بذل كل ذلك حتى تبقى بلده ونفسه عزيزة شريفة حرة غير مرهونة لمحتل يستعبدها ويسلبها ثرواتها وكرامتها.

هنا يكون العطاء اختبارًا لقيمة الاختيار الذي يميز الإنسان عن غيره من باقي الكائنات، وهو نفسه من يحدد هل الإنسان يسقط أم يرتقي.

لذة العطاء

العطاء في الإسلام - الأولويات التي تحول دون سقوط الفرد والمجتمع .. الجزء الثالث
إن كل مرة يختار فيها الإنسان العطاء؛ فإن ذلك قد يسبب بعض المعاناة لكن تزول تلك المعاناة بحضور لذة أكبر وأهم فقط لو كان الاختيار صحيح في العطاء، وهذا يفسر بدرجة من البساطة فلسفة المعاناة الظاهرية التي تحصل لكل إنسان على اختلافها من حيث الظروف والأسباب ودرجة التأثير.

فمن لوازم الاختيار الحر للإنسان تلك المعاناة بين الفقد والأخذ، فمثلا يمر العمر فيكتسب الإنسان خبرات ومعارف ، تنقضي العزوبية بعدها يؤسس الإنسان أسرة يحبها وتحبه…….إلخ.

فمن المستحيل أن نمتلك كل شيء في الدنيا؛ لأنه يجب علينا الاختيار، فقط الاختيار الصحيح معاناته أقل واللذة أكبر والعكس صحيح.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ أيضاً:

الجزء الأول من المقال

الجزء الثاني من المقال

أن تكون إنسانا .. ماذا تعني؟!

            *****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

مقالات ذات صلة