إصداراتمقالات

فى انتظار الربان

فى انتظار الربان

سأحدثكم اليوم عن قصة لطالما سمعنا بها ولطالما ترددت أمامنا في كتب الحكايات .. حكايتنا اليوم عن القراصنة .. القراصنة الذين اعتادوا السفر والترحال في البحار بحثا عن الثروة التي يتحصلون عليها عن طريق سرقة ونهب أي شيء يعترض سبلهم المملوءة بكل آثار العدوان على كل مصادر الثروة المتاحة أمامهم .. قدسوا كل ما يلمع وبذلوا الغالي والنفيس لجمعه مهما كان الثمن .. لكن حكايتنا اليوم تدور حول نوع جديد من القراصنة قراصنة لم يسرقوا سفنا أو جواهر فحسب .. بل أنهم يسرقون ممالك بأكملها يجعلونها خاضعة لسلطانهم بكل السبل المتاحة وذلك فقط من أجل تعظيم ثرواتهم التي جمعوها من كل أقطار العالم .

من المعروف أن من يسرق ما أن يحصل على مبتغاه يهم بالفرار إلا هذا النوع من القراصنة الذي أن سرق زادت ثقته بنفسه وظن أنه هو صاحب الحق .. فظن أنه أحق ممن سرقه بما سرقه لذلك قرر هؤلاء القراصنة فرض الوصاية على الممالك التي يسرقونها ظنا منهم أنهم بهذه الطريقة سيضمنون السيطرة على كل ممالك العالم .. القراصنة كانت لهم فلسفة في السرقة كانو ما إذا تمكنوا من مملكة إلا وأقنعوا حكامها بأن يسيروا معهم في البحر في سفن أصغر يعينون عليها حراس من أهل المملكة نفسها من يضمنون ولائه للثروة والمال فما أن يغرونه بالأموال حتى تصبح كل السفن الصغيرة تابعه للسفينة .. وأما إن سألتم صاحب الرواية عن أهل المملكة الأصلية سيخبركم بأنهم بعد ما كانوا يعيشون على الأرض في أملاكهم سالمين أصبحوا يعيشون اليوم في قبو السفينة يدورون في دوامة لا نهاية لها  من العمل والاجتهاد من أجل اللحاق بركب السفينة الأم ولكن هيهات .. فالسفينة الصغيرة لا تمتلك ما تمتلك السفينة الأم من قدرة على الإبحار .. ثم إن أهل السفينة ليسوا بأهل بحر منذ البداية .. وليس لهم في الخبرة في عالم البحار ما هو للقراصنة ..فأي ظلم يتعرض له هؤلاء على يد القراصنة .. الذين سرقوا أملاكهم واغتصبوا أرضهم بل وفرضوا عليهم أسلوب حياتهم المقيت .. أي ظلم هذا!!

قصتنا هذه وإن بدت في ظاهرها كأنها تروى من أحد قصص الحكايات لكنها تحكي عن واقعنا المعاصر كما أظن فالقراصنة في عالمنا الذين استباحوا سرقة كل شيء هم في واقعنا النظام العالمي الجديد أو ما إن شئت قلت ” العولمة ” وهو النظام الذي يتحكم فيه حفنة من كبار رجال الأعمال والإعلام والسياسيين الذين هم في حكايتنا القراصنة الذين يسرقون من هنا وهناك لأجل مضاعفة ما يملكونه من ثروات .. وحراس السفن الصغرى هم حكام الدول التابعة الذين ارتضوا لنفسهم ولشعبهم الهوان والعيش على ظلال سفن القراصنة وعلى فتات ما يقدمه لهم القراصنة من طعام وشراب .. أما عن أسلوب حياة البحار الذي تم فرضه على أهل المدينة فهو أسلوب الحياة المادي ..إثقال الحياة بالهموم المادية لأبعد مدى ليظل أهل المدينة في دوامة لا تنتهي من العمل الشاق التي تسحق عقل الإنسان وتحوله إلى آلة لا تعرف غير المادة لأنها دائما موضوعة في حالة سباق مع من هم أفضل منهم في ركوب الأمواج .

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وهذا هو للأسف حال مجتمعنا اليوم بعد سنين من التبعية والانقياد للنظام العالمي تخلفنا فيهذه السنين فكريا وسياسيا واقتصاديا وأخلاقيا .. يبدو للعيان أن حياه البحر لا تلائمنا نحن لسنا مثلهم ليس كل همنا تعظيم الثروات لسنا قراصنة .. لسنا مجرد آلات تقضي حياتها في الدوران في فلك دائري لا ينتهي .. حياة البحر أثقلت همومنا جعلتنا أكثر رجعية وأكثر فقرا وأكثر جوعا مما مضى .. و مازال حراس السفينة يريدون لهذه السفينة أن تظل في طور الانقياد لهذا النظام البائس .

لو أردنا التخلص من هذا الظلم الملقى على كاهلنا فإننا نحتاج إلى الربان و ليس حارسا .. الربان الذي يقود سفينتنا الصغيرة تلك بعيدا عن مدار السفينة الأم ويقودنا إلى بر أمان نبدأ عليه رحلة البحث عن ما هو أفضل لشعبنا .. لن نأمن شر القراصنة فهم دائما مايتربصون بكل من يعلن التمرد على نظامهم الفاشي .. ولكن ليست غاية رحلتنا كمثل غايتهم .. إن كانت غايتهم الثروات وجمعها .. فإن غايتنا العدل .. العدل ليس فقط في توزيع الثروات .. بل العدل بمعناه المطلق فهدفنا أن يحصل كل فرد على نصيبه من هذه الحياه بالقدر الذي لا ينقص من إنسانيته فليست غايتنا أن نتحول إلى آلات من أجل التكامل المادي فقط وإنما غايتنا أن يتكامل المجتمع عقليا وروحيا وماديا أيضا بالشكل المطلوب .. أقولها مرة أخرى .. لسنا قراصنة .. و لم نخلق لنكون قراصنة .. خلقنا لغاية أعلى وأفضل خلقنا لأجل العدل ولأجل العدل، والعدل وحده أمامنا مفترق طرق إما إكمال المسار كما هو و أن نرتضي الظلم وإما أن نرفع شعار الاستقلال عن هذا النظام الظالم ونتحمل ما يليه من مشقة إقامة العدل من أجل الوصول إليه .. فهما طريقان لا ثالث لهما.

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أحمد رمضان

طالب بكلية الهندسة – جامعة المنصورة
كاتب حر
باحث ومحاضر بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة