مقالات

في البدء كانت القدس

في البدء كانت القدس

الحق واضح جلي، لا يخطئه ذو نظر سليم، لكنه طالما حام حوله أعداؤه محاولين تمويهه، والنيل من وضوحه، وإثارة قضايا جانبية لا تغني من الحق شيئًا ولا تنزله عن عرشه، لكنها تخدع أبصار قصيري النظر، وتضيّعهم في ظلمات التوهان، والمعايير غير الواضحة، كان تلك سمة تاريخ معظم الدول في عالمنا المعاصر، تبديل للحقائق.. وتمييع للمعايير، وتجني على الحق حتى زاغت الأبصار عنه، وانصرفت القلوب!
فلسطين هي قضية العرب الأولى، والأولى بالاهتمام ليس فقط دفاعًا عن فلسطين المحتلة لكن عن أرض العرب كلهم، عن هويتهم، عن ثقافتهم، عن ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم.. دفاعًا عن الأرض ضد المغتصب الذي لطالما خطط لتفتيتها وتمزيقها فلا يكاد يرتفع فيها صوت يعارض  سياساته، أو يعطل مصالحه، أو ينادي بخلاف ما ينادي به.. دفاعًا عن كرامة امتهنت، وعِرض استبيح !
لكن أعداء الحق كانوا له بالمرصاد ضيعوه ومموهوه وسط حديثهم عن ضرورات السلام المرحلية، وعن التصالح مع أبناء العمومة، وعن الفرق التقني الواضح بينهم وبيننا، وعن عجزنا عن مقاومتهم وإن أردنا، وعن أن الفلسطينيين هم من باعوا أراضيهم من البداية، وعن أن تلك قضية الفلسطينيين وحدهم، وعن أن المصالح الاقتصادية تقتضي التطبيع مع العدو، وعن أن القوميات فكرة انتهت من وجدان العالم، وعن ندرة البدائل المتاحة أمام القادة، وعن أنه لا حرب جديدة ستقوم بالمنطقة فقد ركنّا إلى السلام!
زاغت الأبصار عن الحق بدعاويهم الباطلة وافتراءاتهم.. وليت شعري كيف ندعي أننا في مأمن والعدو على بعد خطوات لا يحمينا منه درع؟ بل هو في عقر اقتصادنا يمسك بزمامه، ويستنفذ مواردنا، ويزكي خلافاتنا ليزيدنا فرقة وبعدًا عن الاجتماع عليه!
في العودة لجادة الحق المنقذ لنا، في الكف عن تمويهه والتفوه بالأباطيل ملاذنا.. في البدء في التوحد عليه وإعادة ترتيب الأولويات المنفذ الوحيد لنجاتنا! فلعنة الله على أقوام قعدوا عن القتال والعدو في الدار!

والحرب واعظة تنادينا
لقد سلم المقاتل
والذين بدورهم قتلوا
نعم هذا قضاء الله لكن
ربما سلموا إذا كان الجميع مقاتلين

في البدء كانت القدس ، هي القضية وهي الحق، وهي من في سبيلها استشهد من استشهدوا، وبذل كل من بذل.. هي القبلة الحقة.. هي الوضوح الجلي.. هي الإشارة الواضحة للعدو بالبنان والبدء في مقاومته والتحرر منه، إسرائيل ومن يواليها العدو لا كذب ولا افتراء ولا تمويه.. وما يبذله شباب فلسطين على أرضها اليوم من دماء دفاعًا عنها هي أزكى الدماء.
تدور المواجهات اليوم على أرض فلسطين بين الشباب الفلسطيني والمحتل الإسرائيلي على خلفية خطف بعض المستوطنين اليهود لشاب فلسطيني وتعذيبه وحرقه، فانتفضت القدس ومدن الضفة وفي القلب من المقاومة غزة الأبية.. فبوركت أياد تقذف الحجر في وجه محتل غاصب فترهبه، وبوركت أيادي الأمهات يقمن بجمع الأحجار لشباب المقاومة، وبوركت صواريخ المقاومة تصل لعمق المواقع الإسرائيلية تبث الذعر في قلوبهم.. لا صوت يعلو على صوت المقاومة اليوم في فلسطين و القدس كالنور ينبثق ليبدد ظلمات الظلم والقهر واغتصاب الأرض، وامتهان الكرامة.. ذلك وسط صمت عربي مخذل، وعزوف عن تقديم العون للمقاومة ينم عن جهل وتآمر يودي بحياة الشعوب وكرامة الأمة.. في الوقت الذي تشتكي فيه مستشفيات غزة من نقص المواد الطبية وقلة عدد عربيات الإسعاف بسبب نقص الوقود يتنعم ملوك ورؤساء العرب وتزخر قصورهم وحساباتهم البنكية بالمليارات.. فلعنة الله عليهم أجمعين ما أحجموا عن حفظ ماء الوجه والنهوض للدفاع عن الكرامة وعن القدس ، وعن توفير الاحتياجات الأساسية لأطفال غزة الذين يئنون!
فــ يا أهل غزة ما عليكم بعدها
والله لولاكم لما بقيت سماء ما تظل العالمين

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ولن ينسى الأطفال الساهرين الجائعين تخاذل العرب عنهم…

نفسي الفداء للصغار الساهرين
عطشًا وجوعًا من حصار الأقربين الآكلين الشاربين
المالكين النبيل والوادي وما والاهما ملك اليمين
الشائبين الصابغين رؤوسهم فمعمرين
من أين يأتيكم شعور أنكم ستعمرون إلى الأبد
ثقة لعمري لم أجدها في أحد
عيشوا كما شئتم ليوم أو لغد
لكنني صدقًا أقول لكم
فقط من أجل منظركم، وهيبتكم
إذا سرتم غدًا في التلفاز
سيروا صاغرين

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

داليا السيد

طبيبة بشرية

كاتبة حرة

باحثة في مجال التنمية العقلية والاستغراب بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

حاصلة على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

مقالات ذات صلة