إصداراتمقالات

فلسفة الخوف وخوف الفلسفة

هو مواطن عربي هو شأنه شأن كثير من أبناء الوطن العربي الذين تأثروا بما حدث في خلال ما يزيد عن ثلاث سنوات تغيرت فيها الخريطة السياسية وانقلب فيها المشهد السياسي العربي رأسا على عقب .. هو يتابع الشأن السياسي العربي الإقليمي و الدولي دائما ما يتصفح الصفحات الأولى للجرائد و يتابع الأخبار على شاشات التليفزيون وعلى شبكة الإنترنت و هو دائمًا ما يصدم بأخبار وأنباء صادمة من شأنها أن تزعزع القلوب و أن تحير العقول .. فهناك في الشرق حيث سوريا و العراق حرب بمعنى الكلمة لا ترى فيها أي بوادر رحمة أو شفقة وهنا في ليبيا حرب أخرى تشتعل وسودان منقسم و يمن مضطرب ومصر متقلبة لم تعد أرض الأمن الأمان .. هنا و في هذه اللحظة التي شعر فيها بالخوف من مستقبل مجهول المعالم مستقبل تحدده فوهات المدافع و دوي الإنفجارات .. مستقبل ترسم معالمه الدماء التي تجمعت فيها دماء كل الطوائف و المذاهب و الأديان .. ليجد صديقنا بعد كل هذا نفسه متسائلة .. ما سبب كل هذا ؟!

وبمنطق بسيط تجيب نفسه الخائفة هذا ما جنته علينا الثورات .. نعم فكنا لا نعيش وسط هذا الكابوس المليء بالدماء قبل هذا ” الربيع العربي ” الذين يتحدثون عنه .. الثورات ألقت بعالمنا العربي إلى المجهول ألقت بنا إلى صراعات و مؤامرات و اضطرابات لا تنتهي .. إذن ما كان يجب أن تقوم تلك الثورات من البداية و كل تنظيرات الأنظمة السابقة حول فداحة ما قد تصل إليه البلاد في حال تخليهم عن الحكم كان صحيحًا تمامًا و إلا لما وصل بنا الحال إلى ما نحن عليه .. بذلك المنطق انتهى صديقنا إلى نتيجة فحواها أن الثورة سبب كل ما نحن فيه من تيه و ضياع .. هكذا إذن أصبح يفكر صاحبنا ومع كل يوم تتعقد فيه الأزمات و تضيق الأحوال يأمن أكثر بصحة ما وصل إليه عقله من نتائج و حمل الثورات تبعات كل ما يحدث من أحداث مؤلمة تمر بها أمتنا العربية وهكذا صرخ معلنا معاداته لكل ثورة و ثائر وهو مؤمن تمامًا بحقيقة مفادها أن الثورة لعنة .. وأنه لا مانع أبدا بالعودة كما كنا قبل ذلك هادئين مطمئنين .

نتيجة منطقية أليس كذلك ؟! .. هكذا كان سؤال صاحبنا لصديقه الهادئ الذي قلما يراه أحد يتحدث في الشأن السياسي .. و هنا قرر صاحبنا الهادئ هذا أن يخرج ما في جعبته من كلمات خبأها طويلا و نظر إليه مبتسما ابتسامة منكسرة نصفها شفقة ونصفها الأخر حسرة على ما وصلنا إليه من خوف و جزع من كل ما يحدث حولنا … وهنا بدء بالكلام فيقول :

أسمعت عن أفلاطون ؟!.. أفلاطون الفيلسوف اليوناني الكبير صاحب فكرة المدينة الفاضلة سأحاول بكلمات مختصرة أن ألخص لك ما انتهى إليه هذا الفيلسوف العظيم .. أفلاطون انتهى إلى نظرية سياسية شبه فيها المجتمع كالإنسان كلاهما تحكم في حركته ثلاث قوى منها الغضبية والشهوية و تحكمهما قوة الإنسان العاقلة كذلك المجتمع يمتلك القوى الثلاث القوة الشهوية الممثلة في أصحاب الأموال و النفوذ والقوة الغضبية الممثلة في حراس المجتمع و قوة عاقلة و هي فلاسفة ومفكرين الأمة وينتهي أفلاطون بنظريته إلى وجوب حكم مفكرين و فلاسفة الأمة المجتمع كما تحكم القوة العاقلة الإنسان و تجعله إنسانا حقا .. كذلك لا يكون المجتمع مجتمعا ناجحًا إلا بحكم فلاسفته ذلك لأن عقل الأمة هو الأعلم بطرق قيادته المجتمع إلى كماله العقلي و الروحي و المادي .. و إذا ما حدث و حكم أصحاب القوة الغاضبة فإنهم سيستبدون بما يملكونه من قوة و نقص معرفة على المجتمع المسكين .. كذلك الحال في حال ما إذا حكم أصحاب الشهوة والنفوذ فإنهم يطمعون فيما يمتلك المجتمع و يعتبرونه ملكهم هم قد سخر لتلبية رغباتهم هم لا المجتمع .. و هنا تبدأ معاناة الشعوب و يبدأ الإنحراف عن العدالة فتظهر كل المشاكل الاجتماعية و تتعقد الأمور.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

قد يبدو كلامي غريبا أليس كذلك ؟! … إنتظر حتى أتمم لك ما في عقلي دعني أخبرك الآن عن مجتمعنا نحن .. في مجتمعنا العربي حدث تزاوج غريب من نوعه بين أصحاب الشهوة و النفوذ و بين أصحاب القوة فأنتج ذلك مزيجًا قويًا صلبًا يصعب اختراقه تجمعت فيه القوة والغضب فاجتمع الفساد والاستبداد معًا وفي اجتماعهم كان افتراق لكل المعاني العادلة في المجتمع نهبوا أموال الشعوب وسرقوها و حاربوا كل من يفكر في معارضتهم استبدوا و طغوا إلى أقصى درجة .. لم يهتموا بالفكر والأفكار الرشيدة فهم ليسوا أهل علم .. فقط اهتموا بجمع الثروات و تحصين حكمهم مهما كان الثمن فتركوا ضحايا استبدادهم تأخذهم عقولهم إلى التطرف كونها الأفكار الأكثر انتشارا فأفكار التكفير لها إرث عظيم في تاريخنا ولأنهم ليسوا أهل علم ولا حتى من محبيه فلم يشغلوا بالهم بصد الأفكار المتطرفة بل ساعدوا على انتشارها أكثر بإلتزامهم بتنفيذ حق القوة و فقط على كل من يعترض طريقهم من أبناء وطنهم .. من هنا كان عالمنا العربي أرضًا خصبة للتطرف .. التطرف الحكومي من جانب والمجتمعي من جانب أخر .

إذن من جهل حكامنا و استبدادهم كانت البداية و مع ازدياد المظلومية الواقعة على الشعوب و لأن الإنسان بطبيعته محب للعدالة مشتاق إليها فكان من الطبيعي أن يأتي اليوم الذي تنفجر فيه الشعوب غضبًا مطالبة بحقها في الحياه الكريمة و العادلة فتلك متطلبات لا تستقيم أمور المجتمع دونها … فقد أحاط الفقر و الجوع و المرض و الفساد و الإستبداد المجتمع من كل النواحي فكان الخروج طبيعيا منطقيا .. و لكن للأسف لم يجد هذا الغضب الشعبي الكبير من يوجهه و يخرجه من الظلمات إلى النور كما الغضب الشعبي تمت مقابلته بالقوة كالعادة فبرزت الأفكار المتطرفة في بعض البلاد لتعلن نفسها قائدة للحراك الثوري ولترتكب باسم الدين والثورة أفظع الجرائم التي تنافي كل المعايير الدينية و الإنسانية فمن يرى حال سوريا والعراق يفهم و يدرك ما أقول .. و أخاف على دول أخرى أن تلقى نفس المصير .

يا صديقي إن الجهل يولد الظلم والظلم يولد التطرف والتطرف يولد الفوضى تلك نتائج طبيعية لمن يعتبر ويعقل ما حوله .. و نحن الآن أمام متلازمة أطرافها متنازعان متحاربان فإما دولة مستبدة ظالمة ويد حديدية وإما فوضى شاملة تطال كل ما يقف في طريقها .. نعم هي ثنائية مقيتة نصنعها نحن بجهلنا أولا قبل الحديث عن أي مؤامرات خارجية و خطط دولية .. وصدقني حين أقولها لك يا صديقي قد يفضل البعض بقاء الدولة على الفوضى و هذا مفهوم لكن هذا لن يكون أكثر من مجرد مسكن لمرض انتشر في جسد الأمة العربية كوباء الطاعون في القرون الوسطى وهو مسكن لا يغني و لا يسمن من جوع دون عدالة واستعاب لكل أطراف المجتمع .. فالفائز في هذه الحروب الدائرة حولنا مهزوم حتى لو طال الزمن فلن يشفى الجرح إلا بالدواء كما لن يروي عطش الظمآن إلا الماء .. و دواء المجتمعات المظلومة العدالة .. و العدالة وحدها .

لذا و قبل قيام الثورات وقبل الحروب الأهلية والفتنة الطائفية وقبل الصراعات السياسية .. قبل داعش والجماعات التكفيرية … قبل الأنظمة العسكرية المستبدة و قبل كل هذا أسأل نفسك عديد الأسئلة يا صديقي.. متى كنا أهل علم يتطلع حكامنا إلى العدالة مثل تطلعهم إلى السلطة و النفوذ؟! ومتى كنا أصحاب أفكار تتسم بالعقلانية ؟! و متى كنا أصحاب منهجية علمية حقيقية توفر حلولا للمشاكل المجتمعية و السياسية و الاقتصادية و الأخلاقية و الدينية ؟! متى كنا نهتم بالثقافة و المفكرين كإهتمامنا بأخر صيحات الموضة العالمية و نجوم الشاشات الفضية ؟! متى كان بيننا ما يرفع لواء العقل من يتخذ من العدالة منهجا غاية ووسيلة للنهوض بالمجتمعات؟! .. نحن ما بين طامع أو غاضب أو خائف .. و نفتقد بيننا العاقل القادر على إيجاد صيغة أفضل لجعل حل مجتمعاتنا أفضل .. قل لي إذن يا صديقي … متى ينقشع الظلام ؟! … و متى نعيش مطمئنين هادئين ؟! … أظنك قد عرفت الإجابة الآن

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أحمد رمضان

طالب بكلية الهندسة – جامعة المنصورة
كاتب حر
باحث ومحاضر بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة