فن وأدب - مقالاتمقالات

فلسطين عند منصفي الغرب

انمازت فلسطين من كون قضيتها جاذبة لأصحاب الضمائر اليقظة والقلوب الحية من الجنسيات كافة، فلم تقتصر الكتابة عن فلسطين ومقاومتها على الأدباء العرب فقط –وإن كان فيهم الكفاية والغناء– وإنما وجدنا بعض الأدباء العالميين المنصفين تناولوا في أدبهم القضية الفلسطينية، ومن البدهي أن يهتم المسلمون غير العرب بالقضية، فالمنزع الديني عامل مشترك يجعلهم مشاركين في القضية، أما المثير للاهتمام أن نجد من غير العرب وليس على دين الإسلام من يهتم بالقضية الفلسطينية، فهذا مما يؤكد حق هؤلاء الفلسطينيين في جهادهم ودفاعهم عن أرضهم، ومن هؤلاء الشعراء الأديب العالمي “غونتر غراس” الألماني صاحب جائزة “نوبل” عن روايته “طبل الصفيح”، الذي كتب قصيدته: “ما يجب أن يقال” (What Must Be Said)، ونشرها في إحدى الصحف الصادرة في ميونخ عام اثني عشر وألفين للميلاد، وطالب فيها بفرض الرقابة على أنشطة “إسرائيل” النووية، لأنه لا يحق لها أن تمتلك هذا السلاح الذي يشكل خطرًا على السلم العالمي، فيقول ما ترجمته:

“أعترف: لن أستمر في الصمت،

لأنني سئمت

من نفاق الغرب

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وأتمنى

أن يتحرر كثيرون من هذا الصمت

ومطالبة مسببي هذا الخطر المعروف

الاستغناء عن العنف

وفي الوقت نفسه التشبث

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بالمطالبة بمراقبة مستمرة ودون إعاقة

للإمكانيات الذرية الإسرائيلية”.

فالألمان الذين سكتوا طويلًا تحت وطأة أفعالهم النازية ضد اليهود في الماضي فاض بهم الكيل، وخرجوا عن صمتهم وانتقدوا الصهاينة الذين يضربون بكل الاتفاقيات الدولية عرض الحائط، ويفعلون الأفاعيل النكر بالشعب الفلسطيني دون خوف من فرض عقوبات دولية أو تحرك أممي، وذلك لسبب بسيط أنها ربيبة الولايات المتحدة الأمريكية ويدها العليا المدللة في منطقة الشرق الأوسط، وقد أكد “غراس” أنه التزم الصمت زمنًا طويلًا بسبب الفزع الذي أخرس ألسنة الناس زمنًا بسبب الحكم الشائع بمعاداة السامية، لكنه لم يستطع أن يظل صامتًا إزاء هذه الأحداث الإجرامية العدائية التي ترتكبها إسرائيل، ويصف ذلك بقوله:

“أشعر بالكتمان العام لهذه الحقائق،

الذي خضع له صمتي،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ككذبة مُرهقة

يقود بالضرورة حالما تُجوُهِل

إلى احتمال العقوبة

والحكم بـ”المعاداة للسامية” المعتاد”.

كما أنه انتقد الحكومات الألمانية التي تحابي إسرائيل كنوع من التكفير عن ذنبها في الماضي بقوله:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

“الآن، ولأن بلدي،

من حين لآخر يُطلب منه

التعويض عن جرائمه القديمة

التي ليس لها مثيل،

يزود عمليًا/تجاريًا بحثًا

إسرائيل بغواصة حربية مرة أخرى”.

كان من تبعات هذه القصيدة مناداة بعض الصهاينة بسلبه جائزة “نوبل” التي حصل عليها، ومنعه من دخول إسرائيل، ما جعل السكرتير الدائم للأكاديمية السويدية آنذاك “بيتر أنجولد” يؤكد أنّ الجائزة منحت لغراس بسبب جدارته الأدبية ولا علاقة لذلك بالمواقف السياسية.

فلسطين في الأدب العالمي

اسير عاشق جان جينيه المكتبة نت www.Maktbah.net 1 - فلسطين عند منصفي الغرب

من أجناس الآداب العالمية التي اهتمت بالقضية الفلسطينية “أدب الرحلة”، الذي نقل المشاهد والمعاهد الفلسطينية في نصوصه، فهذه مدينة القدس تظهر متلألئة في يوميات الكاتبة الإيطالية “ماتيلدا سيراو” في روايتها “بلد المسيح”، التي وصفت فيها رحلتها إلى القدس، واصطحبت المؤلفة القارئ ليستكشف معها روح تلك الأرض المقدسة التي رأت السيد المسيح وسمعت صوته، ذلك المكان الذي انماز من ظواهره المادية، فها هي أسوار مدينة القدس وأبوابها ورائحتها وتاريخها وكل شيء فيها يعكس أصالة هذه المدينة، إنها صورة الفردوس في الأرض، لكنها ترتدي ملابس الحداد، البيوت والشوارع الضيقة التي تصعد وتهبط بين التلال، والأزقة والأحياء والحانات والمتاجر المظلمة، ومعبد سليمان وجامع عمرو الذي يبدو كأنه قطعة فنية خرجت في التو من بين أيدي أعظم الفنانين.

تتساءل المؤلفة “ماتيلدا سيراو” من هم سكان القدس من بين الذين يعيشون بين جدرانها المقدسة، من منهم الذين يستحقون أن يطلق عليهم هذا المسمى الشريف، بالتأكيد ليس اليهود مع أنهم يشكلون أكثر من نصف سكان القدس الآن، لأنهم كانوا مشتتين لا أمة لهم ولا شعب، وأتوا من كل بقاع الأرض ليعيشوا هنا لكنهم يعيشون في خوف دائم، لأنهم يرون في الآخر عدوًا لهم، ويشعرون بالاضطهاد، ويعيشون في منازل صغيرة مظلمة هى أسوأ منازل القدس. وعلى الرغم من سيطرتهم على التجارة الرئيسة في القدس فإنهم لا يملكون الشجاعة ولا السعادة، ضعفاء عجزة، متطفلون، يسلبون هواء المدينة المقدسة وشمسها.

رواية أسير عاشق

كذلك من الكتاب العالميين الذي جعلوا روايتهم في أرض فلسطين الكاتب الفرنسي “جان جينيه” الذي كتب رواية: “أسير عاشق” وقد ترجمها “كاظم جهاد” إلى العربية، وهي رواية تنتمى إلى أدب الشهادة، إذ سجل “جينيه” أيامه التي قضاها في فلسطين مما يجعلها إضافة أدبية للقضية الفلسطينية.

رواية نجمة هائمة

كذلك رواية (نجمة هائمة) التي صدرت عام 1992، للكاتب “جون ماري جوستاف” الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 2008، تدور أحداث الرواية في أربعينيات القرن العشرين، وهى تساوي بين الاقتلاع الفلسطيني ومأساة اليهود في أثناء الحرب العالمية الثانية، عبر شخصية “إستر” اليهودية التي رفضت البقاء في القدس، وقررت العودة إلى فرنسا تضامنًا مع “نجمة” الفلسطينية التي لم تلتقيها سوى مرة واحدة عام 1948، توقف فيها الزمن ليسجل لحظة خروج “نجمة” من فلسطين، ودخول “إستر” إليها، لحظة تلاقت فيها عيون الفتاتين وتبادلا فيها خيوط المأساة.

وغير هؤلاء كثير من الأدباء العالميين الذين ما زالت قلوبهم يقظة وضمائرهم حية، ولم يسيروا في ركاب الهيمنة اليهودية التي تسيطر –وللأسف الشديد– على مجريات الأمور الإعلامية والتجارية على مستوى العالم.

مقالات ذات صلة:

فلسطين عربية محتدًا وواقعًا

الطـوفـان

غزة والغزاة

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. عبدالله أديب القاوقجي

مدرس بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر

مقالات ذات صلة