مقالات

فلسطين القضية الإنسانية

تظل المعضلة الأخلاقية بتشعباتها واحدة من أهم المعضلات الإنسانية الناتجة عن السؤال الأعظم لوجوده وهو من أين؟!! فإن أجاب ذلك السؤال أياً كان جوابه بدأ بالحركة والسعى نحو كل ما يخدم هذا الوجود وغرضه -إن رأى لوجوده غرضاً- لينتقل للسؤال الأكثر تعقيداً وهو فى أين؟!! وقد تبدو الإختلافات معدومة فى أفعاله البسيطة كالصيد مثلاً للطعام وفيها يشترك المؤمن وغيره أو قتل الحيوانات البرية من حوله حماية لنفسه ولأمنه الخاص ولكن ماذا عن سؤال أكثر تعقيداً مثل القضية الفلسطينية أو لنطرحه بشكل مختلف يتناسب مع الغالبية العظمى منا فهل موقفك تجاه فلسطين العربية أم فلسطين الإسلامية؟!!.

ولإختلاف اللفظ بُعداً آخر قد يبدو لك للوهلة الأولى سطحياً ساذجاً ولكنك إن تمعنت فى الموقف الفلسطينى لوجدت قوماً يغتصبون الأرض والعرض ويقتلون الرجال والنساء والأطفال والشيوخ وينتهكون كل معانى الإنسانية والكرامة لأجل ما يسمونه بأرض الميعاد التى وعد الله بها شعبه المختار فإن كان ما جذبك فى الجملة الأخيرة فقط هو ما يتعلق بالوعد الإلهى فأنت يا عزيزى من أصحاب الموقف الأول أو المتأسلم الذى يرى فى فلسطين حقاً إسلامياً فقط أما إن كانت الجملة كلها قد جذبت إنتباهك فأنت صاحب الموقف الثانى المتعلق بعروبة فلسطين.

وعلى الرغم مما قد يكون من تماثل فى السلوك بين أصحاب هذا الموقف أو ذاك إلا أن الدوافع المحركة لكلا منهما الناتجة عن رؤية كونية مختلفة تماماً قد تظهر فى مواقف أكثر تشابكاً حتى وإن إشتركا فى الحمية لنفس القضية فأصحاب الموقف الأول الخاص بفلسطين كحقاً إسلامياً فقط هم أنفسهم من رأوا فى الإتحاد السوفيتى الخطر الداهم الأتى عن طريق بلاداً لا تعرف الدين يقابلها أهل الكتاب أبناء العم سام دون النظر إلى ما يحمله الطرفين من تشابه فى الفكرة الأساسية التى تحمل الخطر للإنسانية كلها بما فيها من نزعة إمبريالية واضحة وهم أنفسهم من يرون فى الخطر الشيعى وشيطان إيران الأسود تهديداً أعظم من التهديد الصهيونى والأمريكى بما تحمله أعماقهم من تشوه لمعنى الحق وضبابية لقيم العدل وغياب للميزان الموضوعى الحاكم والنظرة الإنسانية للآخر بما يحمله من تشابه واختلاف.

بينما على الجانب الآخر يقبع أصحاب النظرة العربية –لا القومية- لفلسطين كدولة عربية تقع فى قلب العالم العربي نشأت أزمتها من وعد من لا يملك لمن لا يستحق -وعد بلفورد- كما وصفه الزعيم العربى السابق جمال عبد الناصر لتكون القضية الفلسطينية إنسانية بالدرجة الأولى يتأثر بها كل صاحب عقل وقلب سليم مدرك لمعانى الحق الذى يشترك فيه العربى والغربى مسلماً كان أو مسيحى منتصراً للحق أينما كان غاضاً بصره عن القوة أو الأغلبية أو الطائفية وإن أحتلت القضية  الفلسطنية بداخله حيزاً خاصاً منطلقاً من أن حربه للحق وللحرية تبدأ من أن يتحرر هو نفسه وأن يعيش على أرضاً حرة لا تمتلىء بجنود عدو الإنسانية ولا يأتمر بأمرها متحركاً لتنفيذ سياساتها مندفعاً نحو هلاكه محارباً لقيم العدل والحق و الإنسانية .

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ولكى لا ننزلق إلى ثنائية جديدة هى ثنائية (الدين و الإنسانية ) بعد الثنائيات المعروفة (النص والعقل) أو (العلم والله) فيجب أن نوضح هاهنا العلاقة بين الدين الحق والإنسانية وهو الخطأ الذى وقع فيه بعض المتشددين من الطرفين بدلاً من اتباع العقل كميزان حاكم للإنسان ديناً ودنيا فأستشهد بقول الشيخ محمد الغزالى -رحمه الله- “إن الدين الذى بلغه الأخيار من فجر الخليقة إلى الآن هو هذه الإنسانية الراشدة لأنها تسمع صوت العقل , الصالحة لأنها تسمع صوت الضمير أى صوت القلب الطهور الذى يحسن الحسن ويقبح القبيح.
وعندما يكون هو فطرة الله التى فطر الناس عليها , فما الجديد الذى ينكره الإنسان , وينتصب لمقاومته؟ نعم ساء عرض الدين فى أعصار طويلة , وطولب البشر أحياناً بما يخالف الفطرة , وتأباه الطباع القويمة , ولست أقبل هذا الوضع , ومن حق أولى الألباب أن يرفضوا ما يكذبه العقل , وما تتأذى منه الفطرة , لأنه ليس ديناً نازلاً من السماء , وإنما هو نبت سام خرج من الأرض.” تلك الكلمات من نور التى تضىء طريقاً لرحلة الإنسان نحو بلوغ غايته فى الحياة ليسعد بكماله معلياً قيم الإنسانية الحقة.

وفى نهاية المطاف أختم بالحديث عن الفئة الثالثة التى ترى فى الدفاع عن فلسطين قضية غير ذات أهمية وربما تتنافى مع حق المنفعة وعن هؤلاء لا أستطيع الإشارة فقط لفقدانهم لهويتهم الحضارية الإسلامية ولا هويتهم الثقافية العربية بل فقدوا هويتهم الإنسانية ذاتها ليصبحوا مجرد حيوانات لا تعى من الدنيا سوى ما يُشبع نصفها السفلى ويُرضى شهواتهم ورغباتهم ففقدوا معانى الأرض والعرض والكرامة وفقدوا معها معانى الحق والباطل وأصبح كل ذلك لديهم سواء.

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

محمد صابر

مهندس حر

باحث في علوم التربية وفلسفة التعليم بمركز “بالعقل نبدأ”

دراسات عليا في كلية التربية جامعة المنصورة

حاصل على دورة إعداد معلم (TOT) من BRITCH FOUNDATION TRAINING LICENSE المعتمد من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة

حاصل على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

مقالات ذات صلة