مقالات

فجر الضمير

يتعامل الإنسان مع غيره من بني جنسه وما في الكون من الأحياء والجمادات وقد يكون عادلًا أو ظالمًا، يظهر ذلك في ردة فعل ضميره؛ هل هو حي أم ميّت أم يتراوح بين الأمرين؟

إنّ ضمير الفرد هو صوت داخلي قوي يأتيه بوضوح كلما أقبل على فِعل أمر أو أحجم عنه، ويرتبط ضمير الشخص بتعليمه في صِغره وإرضاعه للقيم والمبادىء الحسنة وإشرابه للسلوك والأخلاق المُرضية والصفات القويمة.

الضمير الحي

فالضمير اليقظ يجعل صاحبه لا يمد يده إلى المال العام بحجّة أنه مال الدولة -سايب- لا مالِكَ له، أوالنظر إلى ما لا يجوز النظر إليه، أو التطاول على إنسان وظلمه والتعامل معه بكِبر وصَلَف وعَجْرَفة، ومراجعة الضمير تجعل صاحبه عادلًا كالراعي مع رعيته والمدير في مؤسسته والسائس الذي يُروّض دوابه.

إنّ الضمير الحي يجنّب صاحبه الوقوع في الحرام والمحظور حتى لو كان يجلس وحده وليس معه أحد، إنه الضمير الذي يصاحبه كظله في الخلوات والاجتماعات، فهو كالصديق الوفي الذي يقف لصديقه بالمرصاد، وينصحه بصدق، ويرشده بإخلاص، بل ويوقفه إذا لزم الأمر واحتاج إلى التدخل.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فيرتبط الضمير بالقلب ارتباطًا لازمًا وثيقًا لصيقًا كالأفعال والأقوال، فالصلة بينهم قوية: موتًا وحياة، سكونًا وحركة، تأثيرًا وتأثرًا، قوة وضعفًا.

نحتاج إلى استيقاظ الضمير ونفض التراب من فوقه ليستعيد عمله ونشاطه، ويعود إلى ممارسة حياته الطبيعية وقوّة دوره الرائد والمحوري والفاعل، لينضبط الفلّاح في حقله، والبائع في متجره، والعامل في مصنعه، والشرطي في الشارع، والمعلم في حجرة الصف، والتلميذ مع كتابه، نحتاج هذا كله وغيره حتى لا يستضعف بعضنا بعضًا ولا يبغي بعضنا على بعض.

وما كتاب “فجر الضمير” لجيمس هنري برستيد لسليم حسن منا ببعيد، هذا الرجل عالم المصريات عبقري، فنحن بالفعل نحتاج أن نعود إلى أخلاقيات المصري القديم الذي كان يأمر بنشر العدل بين رعيته ويوصي أولاده به، ووضع مجموعة من القيم الأخلاقية الراقية والأسس السامية التي صنعت الحضارة العريقة لآلاف السنين، لعلمه أنّ هذا سينزل معه في قبره وهو نافِعه عندما يُسأل عن تطبيقه من عدمه.

كما قال الأديب

وكما قال الأديب والشاعر ابن المعتز (العصر العباسي):

بُكـاهُ عَلى مـا فـي الضَمـيرِ دَليـلُ.. وَلَكِنَّ مـَولاهُ عَلَيهِ بَخـيلُ

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وَلي كَبِدٌ أَمسى يُقَطِّعُهُ الهَوى.. وَدَمعٌ عَصى الأَجفانَ وَهُوَ يَسيلُ

وكما قال الأديب الكبير توفيق الحكيم: “ليس العقل ما يميز الإنسان عن الحيوان ولكن الضمير”، فالإنسان بلا ضمير كالحاطِب بليل، وجسد بلا قلب، وسفينة بلا رُبّان، وكمثل الهائم على وجهه في ظلمات البر والبحر، والتائه في الصحراء الواسعة الشاسعة التي لا يحدّها حدّ، ومستعد لتخطي أي حد، لا يقرّ له قرار ولا يجد له مَرْسى.

وما أعظم كتاب (وحي القلم) الذي أبدع فيه مصطفى صادق الرافعي بقوله: “ما أعجب سرّ الحياة! لكل شجرة في الربيع جمال هندسي مستقل، ومهما قطعتَ منها وغيّرتَ من شكلها أبرزتها الحياة في جمال هندسي جديد كأنك أصلحتَها، ولو لم يبق منها إلا جذر حي أسرعت الحياة فجعلت له شكلًا من غصون وأوراق. الحياة الحياة، إذا أنت لم تفسدها جاءتك دائمًا هداياها”.

نحن الذين نُحسِن صُنع الضمير ونُحْكِم توجيهه ونُصْقِل مَعْدنه، نحتاجه لبناء الفرد وامتلائه بحب الخير للنفس والآخَر، ونحتاجه لبناء الأسرة لأنها قاعدة المجتمع، كما نحتاجه على مستوى الدولة فنعرف ما لنا وما ينبغي فِعْله لغيرنا، كيف نتعامل ونتعايش ونتقاسم، يقف بعضنا على حدود الآخر لا ينتهكها أو يُشوّهها بالشبهات والشهوات أو إسقاط الرموز من أعين العامة، نحتاج الضمير الحي اليقظ من أجل الإنسانية ونشر الجمال في الكون والسِّلْم وثقافة السلام.

اقرأ أيضاً:

أنا استطيع تملك زمام الأمور

اضغط على الاعلان لو أعجبك

المحاكمة قبل الأخيرة

لا تشرق شمس حضارة إلا بالأخلاق

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر

مقالات ذات صلة