مقالات

غزو بس بشويش ..  الإنسان ومطرقة المادية

خلق الله الإنسان من أب واحد وأم واحدة، ورغم تمايز الحضارات وتعدد الألوان والأجناس إلا أن خصائص الإنسانية ومقوماتها واحدة، وسبل سعادتها ورقيها واحدة.

ولكن اختلفت فلسفات الحضارات، وتمايزت فى تحديد مركز هذا الإنسان فى الكون ودرجته فى سلم الوجود. فمن الحضارات من ترى أن رُقى الإنسان وسعادته؛ بأن يُفنِى ذاته فى المُثل والمعانى الروحية ويحتقر الجسد والمادة ويدير ظهره للحياة ومتطلباتها.

ومن الحضارات من ترى أن رُقى الإنسان وسعادته؛ بأن يكون سيد الكون وأن يتمحور كل سعيه نحو ذاته، يعيش لذاته ورغباته التى تجلب له اللذة والمتعة وأن الرغبات المادية هى التي تفعل هذا!

ومن الحضارات من ترى أن رُقى الإنسان وسعادته يتحقق؛ بأن ينتمى هذا الإنسان للكون، يسلم وجهه لخالقه ويكون خليفة الله فى عمارة الكون، ينهض بأمانة الخلافة فى كل جوانبها، بل ويبدع فى كل ما هو معقول وكل ما هو ممكن ومباح.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حضارة تنظر للإنسان نظرة معتدلة لا تظلمه معنويًا ولا ماديًا، تُسخِّر كل إمكاناته؛ ليبلغ بها سعادته فلا تميت جانبًا، اعتقادًا منها بأن هكذا يحيىٰ الجانب الآخر؛ لأن فى الحقيقة محاولة التخلص من أحد جانبى الإنسان هو فى حقيقته تخلص من الإنسان بالكلية، ولكن يسعد الإنسان بإعطاء الجانب المادى حقه بلا إفراط أو تفريط وبإعطاء الجانب المعنوى حقه كما يجب.

إن حضارة كمثل هذه الحضارة المعتدلة مجرد وجودها وإفساح المجال لها للحديث مع الناس والظهور أمامهم؛ هو فى حد ذاته خطر يهدد أى حضارة أخرى تتبنى فكرًا مخالفًا.

فماذا لو تخيلنا وجود حضارة تسعى وبشدة لإعلاء قيمة المادة وحسب؟! ماذا ستفعل لتحيا فى وجود فكر معتدل كالذى ذكرناه؟!!

إننا لو نظرنا للعالم اليوم؛ سنجد أن الحضارة التى تبسط هيمنتها وتفرض سلطانها على العالم هى الحضارة الغربية. والتى منذ نشأتها وحتى يومنا هذا تتبع تيارًا ماديًا بارزًا.

تيارًا يتبع المادة أينما كانت ومهما بلغت التكلفة ومهما كانت الوسيلة ولا يعترف بما سوى المادة، وإيمانًا منه بهذه الفكرة سعى لخدمتها بأن تَوجَّه لسلب الشعوب الأخرى وخاصة تلك التى لا تؤيد فكرته.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فى البداية لم يلجأ هذا التيار لغير وسائل القوة، إذ –ولجهله بمعنى الفكر والإيمان- اعتقد أنه يواجه فكرًا متجسدًا يمكن إقصاؤه بجيش جرار، بمدفع ودبابه أو برميه خلف القضبان وترهيبه أو بإغرائه ماديًا.

ولكن سرعان ما اكتشف أن ما أراد اقصاؤه؛ يتخطى الأجساد التى قتلها، والأفواه التى كممها والأيدى التى كبَّلها. سرعان ما اكتشف أنه بطغيانه وهمجيته؛ روى الفكرة التى يخشاها حتى ترسخت فى ضمير الشعوب لتدفعها للمقاومة أكثر وأكثر.

فأدرك أن وسائل القوة التى فشلت فى هزيمة الأجساد؛ حتمًا ستفشل فى هزيمة الضمائر فلجأ إلى طريقة جديدة، جعلها مسلكه الرئيسي والقوة هى المسلك الفرعي.

سيحارب الفكرة المجردة ولكن بوسائل أكثر مرونة، سيسعى لهزيمة هذه الشعوب فى شخصيتها وثقافتها وعقيدتها وأخلاقها، سيسعى إلى تصفية العقول والأفهام ويتسلل إليها فى صمت ونعومة. فتُقبل عليه عن رضا وحب وطواعية، وتتلقى -معظم وأحيانًا- كل ما يأتيهم من هذا التيار بكفاءة منقطعة النظير دون أى محاولة لتحليله أو تفسيره ودون أن تُدرك أن كل ما يصدره لهم هذا التيار يعكس منظوره وتحيزه هو ودون أن تدرك هذه الشعوب أن منظورهم مختلف عن منظوره؛ لأن رؤيتها مختلفة وقضاياها مختلفة وحتى تجربتها التاريخية والإنسانية مختلفة، وحتى مصطلحاتها مختلفة، تصبح هذه الشعوب عاجزة حتى عن إدراك اختلاف طبيعتها فتتحول لمسخ بين يديه فكرًا فيه سعادة الإنسان، ولكنه عاجز عن قراءته، ولا هو يستطيع حتى أن يشبه التيار الذى يتطلع إليه.

 

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ أيضا :

بعد أن اعتدنا الفساد، هل نفقد الأمل فى إنسانيتنا ؟ ومن هو البطل الحقيقي ؟

المعاناة والألم … هل من سبيل للخلاص من المعاناة ؟ ولماذا نعاني من الأساس ؟

الأمل فوق رؤوسنا، فلتنتعش نفوسنا الظمأى بذلك

اضغط على الاعلان لو أعجبك

دعاء محمود

طالبة بكلية الطب جامعة المنصورة

باحثة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة