مقالاتفن وأدب - مقالات

مناقشة فيلم ” كوكو ” ورؤية حول الحقوق والواجبات داخل العائلة وخارجها

هل محتوم علينا أن نرث – ضمن ما نرث عن آبائنا وأجدادنا – بعض اللعنات ؟! هل محتوم علينا الانصياع لحكم الأكبر لأننا ننتمى له ولأنه الأكبر؟! تعتاد العائلة مهنة أو تقليد  وترسم حياة أبنائها؛ فهل أكون ابنا عاقا ناكراً للفضل إذا  صرخت معلنا أن شكل الحياة الذى فرضوه علىَّ غير مناسب لى تماما؟!

فيلم(Coco) يعرض هذه المشكلة ( وهذا مختصر لأحداث الفيلم لكن بالتأكيد من الأفضل رؤيته قبل القراءة)

 بداية أحداث الفيلم: ميجل و العائلة

الطفل (ميجل) ولد لعائلة مهنتها -أمَّا عن جدة – صناعة الأحذية . و هذه العائلة تكره الموسيقى  جدا حتى إن كره عائلة (ميجل) للموسيقى يشبه كره محبِ الحق والخير لإسرائيلَ. والسبب فى وضع العائلة الغريب هذا: أن الجدة (إيميلدا) تركها زوجها ليشق طريقه كموسيقى عالمى مشهور، تركها وابنتها الصغيرة؛ فبحثت عن عمل تعيش منه وكان هذا العمل صناعة الأحذية  وكرهت الموسيقى وعلى العائلة أن ترث الجدة فى  ما تعمل وما تكره!

يكبر (ميجل) و يكبر معه إعجابه بـ(دى لاكروسو)، أشهر مُوسيقىّ في بلدته. وصنع الطفل جيتارا خاصا به ،أخفاه بعيدا عن أعين أسرته الكارهة جدا للموسيقى، كان يستمع إلى كلمات (دى لاكروسو) “اغتنم الفرصة”  وأثناء استماعه وتشربه لمبادئ (دى لاكروسو) فى الحياة يعزف على جيتاره فى صحبة الكلب (دانتى).

اضغط على الاعلان لو أعجبك

و يذهب الصغير إلى ساحة البلدة ليفعل ما يعتاد عليه، ليلمع أحذية المارة، وتراه الجدة يتحدث مع شخص يحمل جيتار فتنقض على الرجل ضربا كأنما كان يحاول قتل الصغير! وأفنت بقية غلها فى الجيتار تحطيما كأنما هو المسدس الذى وجهه الرجل ناحية الطفل(ميجل) ليقتله به!

يحزن الطفل، لكن هناك من كلام الرجل ما استقر فى ذهنه رغم عنف الجدة على الرجل وجيتاره وتعطفها مع الصغير! إنها مسابقة الموسيقى فى ساحة القرية يوم الاحتفال بالموتى. قرر الطفل المشاركة فى المسابقة ليعلن موهبته للجميع.

الغاية لا تبرر الوسيلة

لكن قبل أن يأتى موعد المسابقة :ينكشف سر الجيتار الذى صنعه الطفل ويتحطم الجيتار على صخرة غضب الجدة الكارهة للموسيقى . يغضب الحفيد ويلعن العائلة  والطقوس ويهرول بعيدا إلى الساحة حيث مسابقة الموسيقى. وهناك يحاول استعارة جيتار من أحدهم وتفشل محاولاته، لكن اجتماع شغفه بالموسيقى وتأثره بمبادئ (دى لاكروسو –الذى ظنه جده) وإصراره على إعلان موهبته حفاظا عليها وموقف العائلة العدائى جدا من الموسيقى بلا مبرر، اجتماع كل هذا فى قلب الصغير دفعه إلى سرقة جيتار هناك يحمله تمثال لـ(دى لا كروسو) فى المتحف.

يرتكب الطفل جرما فى سبيل تحقيق ما يريد وهذا لا شك خطأ فالغاية لا تبرر الوسيلة أبدا .  ولحظة الإمساك بالجيتار واقتراب تحقق الغاية يصيح الناس حرامى! لكن الطفل ينتقل فى رحلة إلى عالم الموتى ! ليرى ما لم يكن يراه، ويتعلم ما كان يحتاج تعلمه ، وبعدها انقلبت الصراعات فى الفيلم وبدأت الحلول  وانتهى الفيلم بسعادة من يستحق السعادة وشقاء من يستحق الشقاء.

من هو صاحب الحق ؟

طاب لى بدء الحديث عن الفيلم  بجملة أتذكرها لفيلسوف الأدباء د/ زكى نجيب محمود حين تأمل أسرة بشرية تجلس فى حديقة فقال” واضح أن مجموعة أفراد العائلة قد ترابطت فى كيان-يجمعها، لكنها فى الوقت نفسه تركت لكل فرد منها أن ينفرد باهتمام خاص، إنها”الحرية” من الداخل ، الحرية التى لم تشرع لها قوانين بل شاءتها طبيعة الحياة نفسها. [1]

إذا كان حق الفرد أن يكون نفسه بكامل إرادته ، وحق المجتمع أن يكون مترابطا آمنا لا يفت قواه أو تهدد سعادته رغبة فرد. إذا كان هذا حق وهذا حق فلماذا تتعارض رغبات الفرد(الجزء) مع الكل الأكبر منه( العائلة أو المجتمع)؟!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لا حق يناقض حق هذا بديهى!  فأين المشكلة إذن؟!

إن جزءا من المشكلة  يكمن فى اعتراف طرف بحقوقه  وإنكار حقوق الآخر! وهذا تناقض فى ذات الأفراد أو بنى المجتمعات لا تناقض بين الحقوق نفسها.

الاعتراف بحقى وإنكار حق الآخر فكرة باطلة لا تَجُرها إلا أهواؤنا أو غرورنا ببعض ما لدينا من قوة! فكرة باطلة تجرها الشهوة والغضب إلى  واقع حياتنا فلا نجد وصفا يناسب الحياة سوى أنها “مأساة” .

إنكار الحق

تعالَ ننظر إلى:

هيكتور: الذى ترك زوجته و طفلته من أجل نفسه ،من أجل أن يكون موسيقيا عالميا مشهورا. اعترف بحقه فى أن يكون موسيقيا لكنه أنكر حق الزوجة والطفلة فى الرعاية فهان عليه الترك!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إميلدا : الزوجة التى أنكر زوجها حقوقها تعترف بحقها فى أن تكون لها أسرة مترابطة لكنها  حَرمت طفلتها الصغيرة من حق تذكر أبيها رغم رحيله، و أنكرت حق أفراد العائلة فى التفكير بأى عمل غير صناعة الأحذية وأنكرت حتى حقهم فى إبداء شعور تجاه الموسيقى غير شعور الكره الشديد غير المبرر! والغريب أن إنكار الحقوق  توارثه جيل وجيل على أنه حماية للكل! حماية للعائلة وترابطها!

دى لاكروسو: اعترف بحقه فى التمسك بالحلم  وتحقيقه وحق الحفاظ على الموهبة التى ينفرد بها الشخص لكنه أنكر حق صاحبه فى الحياة لما اختلفا فى الرأى فقتله! ، وأنكر حق المجتمع فى أن يقدر فنانا لأنه فنان وعلى خلق قويم وفرض عليهم –بإخفاء الحقيقة- تقدير فنان قاتل!  فنان ينكر حق المجتمع فى الجمع بين الخلق القويم والفن الراقى .

الجدة : تعترف بحق العائلة فى الترابط و الاجتماع لكنها تنكر حق (ميجل) فى أن يحب الموسيقى. هى ورثت الجدة إميلدا فى إنكارها الحقوق بإخلاص تام!

ما الحل فى هذه الرؤية الظالمة؟ أن أرى حقى وأنكر حق الآخر؟!

نحتاج لفهم أعمق

إن عقدة الفيلم بدأت تنحل لما رحل (ميجل) إلى عالم الموتى  ويمكننا القول بأن هذا يرمز إلى احتياجنا لمعرفة وإدراك أكبر مما نحن عليه الآن حتى نستطيع تقييم أوضاعنا ونتصرف بإنصاف تجاه نفسنا والآخر.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لا يمكننا –للأسف- الرحيل إلى العالم الآخر والعودة مرة أخرى ! لكن عندنا قدرة على المعرفة الصحيحة؛ عندنا عقل قادر على اكتساب المعرفة وقادر على الاستعانة بالنصوص الدينية الصحيحة وأدوات المعرفة الأخرى لتحصيل معرفة أكبر.

و لعل معرفة النفس والغاية من وجوده كإنسان و ما الذى يميزه كـ(على) عن (يوسف) فيختار لنفسه طريقة فى الحياة تناسبه يشارك بها مجتمعه فى تحقيق غاياته.

إذا كان للمجتمع وأفراده غاية حقة، وإذا كنا مدركين لزوم احتياجنا لاختلاف طرائقنا

ونشاطنا وأعمالنا فى الحياة ليقوم المجتمع ، وإذا عرفنا الحقوق والواجبات، فلن نجد تعارضا وتضاربا بين رغبة الفرد ومصلحة المجتمع .

لكن حياتنا بالتأكيد ليست بهذه المثالية!  إننا دوما تتحكم فينا الأهواء والشهوات ونغتر بقوتنا ونتمرد حبا فى التمرد و نتسلط لإثبات ذاتنا وقدرنا!

ما الحل؟!

ربما جزء مهم من الحل  متكرر ذكره كثيرا: اعرف الحق وكن صادقا مع نفسك ومنصفا لها و للآخر!

أعنى إذا حكمت أن عملا ما هو الأنسب لك  أو هذا الشخص الذى تفرضه عليك العائلة ليكون شريك حياتك غير مناسب أو هذه الهواية  التى تحرم منها؛ لأنها لا تناسب مسلمات العائلة  ترى نفسك بارعا فيها أو هذا المنزل الذى لا بد أن يكون بالشكل المتعارف عليه مجتمعيا وهو غير مناسب لك  و…. إذا حكمت بأن المفروض عليك هو طريقة لتقييدك ، طريقة تمنعك من تحقيق الغاية من وجودك ، طريقة تسحق بها ذاتك؛  فلا تخضع لأن نفسك أمانة.

وبعدم خضوعك لما يمنع طريق كمالك فأنت تسير قدر استطاعتك بمجتمعك نحو الأفضل ، لست عاقا ناكرا لفضل المجتمع أو العائلة عليك إنما  أنت حر بحق! و إذا كان المجتمع يغلبه النعاس مرتاح للغفلة  فإن أحسن المعروف فيه أن تعلن اختلافك بالحق عن الأباطيل المنتشرة.

إن كنت تبغى العدل ؛أى إن كنت محقا فى تحديد ما تنال به سعادتك  الحقة فافعل . لكن إياك أن تنس حق الآخر عليك! افعل ما ينفعك  معلنا دوافعك  الحقة وراء أفعالك  واغتنم الفرصة ليفهمك الآخرون ما استطعت فإن فهموا فخيرا  وربما اتبعوك وإن صعُب عليهم الفهم فاطلب من الله أن لا يصعُب عليك البر وحسن المعاملة

[1] من مقال : هذه ألف باء حرية  ضمن كتاب “عن الحرية أتحدث” لدكتور / زكى نجيب محمود

اقرأ أيضا :

إشكاليات التربية في كل منزل – كيف نربي أبنائنا ؟ وعلى من تقع مسؤولية التربية ؟

يعني اية تربية ؟ ( الجزء الأول ) – ما المقصود بالتربية ؟ وما هو تأثير القدوة ؟

يعني ايه تربية؟ ( الجزء الثاني ) – دور البيئة في عملية التربية وصناعة الإنسان

مقالات ذات صلة