مقالاتفن وأدب - مقالات

Bridge of Spies – جسر الجواسيس – هو خائن، ولكن ما المانع من جعله بطلا؟

جسر الجواسيس

جسر الجواسيس  فيلم درامي أمريكي إنتاج عام 2015  ، بطولة  توم هانكس و إخراج ستيفن سبيلبرغ. تدور أحداثه عام 1957 عن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق، حيث كانت كل من الدولتين تنشر جواسيسها في الأنحاء لجمع كافة المعلومات النووية المتاحة عن الأخرى. وتتناول الأحداث قصة المحامي الأمريكي جيمس دونوفان (توم هانكس) محام متخصص في قضايا التأمينات،  تم اختياره من قبل وكالة الاستخبارات الأمريكية للدفاع عن رودولف آبل الجاسوس الروسي الذي تم القبض عليه من قبل المباحث الفيدرالية. يوافق دونوفان بعد تردد، وتواجهه العديد من الانتقادات والصعوبات بسبب قبوله لهذه القضية. الفيلم به العديد من المشاهد التي سوف نتوقف عند بعضها ونناقش ما تحويه من رسائل من منظور عقلي .

(1) مشهد

في مشهد مهم بين دنوفان والقاضي ، يطالبه بتأجيل جلسة المحاكمة نظرا لأن ملف القضية كبير وهناك بعض الإجراءات غير القانونية في عملية تفتيش مسكن المتهم، فيجيب القاضي بالرفض وأن محاكمة هذا الجاسوس شكلية وسوف تتم إدانته قطعيا فهو خائن، احتج دونوفان قائلا: إننا لا نعتبره خائنا فهو يقوم بواجبه تجاه بلاده، كما أن له الحق في أن يحاكم بشكل عادل، أليست هذه هي القوانين الأمريكية؟! فيرد القاضي إن القانون والعدل الأمريكي يطبقان فقط على الأمريكان !

ازدواجية المعايير وتجزئة المبادىء هي أمور مرجعها عدم وجود ثوابت و قيم مطلقة، فالأمر نسبي، والقانون حمّال أوجه يختلف تطبيقه باختلاف المتهم، والعدل لا يستحقه الا من كان أمريكيا.

(2)مشهد

وفي مشهد آخر لدونوفان مع القاضي اللذي كان مصرا على أن يحكم بالموت على  رودولف آبل ، يحاول دونوفان إقناع القاضي بأن يكتفي بسجن المتهم، لعل الولايات الأمريكية تستفيد منه في أي عملية مقايضة مع جواسيسها في روسيا، يوافق القاضي بعد قليل من التفكير ويحكم بالسجن على الجاسوس الروسي بعكس ما كان متوقعا منه من الجماهير العريضة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

النفعية فقط هي الحاكمة للسلوك في الفلسفة البراجماتية، حتى إنه يمكن للإنسان أن يرفض ويتخلى عما كان يدافع عنه بالأمس ، إذا جاء الغد وفيه منفعة ومصلحة متحققة بالتخلي عما يؤمن به !

(3) عن مشهد

أثناء ركوبه المترو يجلس دونوفان شارد الذهن، ثم ينتبه ليجد كل من في المترو ينظرون إليه بغضب واحتقار وهم ينقلون نظرهم بينه وبين الجريدة اليومية التي تحمل صورته مع رودولف آبل  الجاسوس الروسي جنبا لجنب بعد انتهاء جلسة المرافعة، يشعر بالغرابة والضيق، وبعد عدة أيام وبينما هو جالس في منزله يفاجىء بهجوم مسلح على بيته يتسبب لأسرته في الخوف الشديد.

الإعلام يمكنه أن يجسد من يشاء بالصورة التي تجلب له المكاسب والتي تروق للعامة وتتفق مع نظرتهم وحالتهم المزاجية، وهم بدورهم يتأثرون بما يقرأون لدرجة الإيمان بكامل صحته دون التحقق والتمحيص لمعرفة صدق  ما كتب من عدمه.

(4)عن مشهد

تقع طائرة أحد ضباط المخابرات الأمريكية في روسيا أثناء محاولته التقاط صور مهمة على مسافة مرتفعة جدا، ويتم القبض عليه، لقد تحقق إذن كلام دونوفان، وتم اختياره كمفاوض مع أحد المسئولين الروس للمقايضة بين رودولف آبل وبين الجاسوس الأمريكي ، يذهب دونوفان ، ويستطيع بصعوبة المقايضة بين رودولف آبل وبين الضباط الأمريكي وأحد الطلاب الأمريكين المحتجزين في ألمانيا، ويعود للوطن بهذا الإنجاز الكبير، مرة أخرى دنوفان في المترو لكنه هذه المرة يرى نظرات الفخر والاعتزاز في عيون كل الركاب وهم ينقلون أعينهم بينه وبين الجريدة التي تحتفي به وبإنجازه العظيم وإنقاذه لاثنين من المواطنين الأمريكيين مقابل الجاسوس الروسي الذي كانوا يطالبون بإعدامه سابقا !

بالأمس كان دنوفان في نظر الإعلام والمجتمع خائنا يدافع عن جاسوس ويرأف بحاله، واليوم نفس الشخص أصبح في نظرهم بطلا جسورا يحتفى به وينظر إليه باعتزاز وفخر، إنها الفلسفة النفعية المادية التي يجتمع فيها النقيضان طالما تحققت المصالح والمكاسب المادية، إنها الفلسفة النفعية المادية التى لاتعرف قيما ولا ثوابت، فكل شيء نسبي يختلف باختلاف الأشخاص والمواقف والأماكن، والمطلق الوحيد هو السعي لتحقيق المنفعة مهما كانت التضحيات،  إنها الفلسفة النفعية المادية التي عاني منها العالم ومازال يعاني وسيظل يعاني ما دام مستسلما تابعا لها يعترف بها ويرى فيها طريقه لتحقيق السعادة، ولا سبيل للخلاص من مستنقع المادية وما سببته وتسببه من هلاك للإنسان إلا بالإيمان بالحق والعدل كمبادىء ثابتة مطلقة لا تتغير باختلاف المكان ولا تتبدل عبر الأزمان وهو الأمر البديهي الذي يقره  كل ذي عقل حكيم وضمير حي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

منى الشيخ

مطور برامج

باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالاسكندرية

مقالات ذات صلة