لو أنا جيت وسألتك تفتكر إيه أكتر حاجة موجودة في الفضاء انت عارفها وحافظها وحافظ شكلها، عشان انت بتشوفها كل يوم، أكيد إجابتك مش هتخرج عن حاجتين، الشمس والقمر، والقمر على وجه الخصوص يمكن الحاجة اللي انت ملم بشكلها وتفاصيلها أكتر، عشان انت بتقدر تبصله بعيونك فعلًا وعارف شكله الحقيقي، بعكس الشمس اللي نظرتك ليها ممكن تعميك.
طول عمرك من ساعة ما جيت للحياة دي، اتربيت على إن كوكب الأرض له قمر واحد بس، اتعلمت الكلام دا في المدرسة وانت صغير، ودرسته في الكتب، وكبرت وانت حافظ المعلومة دي ومتأكد منها تمامًا، عشان انت كل يوم بتشوف منظر القمر دا بوضوح، وهو منور الليل بنوره الفضي.
بس تخيل بقى لو قلتلك إن كل اللي انت درسته في المدرسة دا غلط أو ناقص، وإن كوكب الأرض مالوش قمر واحد، بل في الواقع له 3 أقمار كاملين! والقمرين التانيين دول انت مش بتشوفهم ومش بتاخد بالك منهم بسبب صغر حجمهم، رغم إنهم موجودين وبيدوروا حوالين الكوكب بقالهم مئات السنين حرفيًا!
مش بس كدا، دا الأقمار التلاتة دول تكوينهم ووجودهم في أماكنهم دي، بيحكي قصة مذهلة عن تاريخ كوكب الأرض وبدايته، وعن حدث رهيب ومرعب حصل زمان وأدى لانشقاق القمر نفسه، هات بقى كوباية شايك الحلوة ونعناعك في إيدك، وتعالى معايا أحكيلك القصة دي، وحضر نفسك معايا لمعلومات غريبة أول مرة هتسمعها، ومحدش قالك عليها قبل كدا.
يلا بينا!
بص يا سيدي، الموضوع كله بدأ سنة 2016، لما علماء الفلك اكتشفوا جسم غامض شبه الكويكب، موجود في مدار غريب حوالين الكوكب، ومحدش شافه ولا رصده قبل كدا خالص.
الجسم دا سموه الاسم اللي ظاهر قدامك على الشاشة دا (Kamo’oalew)، ومتحاولش تنطق الكلمة لإنك غالبًا مش هتعرف، فبلاش تحرج نفسك، وهي عمومًا كلمة بلغة قبائل جزيرة هاواي القديمة، ومعناها الحرفي بالظبط: “جسم فضائي متحرك”.
الجسم دا يا صديقي مش كبير خالص، وقطره 100 متر تقريبًا، وأول ما رصدوه، الفلكيين اللي شافوه كانوا فاكرينه مجرد كويكب عادي بيسبح في الفضاء الواسع حوالين الأرض، زيه زي مئات الآلاف من الكويكبات التانية، بس الشيء المدهش اللي لاحظوه بعد دراسة وتتبع مطول لمداره، إن الكويكب دا في الواقع بيدور حوالين كوكب الأرض، في مدار عملاق بياخده على مسافة أكتر من 38 إلى 100 مرة قدر المسافة اللي بين الأرض والقمر العادي بتاعنا أو لونا (Luna) زي ما علماء الفلك بيسموه، على بعد يقدر بنحو 384.400 كيلومتر!
يعني الكويكب دا مطلعش مجرد كويكب كدا عادي! لأ دا طلع في الواقع عبارة عن قمر تاني صغير بيدور حوالين كوكب الأرض، وبينتمي لنفس النظام الكوكبي اللي بينتمي له القمر الكبير أو لونا، ومن هنا أطلقوا عليه المسمى الرسمي شبه القمر أو (Quasi-Moon)!
اقرأ أيضاً: هل نثق في العلم؟ كيف؟ ولماذا؟!
بس مش كل دا بقى المبهر، المبهر في الموضوع فعلًا واللي خلى القمر الصغير دا واحد من أهم الألغاز اللي بيواجهها الفلكيين حاليًا، إنهم أول لما فحصوه بالتليسكوبات الأرضية العادية، لقوا إنه متكون من السليكات الطبيعية الشائعة (Common Silicates) اللي بيتكون منها كل الكويكبات عادي، بس لما فحصوه بالتليسكوبات اللي بتعمل بالأشعة تحت الحمراء (Infrared)، لقوا حاجة غريبة.
اللي لقوه إن البصمة بتاعت الكويكب دا، اللي باينة بالأشعة تحت الحمراء دي، مختلفة تمامًا عن باقي الكويكبات اللي اكتشفوها كلها تقريبًا، والموضوع دا فضل لغز من سنة 2016، لحد من سنة كدا تقريبًا، لما جه باحث فلكي من جامعة أريزونا اسمه بين شاركي (Ben Sharkey)، وجتله فكرة.
الراجل دا قرر إنه يفحص العينات بتاعت صخور القمر اللي جابتها بعثة (أبوللو 14) من القمر سنة 1971، ويقارنها بالبصمة تحت الحمراء للكويكب الجديد دا، اللي كان بيفكر فيه إنه عايز يشوف مدى التشابه اللي ما بين القمر وما بين الكويكب الصغير دا، ومن دا يقدر يكون فكرة عن ممكن يكون أصله جه منين أو تكون إزاي، بس هو نفسه مكانش متوقع اللي لقاه.
طب إيه اللي لقاه؟!
اللي لقاه يا سيدي بعد دراسة دقيقة جدًا وتحليلات طيفية اتعملت للكويكب، قارنها بأرشيفات الصخور القمرية اللي عند ناسا، إن الاتنين متطابقين تقريبًا، بس عوامل التلف اللي أصابت السليكات بتاعت الكويكب دا بسبب وجوده في الفضاء، أو اللي بيسموها الـ(Space Weathering)، هي اللي خلت شكله وخصائصه تبقى مختلفة حبتين، ويبان شكله متغير شوية عن القمر العادي!
الحقيقة إن قبل ما يكتشفوا القمر دا، علماء الفلك كانوا محتارين في لغز كبير بقالهم فترة، لإن المفروض من دراستنا ورصدنا للقمر الكبير، إنه مليان حفر وفوهات نيزكية أو (Craters) زي ما بيسموها، وبعض الفوهات دي ضخم جدًا لدرجة لا تستوعب، والمفروض إن التصادمات اللي تتسبب في حدوث فوهات زي دي تكون ضخمة جدًا وتقذف أجزاء كبيرة من التربة القمرية والشظايا الصخرية للفضاء، والمشكلة إنهم من ساعة ما بدأوا استكشاف الفضاء ومسحه بالتليسكوبات مكانوش لاقيين حاجة زي دي خالص، والموضوع بالنسبة لهم كان لغز، لحد ما رصدوا الكويكب دا.
لما لقوه أخيرًا، واكتشفوا إن مكوناته وصخوره شبه متطابقة مع صخور القمر، كان معنى دا المباشر إن الكويكب دا في الواقع جزء من القمر بتاعنا العادي، لكنه انفصل عنه بسبب حدث مجهول وعنيف حصل من زمان جدًا، وغالبًا من قبل ما حد فينا يبقى موجود عشان يرصده!
تعرف على: أغرب وأقوى كائن على وجه الأرض
يعني مثلًا، تخيل كدا إن القمر بتاعنا في يوم من الأيام من ملايين السنين في الماضي، ممكن يكون تصادم مع كويكب ضخم، أو وقع على سطحه شهاب أو نيزك، بس الضربة دي كانت قوية لدرجة إنها أدت لتشقق القمر نفسه، وانفصال جزء ضخم عنه تحول إلى كويكب صغير بيسبح لوحده في الفضاء في مدار حوالين إخواته الاتنين الكبار، القمر والأرض!
تخيل لو انت كنت عايش على الكوكب في الزمن اللي حصل فيه التصادم العظيم دا، كان هيبقى شكل القمر إيه لو رفعت عينك على السما عشان تبص عليه، كان هيبقى شكله حرفيًا كإنه بيتصدع وبيتشقق، لحد ما ينفصل عنه جزء ويطير بعيد عنه، في مشهد كوني مهيب يخلي قلبك يدق!
بس للأسف القمر دا مش هيفضل بتاعنا للأبد، عشان بناءً على الحسابات الفلكية اللي عملها شاركي ورفاقه، فالقمر دا بعد 300 سنة تقريبًا، هيكسر المدار أو الـ(Orbit) بتاعه، وينطلق مع نفسه في الفضاء البعيد، عشان يروح وجهة تانية بعيدة محدش فينا هيشوفها ولا عمره هيتخيلها، وممكن في يوم من الأيام في المستقبل ينجذب لمجال جاذبية كوكب تاني ضخم، ويبدأ يدور حواليه، عشان يتحول لشبه قمر جديد!
لو انت فاكر إن الكويكب دا الناتج الوحيد من حدث التصادم الرهيب اللي حصل زمان دا، وإنه شبه القمر الوحيد اللي اكتشفناه، فخليني أقولك إن علماء الفلك بردو كانوا فاكرين زيك كدا، وكان طموحهم كله إنهم يلاقوا حتى ولو صخرة واحدة بس تأكد ظنونهم عن الحدث الرهيب اللي أدى لتشقق القمر الكبير زمان، بس من أسبوعين كدا، حصلت المفاجأة الجديدة!
العلماء اكتشفوا جسم جديد اعتبروه شبه قمر أو (Quasi-Moon) تاني، زيه زي الأول بالظبط!
الكويكب اللي اكتشفوه المرة دي سموه بالرمز الكودي (2023FW13)، وحجمه صغير جدًا مبيتعداش 15 متر تقريبًا، بس بردو ما زال ضخم جدًا على إنه يكون بدأ بصورة طبيعية، خصوصًا إن تجارب المسح الفلكي وضحت إن تركيبه الصخري بردو مشابه جدًا لصخور القمر!
الفرق المرة دي إن الكويكب دا بيدور على مدار ضخم وواسع جدًا، بيوصله لبعد أكتر من 9 مليون ميل تقريبًا عن كوكب الأرض! ولو قارنت دا بمدار القمر اللي بيوصله لبعد يقدر بربع مليون ميل في أقرب نقطة له للأرض، متهيأ لي هتقدر تستوعب الفرق الرهيب في حجم المدار! فتخيل انت مدى قوة حدث التصادم اللي حصل مع القمر، عشان يقدر يقذف الكويكب دا للبعد الرهيب دا!
اقرأ أيضاً: المحرك النجمي .. كيفية تحريك الشمس من مكانها
عارف بقى المذهل إيه؟!
المذهل إنه بناءً على دراسة ومسح مطول اتعمل على مدار الكويكب دا باستعمال برامج الذكاء الصناعي اللي بتقدر تتنبأ بمداره بناءً على سرعته واتجاهه، وتكون خريطة ضخمة تبين هيروح فين في المستقبل، فالكويكب دا المفروض إنه هيفضل يلف حوالين الأرض لحد سنة 3700 على الأقل، لو محصلش حاجة تبعده عن مدارنا قبلها!
يعني معنى كدا إن المدار دا أطول مدار لشبه قمر اكتُشِف على الإطلاق لحد وقتنا هذا!
من هنا بقى يا عزيزي القارئ، عايزك تصحح معلوماتك، لو انت دلوقتي خلال عمرك وسنين حياتك اللي انت عايشها، جه حد وسألك هي الأرض ليها كام قمر؟ مبقاش ينفع تقوله قمر واحد خلاص، عشان الأرض أصبح رسميًا ليها 3 أقمار كاملين، مش واحد بس!
الأغرب بقى، إن انت بس اللي تقدر ترد على السؤال دا بثقة، وتقول إن الأرض ليها 3 أقمار، عشان في المستقبل العدد دا هيقل، وهيرجعوا قمر واحد بس، لما الاتنين الصغيرين دول يخرجوا من مدارهم ويبعدوا عن الكوكب ويروحوا لمكان تاني بعيد ومجهول.
يعني حفيد حفيدك بعد 3 قرون، لو حد سأله هيقول إن الأرض ليها قمرين بس، عشان شبه القمر الأولاني اللي اكتشفوه في 2016 هيكون خرج من مداره خلاص، وبعد ألف سنة تقريبًا، وبعد مرور أجيال طويلة، ولو كنا لسه عايشين ساعتها، فقط في الوقت دا هنقدر نرجع تاني نقول بثقة إن الأرض ليها قمر واحد بس!
دي بقى حلاوة العلم والاستكشاف، اللي كل يوم بيغير من تفكيرنا والمسلمات اللي في حياتنا، وبيورينا حاجات عمرنا ما كنا نتخيل إنها حقيقية!
اقرأ أيضاً: أول مهمة فضائية حقيقية لتغيير مسار كويكب كامل!
مصادر:
https://www.nature.com/articles/s43247-021-00303-7
https://indianexpress.com/article/explained/this-word-means-kamooalewa-7622853/
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا
