إصداراتمقالات

فقه الحرب … كيف ينتهي الإرهاب في عالمنا؟

فقه الحرب … كيف ينتهي الإرهاب في عالمنا؟

في سبتمبر 1939 قامت الحرب العالمية الثانية، واشترك فيها ما يقرب من مئة مليون جندي، وخلال ست سنوات فقط قتلت ما يقرب من الثمانين مليون إنسانا، مع أضعاف ذلك من اللاجئين والمشردين، ومقدار لا يوصف من الدمار. وفي نهاية الحرب تم إطلاق قنبلتي “الولد الصغير” و”الرجل البدين” على هيروشيما وناجازاكي ليموت أكثر من مئتين وعشرين ألفا من البشر. وقبل هذ التاريخ؛ وفي أربع سنوات عجاف ممتدات من 1914 وحتى 1918 قتلت معارك الحرب العالمية الأولى أكثر من ثمانية ملايين إنسان. ومنذ القرن الخامس عشر وحتى النصف الثاني من القرن العشرين؛ قامت قوى الاستعمار الغربية بأكبر عمليات غزو عسكري ونهب اقتصادي واستعباد للبشر في التاريخ. وقد قام المستعمر الحامل للقيم الراقية بإبادة جماعية لشعب كامل من ملايين البشر من الهنود الحمر في أمريكا الشمالية، حيث كان يوزع عليهم الأغطية الحاملة للمرض في الحرب البيولوجية المفروضة عليهم. وغير ذلك من الأمثلة كثير. وفي عام 1948 تم تشريد ما يقرب من سبعمائة وخمسين ألف إنسان آمن، وتدمير ما يقرب من خمسمائة قرية، مع عدد كبير من المجازر في فلسطين المحتلة.

فقه الحرب

ومنذ مارس 2003 وحتى اليوم تم قتل مئات الآلاف من العراقيين على أقل تقدير في الحرب الأمريكية عليهم، مع تدمير البلاد بالكامل وتمزيقها. وفي الحرب الأخيرة على غزة تم استهداف الأطفال بشكل متعمد، وكذلك الطواقم الطبية، والطواقم الإعلامية. لذا لا يمكن ربط العنف والإرهاب بالإسلام فقط وبالصورة الساذجة التي يحاول البعض أن يقنعنا بها، والغريب أن بعض من يطلقون هذه الدعوات يشاركون في مجازر مستمرة إلى يومنا هذا ضد شعوب العالم في العراق وفلسطين وسوريا وغيرها، ويستعبدون شعوبا أخرى استعبادا اقتصاديا. لقد أدت السياسات المتعجرفة للقوى المهيمنة على العالم؛ وفي ظل النظام المادي الحاكم للبشرية منذ بدايات الحداثة؛ إلى كوارث هائلة على العالم بأسره، دفعنا وما زلنا ندفع ضريبتها غالية. فإقرار حق القوة كحاكم للعالم أوصل رسالة واحدة للجميع؛ مفادها أن القوي القادر على قهر الآخرين هو على حق دائما، وأن الطريق الوحيد لاستعادة الحقوق بل والحفاظ عليها هو العنف، والسبيل الوحيد للعيش آمنا في هذا العالم ولكي تمتلك موطئ قدم هو القوة الغاشمة، فالضعفاء يعملون عبيدا في الحقول، أو عمالا في المصانع، أو يقتلون لتنهب أراضيهم وثرواتهم.

    القوى الغضبية تحكم العالم وتأجج الحرب

إن الطبيعة الحيوانية الغضبية موجودة في كل إنسان، وبالتبعية في كل ثقافة وكل مجتمع، لكن الإنسان لم يكن إنسانا إلا لأن لديه عقلا قادرا على وضع الأمور في موضعها المناسب، فوظيفة العقل هو تحجيم هذه القوى المتطرفة وتقنينها، لكيلا تُهلك نفسها وتهلك الحياة. ووظيفة العقلاء في كل مجتمع هو احتواء الأفراد المتطرفين، وتفنيد أفكارهم ومغالطاتهم الموهومة ومنعها من الانتشار وسط العامة، وردعهم إذا لزم الأمر. لكن الواقع أن العكس هو الذي يحدث في عالم اليوم؛ فها هي القوى الغضبية الحيوانية تحكم العالم منذ قرون عدة، وتسخر العقول لخدمة مصالحها الضيقة والعقيمة، غير عالمة بأنها تعد القنبلة التي ستنفجر في وجهنا جميعا إذا استمر الوضع كما هو. فلكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه. وبالرغم من ذلك فهذا ليس مبررا لأي شخص للاعتداء على الآمنين، سواء نسب نفسه للإسلام أو غيره، فكما قلنا إن الإنسان بما هو إنسان لديه القدرة على الاختيار، وعلى معرفة الصواب، وعلى استغلال قوانين الطبيعة لصالحه، فمن الممكن أن يجعل رد فعله إيجابيا لإنقاذ نفسه ومن حوله من هذه الدوامة المجنونة من العنف، وإلا فسنغرق جميعا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الحل .. من أين نبدأ؟

إن الحل في الأزمة الأخيرة هو حل بسيط جدا وصعب جدا في نفس الوقت، أما بساطته فعلى مستوى الفكرة وهي تحكيم العقل المتجرد في مشاكل البشر، وعدم الانسياق وراء الغضب الأعمى، وأنه لا بد أن يتم ترسيخ قيمة العدل كقيمة أساسية حاكمة للعالم وللمجتمعات، ورفع كافة أشكال الظلم المتفشية بشدة في عالم اليوم. وأما صعوبته فهي الحاجة لنظام عالمي جديد، يعلي من قيمة العدل ويبحث عن الحق لذاته لا عن مصالح الأقوياء الضيقة، ويعطي كل ذي حق حقه من أبناء الإنسانية، ولا يقول عكس ما يفعل، ولا يعبد المادة، ولا تسكره لذة التجبر أو المصلحة الضيقة. هذا النظام ليس مستحيلا، بل لقد تحققت منه نسخا مصغرة في عصور حكم الحكماء والمصلحين على مر التاريخ. هذا النظام هو اختيار حتمي إن أردنا أن نوقف كرة الثلج وفقه الحرب . هذا النظام يمكن أن نبدأه أنا وأنت اليوم، ولو بمجرد تغيير أفكارنا! فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة.

 

 

اقرأ أيضا :

سفينة نوح والتغيير

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ما هو الشر؟ ولماذا خلقه الله وسمح به؟

هاري بوتر والجمل الطيب … تأثير الإعلام والأضرار التي يقدمها لأطفالنا الصغار

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أحمد عزت هلال

د. أحمد عزت

طبيب بشري

كاتب حر

له عدة مقالات في الصحف

باحث في مجال الفلسفة ومباني الفكر بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

صدر له كتاب: فك التشابك بين العقل والنص الديني “نظرة في منهج ابن رشد”

حاصل على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

حاصل على دورة في الفلسفة القديمة جامعة بنسفاليا

مقالات ذات صلة