مقالات

سيول أشعة جاما!

خطر كوني يهدد الحياة على الأرض!

تخيل لو قلتلك إن في حدث كوني حصل سنة 2022، وكان ممكن يتسبب في نهاية الحياة على كوكب الأرض، وانقراض صور الحياة عليه بالكامل، ودا كله من غير ما نحس ولا ناخد بالنا، ولا حد يتكلم عن الموضوع بأي كلمة!

الحدث دا كان واحد من أعنف الانفجارات الكونية اللي رُصدت في التاريخ، وتسببت في ضرب الكوكب بسيل من أشعة جاما عالية الطاقة، اللي دمرت طبقة الأوزون في غلاف الأرض الجوي لدقايق، وكانت ممكن تتحول لكارثة غير مسبوقة محدش كان هيقدر يواجهها أو يوقفها تمامًا، لولا ستر ربنا!

طب يا ترى إيه اللي حصل بالظبط؟ وإزاي ممكن لو حصل مرة تانية باختلاف شوية، يكون سبب نهايتنا كلنا؟!

هات كوباية الشاي بالنعناع في إيدك، وتعالى أحكيلك.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

سيول أشعة جاما تدمر الغلاف الجوي

بص يا سيدي، يوم 9 أكتوبر سنة 2022، التليسكوبات الفضائية اللي بتراقب الأحداث الكونية البعيدة من على الأرض، رصدت سيل ضخم وهائل الحجم من الجسيمات عالية الطاقة المتجهة ناحية الأرض.

الحدث دا كان البصمة المميزة لانفجارات السوبرنوفا (Supernovae) العنيفة، اللي بتحصل بسبب انهيار النجوم وانفجارها في نهاية حياتها، وسيل الجسيمات اللي وصلنا منه دا، بيسموه “سيول أو رشقات أشعة جاما” (Gamma-Ray Bursts)، اللي انت متعرفوش بقى ومحدش كان متوقعه خالص إلا لما درسوا اللي حصل دا بدقة بعدها، إن الحدث دا كان الأكثر شدة وسطوعًا في تاريخ الرصد الفلكي كله!

ومش بس كدا، دا سيول أشعة جاما اللي وصلتنا من الانفجار دا، تسببت في سلسلة ضخمة من التغييرات في الجسيمات المتأينة الموجودة في الغلاف الجوي، بما فيها جزيئات طبقة الأوزون اللي بتمتص الأشعة الشمسية والكونية الضارة، ودمرت جزء كبير منها في مشهد مرعب وغير متوقع!

طبقة الأوزون درع الأرض الواقي من حرارة الشمس

طب إيه طبقة الأوزون دي بالظبط؟!

طبقة الأوزون دي يا سيدي لو انت مش عارف، طبقة معينة من ضمن طبقات الغلاف الجوي للأرض، متركزة في حتة اسمها الستراتوسفير موجودة على ارتفاع ما بين 10 إلى 25 ميل فوق سطح البحر، وهي دي نفسها المنطقة اللي كان العلماء قبل كدا اكتشفوا فيها ثقب فوق القارة القطبية الجنوبية، كان الناس بيسموه ثقب الأوزون، كان ناتج عن استعمال مواد كيميائية اسمها الكلوروفلوروكربون (chlorofluorocarbons) كانت بتتحط زمان جوه بخاخات الأيروسول والفوم البلاستيك وغيرهم.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

المهم إن الطبقة دي وظيفتها إنها تمتص معظم الأشعة فوق البنفسجية اللي جاية من الشمس، اللي ممكن تحت ظروف تانية لو كانت بتمر من الغلاف الجوي وبتوصلنا مباشرة، كانت هتسببلنا حروق وأضرار جلدية بالغة ممكن توصل للسرطانات الجلدية، دا غير كمان التلف اللي كان هيحصل في المحاصيل والمزروعات اللي بتتغذى عليها الحيوانات التانية، واللي مش هتلاقي حاجة تاكلها وهتموت، وتسبب خلل في السلسلة الغذائية يقضي على باقي الحياة على الكوكب!

طيب، يا ترى إيه بقى اللي رصده العلماء بالظبط، ورعبهم للدرجة دي؟!

اقرأ أيضاً: هل نحن مهددون بالانقراض؟!

عندما تصدم الأرض أشعة جاما

GRB - سيول أشعة جاما!

شوف يا عم، العلماء كانوا في المدة اللي فاتت دي، بيتفحصوا الإشارات اللي جاية من الطبقات العليا من الغلاف الجوي، باستعمال الداتا والبيانات اللي بيرصدها القمر الصناعي الزلزالي الكهرومغناطيسي الصيني، اللي هو قمر صناعي مداري متخصص في رصد التغيرات اللي بتحصل في الغلاف الجوي في أثناء الزلازل والهزات التكتونية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وبناء على نتايج الرصد اللي وصلتلهم من القمر الصناعي، فهما لقوا إن قراءات المجال الكهربي في طبقة الستراتوسفير زادت بنسبة 60% في أثناء مرور سيول أشعة جاما عبر الغلاف الجوي، ودا أدى لتأين ذرات الأوزون والنيتروجين الموجودة في طبقات الجو، بمعنى إنه حرر منها عدد من الإلكترونات، وغيّر خصائصها الكيميائية تمامًا، ودا خلاها مش قادرة تمتص أي إشعاعات فوق بنفسجية من اللي جاية من الشمس أو من الفضاء الخارجي.

يعني بعبارة مبسطة، درع ذرات الأوزون اللي كان بيحمينا دا اتدمر تمامًا وقتها، ومبقاش قادر يحمينا خلاص!

لكن بناء على كلام “بيترو أوبرتيني” عالم الفلك في المعهد الوطني للفيزياء الفلكية في روما، فالسيل اللي مر علينا من أشعة جاما رغم إنه تسبب في تدمير طبقة الأوزون المحيطة بالأرض بنسبة كبيرة جدًا، لكن الدمار دا مستمرش كتير، وقدرت الطبقة تصلح نفسها تاني، والجسيمات اللي اتحررت منها رجعلتها من جديد بعدها بدقايق، ورجعت كل حاجة زي ما كانت!

يعني الدمار دا استمر لدقايق معدودة، بس تخيل بقى لو كان استمر لساعات أو لأيام، كان ممكن يحصل إيه؟!

خطر كوني يهدد الجنس البشري

الحدث الرهيب دا يا صديقي لو كان حصل أقرب شوية مننا، كان هيتسبب في كارثة غير مسبوقة، محدش شاف زيها قبل كدا! ودا مش بس كلام، دا تأكدوا منه عمليًا، وخليني أشرحلك إزاي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

العلماء يا صديقي بعد ما رصدوا الحدث دا واتفاجأوا بمدى قوته والخطر اللي حصل بسببه، صمموا برامج محاكاة على أجهزة كمبيوتر خارقة، وغذوها بالمعلومات كلها اللي تكونت عندهم نتيجة للرصد، ولما بدأوا المحاكاة لقوا إن لو حصل انفجار سوبرنوفا شبيه ببتاع سنة 2022 دا مرة تانية، بس المرة دي حصل جوه المجرة بتاعتنا، كان هيؤدي لدمار طبقة الأوزون بردو، بس لمدة تقدر بسنين طويلة!

وفي السنين دي، مش هيكون عندنا أي حماية من أي نوع ضد الإشعاعات الكونية المميتة اللي بتيجي من الفضاء العميق، وكمان هتفضل الأشعة الشمسية الضارة تضرب سطح الكوكب دون أي عوائق أو دروع، لحد ما الكوكب كله هيتحول في كام سنة لصحراء مفيهاش زرع ولا حياة!

بس الفكرة إن وفق كلامهم، فنسب حدوث حاجة زي كدا، نادرة جدًا لدرجة إنها غالبًا ممكن تحصل مرة كل 10 آلاف سنة، لكن لو فكرت في الموضوع على مستوى كوني، فمدة الـ10 آلاف سنة دي مش كبيرة خالص، بالمقارنة بعمر الإنسان اللي بيرجع وفق تقديرات العلماء لمئات الآلاف من السنين، أو عمر كوكب الأرض اللي بيمتد لأكتر من 4 مليار سنة!

وعارف بقى المرعب إيه؟!

تعرف على: أغرب وأقوى كائن

الانقراض الأوردوفيشي

3f8ce569 77f3 43fc 9186 b1b3375acef1 1024x633 - سيول أشعة جاما!

المرعب إن في فريق تاني من العلماء بيقولك إن دا حصل فعلًا من 440 مليون سنة، وأدى إلى حدث انقراض جماعي بيسموه “الانقراض الأوردوفيشي” (Ordovician Extinction)، ودمر معظم صور الحياة على الأرض بالكامل.

في ناس تانيين بيقولوا إن اللي حصل للديناصورات من أكتر من 66 مليون سنة، لما انقرضوا فجأة وانتهى وجودهم على سطح الأرض، بعد ما كانوا على قمة الهرم الغذائي لمدة امتدت لملايين السنين، مكانش بسبب ضربة نيزك ولا حاجة، وإنه ممكن جدًا يكون حصل بسبب حدث كوني زي دا، أعنف بكتير من اللي شفناه في وقتنا الحالي، وقريب جدًا مننا، لدرجة إنه داخل العنقود النجمي اللي بيحتوي على مجموعتنا الشمسية!

نجم ضخم انفجر في سوبرنوفا عنيف، أدى إلى فيضان من أشعة جاما اللي كانت موجهة مباشرة ناحية الأرض، وتسببت في واحدة من أعنف الأحداث اللي حصلت على سطح الكوكب، وأكثرها رعبًا على الإطلاق!

لو أنت –بشكلٍ ما– كنت عايش وقتها وشايف المشهد دا بيحصل قدام عيونك، فانت كنت هتشوف بعيونك نور عظيم جاي من السما، ساطع وبراق لدرجة إنه هيتفوق على نور الشمس نفسها، وهيخليك مش قادر ترفع عينك على السما أصلًا، بالظبط زي مشهد انفجار القنابل النووية اللي بتشوفه في الأفلام!

خطورة أشعة جاما

الإشعاعات دي لو حصلت فعلًا بالصورة اللي تخيلها العلماء دي وقتها، فهي مش بس كانت هتتسبب في تبخر طبقة الأوزون وتدميرها بالكامل، بل كانت هتتسبب في حرق سطح الكوكب نفسه، وتعقيمه حرفيًا من صور الحياة كلها، عاصفة ضخمة ومرعبة من الطاقة والرياح الحارقة العملاقة اللي كانت هتغمر الكوكب كله بسرعة هتتجاوز آلاف الكيلومترات في الساعة، وتحرق أي شيء تقابله في طريقها!

والاختلال المفاجئ اللي هيحصل في بيئة الكوكب ومناخه بسبب السيل الإشعاعي المرعب دا، كان هيتسبب في تغيرات جيولوجية ضخمة بردو، ومش بعيد كان يؤدي لزلازل أرضية شدتها مخيفة تتجاوز الـ10 على مقياس ريختر، دا غير الانزلاقات التكتونية اللي هتؤدي لانفجارات بركانية عملاقة (Super Volcanoes)، وهتحدف ملايين الأطنان من الحمم والرماد البركاني عشان تغطي سطح الكوكب كله.

طبعًا بسبب انهيار طبقات الأيونوسفير ودمار طبقة الأوزون بالكامل، فحتى لو في كائن حي فضل عايش على سطح الكوكب ونجى من الدمار الشامل دا كله، فهو هيموت ببطء على مر الشهور اللي بعدها، بسبب الإشعاعات الشمسية المميتة اللي هتبقى بتتسرب لجسمه مباشرة من دون ما يكون في أي حاجة بتحميه منها!

اقرأ أيضاً: هل الحياة نشأت من خارج كوكب الأرض؟!

سبب انقراض الديناصورات

تخيل انت لو كلام العلماء دول كان صح، ممكن تكون الكائنات اللي حضرت كارثة زي دي حسوا بإيه، واترعبوا قد إيه، تخيل الديناصورات والحيوانات القديمة اللي سبقت تكون البشر، اللي رفعوا عيونهم على السما وشافوا المنظر دا، كام واحد منهم مات من الخوف قبل ما يتحرق بتأثير الإشعاع أو يتدفن تحت الرماد البركاني أو تبلعه الأرض بفعل الزلازل؟!

يكفي إني أقولك إن بناءً على الدراسات الحديثة، فأكتر من 70% من الكائنات الحية كلها اللي على كوكب الأرض وقتها، سواء برية أو بحرية أو جوية، انقرضت تمامًا، بما فيها أجناس الديناصورات البرية جميعها غير القادرة على الطيران، والأجناس الباقية كلها أعدادها انخفضت انخفاض خطير، لحد ما وصلوا لبضع آلاف مش أكتر، وحتى شكلهم وصفات جسمهم نفسها اتغيرت واتطورت بمرور السنين بعدها، عشان يقدروا يتكيفوا على التغيرات الجوية الشديدة، والظروف البيئية شديدة القسوة اللي عاشوا فيها بعدها!

وبسبب انقراض الديناصورات اللي كانت مسيطرة على الحياة والبيئة الأرضية وقتها، الفرصة جت للبشر اللي جم بعدها بملايين السنين، لإنهم يورثوا الكوكب كله، ويبدأوا في بناء حضارتهم اللي هتتطور بعدها على مر ملايين السنين بردو لحد ما توصل للحظة اللي أنت قاعد بتقرأ فيها السطور دي.

فيا ترى هل ممكن كلام العلماء دا يكون صح فعلًا، ويكون انقراض الديناصورات حصل بسبب الحدث المرعب دا، ومش بسبب ضربة نيزك زي ما كلنا كنا فاكرين؟!

وهل ممكن يكون الزمن مخبيلنا حدث مرعب مشابه، جاي في وقت ما من المستقبل، وهيتسبب في نهاية الحضارة البشرية كلها كما نعرفها؟! ولا القدر ممكن يكون في صالحنا، وميبقاش المستقبل مظلم للدرجة دي؟!

الزمن لوحده هو القادر على الإجابة.

مصادر:

https://www.deccanherald.com/science/space/a-supernova-destroyed-some-of-earths-ozone-for-a-few-minutes-in-2022-2776765

https://www.aps.org/publications/apsnews/200407/extinction.cfm

https://www.nature.com/articles/news030922-7

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

_________________________________

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ. محمود علام

كاتب روائي وباحث، وسيناريست

مقالات ذات صلة