مقالات

سور الصين العظيم

قد تختلف الحضارات القديمة في شكلها ورسمها ولكنها تتفق في غرسها وأصلها، فالإنسان يحتاج إلى الاستقرار والسلام لأن ذلك من دواعي التنمية والبناء ليعمل بالزراعة للطعام والكساء، والتجارة للبيع والشراء، والصناعة كالاستخراج والتحويل، واليدوية كما في المنازل والحفر على الخشب.

إن التشييد يحتاج إلى تصميم قوي وعزيمة لا تلين لأجل الخروج بهندسة في مجالات شتى كالمعمارية والحربية والكهربية والصحية.. إلخ. و سور الصين العظيم بهندسته المعمارية الفريدة وجماله وروعته ومتانته وشموخه خير دليل على الإصرار والتحدي عندما يريد الإنسان أن يبني حضارة ويترك بصمة إيجابية نافعة له وللأجيال التي تليه.

وكانت المدن المهمة في السابق ذات الموقع المتميز يُضرب حولها بسور له أبواب لحمايتها من الأعداء والدخلاء الخارجيين الذين يعملون على زعزعة الأمن ونشر الفوضى وعدم الاستقرار أو الاحتلال، وما أبواب القاهرة الحصينة، وبغداد دار السلام عنا ببعيد.

و سور الصين مشروع كبير للدفاع والتحصين والحماية بضخامته وقوته، وقد بدأ بناؤه في عهد الربيع والخريف، وعهد الممالك المتحاربة قبل أكثر من 2000 عام، بنته الصين من أجل الدفاع عن نفسها وحماية الإنتاج الزراعي وغيره من سطو بعض الأقليات من القوميات البدوية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وبعد توحيد الإمبراطور (شي هوانغ دي) الممالك المتحاربة وتأسيس أسرة تشين الملكية _وتعتبر أول دولة ذات سيادة وسلطة مركزية في الصين_ قام بربط تلك الأسوار التي بنتها الممالك فبلغ طوله 5000 كيلو متر، وواصلت أيضا الأسر المتعاقبة بناء الأسوار فنجد أن طوله تجاوز في أسرة هان وأسرة مينغ 5000 كيلو متر، ويتكون مجموع الأسوار على مدار الأسر والممالك نحو 50 ألف كيلو متر.

دقة البناء

ويتكون سور الصين من جدران من الصخور والطوب تم بناؤها فوق الجبال الشاهقة وتم عمل أبراج للمراقبة والإنذار وممرات وثكنات عسكرية للجنود، وكل منطقة من السور تحكمها قيادة عسكرية وإدارة منظمة قوية متكاملة مختلفة التخصصات والمهام كالدفاع والإمداد والترميم.

يبلغ متوسط ارتفاع السور في بعض الأماكن من 7 إلى 8 أمتار وقد يزيد في مناطق أخرى، وقاعدته من 6 إلى 7 أمتار، وقمته من 4 إلى 5 أمتار، وتوجد على السور فتحات علوية للمراقبة وقناة لصرف مياه الأمطار حتى لا تؤثر على السور فتحدث خللا،

وتوجد أيضا فتحات للتعامل مع العدو كإطلاق النار أو رمي وإسقاط الأحجار، وفي بعض أماكن السور توجد جدران متعددة لصعوبة ومنع صعود أو تسلل الأعداء، ونلاحظ وجود مبانٍ وحجرات لسكن الجنود الذين يدافعون عنه ويقومون بالحراسة وتخزين السلاح والغذاء والمؤن العسكرية.

والإنذار في السابق كان نظيرا للإعلام، فنراه على هيئة تصاعد أعمدة الدخان أو إشعال النار ليلا أو نجده في أصوات المفرقعات _والصين من أوائل الدول في صناعة البارود والألعاب والمواد المتفجرة_ وكانت هذه وسائل الإعلان في العصور السحيقة الغابرة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الأهمية الاقتصادية والثقافية والسياحية لسور الصين

ويجدر بنا ذكر الأهمية الاقتصادية والثقافية والسياحية التي يلعب سور الصين العظيم دورا بارزا فيها، فلقد أُدرج في التراث الثقافي العالمي فضمته منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة في عام 1987م، وغالبا لا تطأ قدم شخص بكين إلا ويذهب إليه لزيارته، بل الكثير يأتي من المقاطعات الأخرى لزيارته، وبحكم عملي في بكين العاصمة زرته مرتين، وهناك حكمة صينية تقول: “إن الذي لم يصعد إلى السور ليس رجلا”، وعلى الرغم من مشقة الصعود إلا أن أي شخص مهما كان متعبا يتحامل على نفسه ويصعده.

ويذهب الناس إليه فرادى وجماعات، فيمكنك أن ترى بعض الأشخاص منفردين أو وفود ومع كل وفد مترجم ومرشد سياحي، فالمكان مزدحم ومع هذا نلاحظ حول السور أماكن للاستراحة والترفيه والعديد من المطاعم والكافيهات والمحلات التي تبيع الأغراض المرتبطة بالسياحة والثقافة الصينية كالتحف والملابس والرسومات والأشكال.

إن العبرة ليست بالفخر أو التفاخر بما صنعه وأبدعه الآباء والأجداد القدماء وإنما الذكاء يكمن في الحفاظ على ما وصلوا إليه، والتعامل معه باحترام وأنه تراث إنساني للبشرية جمعاء فلا مجال ولا وقت للفخر، وإنما ينبغي الانشغال ببناء حضارة أخرى موازية لما أبدعه أسلافنا حتى لا نكون كما قال الشاعر في هذا الوصف:

إذا افْتَخَرْتَ بآباء لهم نسب … قلنا صدقت ولكن بئس ما ولدوا.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اقرأ أيضا:

الصين: تقدمها وحفاظها على الهوية

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فلسفة الصراعات الصين نموذجا

طريق الحرير في الميزان

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر

مقالات ذات صلة