إصداراتمقالات

ربيه على ما يصلحه

ربيه على ما يصلحه

الإنسان لا يخطو خطوة في حياته دون أن يحدّد هدفًا لتلك الخطوة؛ حتى وإن بدت حركته تلك عشوائية في ظاهرها إلا أنّها في باطنها مدفوعة بشيء ما وجّهها ذلك الاتجاه.. بالتأكيد هناك ما يدفع ذلك العامل لإطاعة أوامر رئيسه، وهناك ما يدفع تلك الأم لأن تستيقظ مبكرًا جدًا لتوقظ أبناءها حتى لا يتأخّروا على مواعيد مدارسهم، وهناك ما يدفع ذلك الأب لكي يستمر في عمله ويدفع من صحته ووقته الكثير، حتى ذلك الشاب الذي يتحرك في حياته بفوضويّة شديدة فيقضي وقته بين سهرة عند صديقٍ ما أو سفرٍ لمكانٍ ما مدفوعٌ في حركاته تلك برغباته وشهواته..
دائمًا وراء كل حركة دافعٌ ما، ولكن هل كلها حقيقية؟ أتستحق كل الأهداف البذل والتضحية من أجل الوصول لتحقيقها؟

الحكم هنا للعقل.. فهو الأداة المعرفية التي من شأنها الوصول لحكم يقيني، وصاحبة الحاكمية والأصالة.. والعقل يحكم بأنّ الكمال الحقيقي للإنسان هو في القرب من منبع الكمال والسعي في طريق الوصول إلى معرفته والتزام منهجه، فهو الأعلم بما يصلح الإنسان ويؤدي به إلى كماله وعلى ذلك فطريقه هو الحق الواحد، وكل ما دون الحقّ باطل!

يتحقق كمال الإنسان الحقيقي في التزامه جانب الحكمة، وتزوّده بالمعرفة وتحلّيه بالكمالات الأخلاقية والتزامه طريق تزكية نفسه والتحكم في شهواتها، بذلك وبما يوصِّل لذلك يكون هدف السعي حقيقي، أما ما دون ذلك فكمالات وهميّة.. وعلى ذلك فالإنسان الذي لا يتحرّك في حياته واضعًا نصب عينيه أن يكون هدفه هو الوصول لكماله الحقيقي هو يضيع عمره في سراب!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فالأب الذي يجدّ ويبذل عمره كلّه ولا همّ له سوى توفير المال لأسرته دون الاهتمام بما يصلح أسرته حقًا، واهم في تصوره أنّه بذلك لم يقصّر، وكذلك الأم التي لا شأن لها سوى توفير الاحتياجات المادية لأسرتها وتربي ابنائها على تحقيق المتع والحاجات الماديه واهمة أيضًا في تصورها أنّها قد أدت دورها كما ينبغي!
والمجتمع الذي يؤسّس أفرادًا يبني لديهم قناعة تقارب اليقين بأنه طالما الإبن والإبنة قد لقيا حظّهما من التعليم “العالي” -الذي للأسف لا يُصلح عقلًا ولا خُلقًا – فإنّهم بذلك صاروا في مأمن من كل شرّ، أو أنّ منتهى الإنجاز للأب هو أن يرى ابنته”عروسة”، أو أن يتمكن من أن يوفّر لأولاده حياة ماديّة مرفّهة جدًا ظنًا منه أن ذلك يعصمهم الإهانة دون أدنى اهتمام بإصلاح نفوسهم وعقولهم؛ ذلك المجتمع أشبه بماكينة تولّد مبيدات تقتل لا تحيي!

فما القيمة الحقيقية لكل ذلك السعي؟ و ما الدافع لهؤلاء لكي يستمروا في نهجهم المرهق جدًا؟ وأين السعادة الحقيقية بعد ذلك؟

ما الذي حققته تلك”العروسة” سوى أنّها ساهمت في إخراج جيلٍ آخر منحط أخلاقيًا وتائهٍ بعيدٍ كلَّ البعد عمّا يصلحه؟ و ما الذي جلبه ذلك الابن المتعلم ذو ” التعليم العالي” -في الوقت الذي لم تجد نفسه طريقها للتحلى بالكمالات الأخلاقية- سوى مزيدٍ من البؤس على المجتمع وعلى والديه قبلًا؟
وإني لأعجَب كل العجَب لمثل هؤلاء كيف يبيتون مطمئني الجانب ظانّين أنه على المجتمع أن يشيد بهم ويقدّر دورهم وهم غافلون عن هدف حقيقي يسعون إليه ويبذلون من أجله النفيس الذي يبذلونه!

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 

 

داليا السيد

طبيبة بشرية

كاتبة حرة

باحثة في مجال التنمية العقلية والاستغراب بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

حاصلة على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

مقالات ذات صلة