إصداراتمقالات

المهنة ربة منزل … عن الدور البطولي للمرأة في صناعة الإنسان وسعي المرجعية المادية في هدمه

هو: ماذا تعملين؟!
هي: ربة منزل (تُجيب على اسْتِحياء)

كُنتُ معَ والدَتِي حيثُ خضعت لعملية جراحيّة مَا في مستشفىٰ، وأثنَاء استكمال ورق دخولها العمليَّات بادرَها أحدُ الموظَّفين بالسُّؤال ماذا تَعْمَلين؟ لِأجدَهَا تَرُدُ بِصوْتٍ خافِت بأنَّها تعمل ربة منزل ، وَلِيُدَوِّنَ المُوظَّف علىٰ عجل بِأنَّ المَرِيضة لا تَعمَل إِذًا لا تَمْلِكُ تَأمِينًا أو ضمَانًا صِحيًّا. لا أدري -وأنا الطَّبيبة- وقَدْ احْتَقَن وَجْهِي حَنَقًا وغَضَبًا وكَأنَّ غَرِيزَة أُمِّ قَدْ تنبَّهت بِي؛ بعدما دوَّن هذَا الموظف عمل المرأة – ربة منزل – بأنَّه لا يُعتَبَر عملًا، وكَأنَّ وظيفتها كأمّ رغمَ أهميتها، وعملها كأم رغم المشقة التي تجدها في آدائه “لا شيئ” فهو عمل لا تتقاضى عنه أجرًا!!

هل هي ربة منزل ؟ .. إنها أشرف المهن

نعم!! حَملُها وهنًا علىٰ وهن عددًا من الأطفال لتُربيهم وتحتويهم وتسْهر على راحتهم الليل والنهار حتىٰ ينفصِلوا عنها معتمِدين علىٰ أنفسهم أشداء أقوياء بالإضافة إلى دورِها كزوجة والقيام بأعباء المنزل من ترتيب وإطعام وتنظيم..عملها ذلك وبدافِع الحُبِّ فقط لا يُعتبر عملًا!! حتَّى -والله- إنَّني لأتورْعُ أنْ أُسمِّيه عملًا حتَّى لا أَقوم بِإهانة هذا الدور الإِنسانيّ الكبير. هذا الدور الذيٰ لا يُوَفَّىٰ حقَّهُ وقدره بشهادات الماجستير أو الدكتوراة ولو اجتمعت شهادات الدنيا أجمع لن تُوفيه حقَّه؛ لأنَّ هذا العطاء عطاء معنوي داخلي من الأم فهي تفني روحها في سبيله بكل رضا وسعادة وسيكون من عدم الأدب تقدير هذا الدور العظيم بتقدير مادِّي لا يُقدِّم ولا يُؤخِّر شيئًا ولنْ يُمثِّل حتى ولو زفرة من زفرات آلام الولادة.

المرجعية المادية ودورها في تفكيك الأسرة

أدى اعتبار مرجعيَّة الإنسان إِلىٰ مرجعيَّة ماديَّة فقط إلى تراجع قيمه الإنسَانيَّة، وبالتالي تراجع الثبات الاجتماعي الذي يتميز به مُمَثَّلًا في النواة الأولى للمجتمع وهي الأُسرة، وفي ظل السيطرة المَاديَّة تمَّ تطويع الإنسان للطبيعة وليس العكس، وأصبحت أبعاد الإنسان الاجتماعيّة تُفسَّر تحت مظَّلة المادة والطبيعة؛ فبدلًا من أن يكون الإنسان اجتماعيًّا بطبعه، تحوَّل إلىٰ أنْ دعتهُ الحاجة المَاديَّة إلىٰ الاجتماع… أي أنَّ الإنسان تحوَّل إلىٰ إِنسان مادِّي محض، يسري عليه مايسري على الأشياء الماديّة الأخرىٰ، وكما يقول المسيري: “تمَّ تفكيك الإنسان تمامًا وتحويله من الإنسان المنفصل عن الطبيعة إلى الإنسان الطبيعي المادي، الذي يتحد بها ويذوب فيها ويستمد معياريته منها، فيفقد الدال “إنسان” مدلوله الحقيقي، ويحل الكم محل الكيف والثمن محل القيمة”

اضغط على الاعلان لو أعجبك

في ظل هذه الماديّة الطبيعية للإنسان تمَّ تهميش دور الأم كَـ ” ربة منزل ” والتقليل من دورها الاجتماعي والعمل على انتقاصه، وصرْفِهَا عن طبيعتهاالأنثويَّة والزج بها في مشروع للبحث عن الذات ومساواتِهَا بالرجل الذي يحقق ذاته هو الآخر وصرفهم عن احتياجاتهم الإنسانيّة المشتركة أو طمسها، فهذه متطلبات النظام العالمي الجديد الذي فشل في غزو البلاد التي تحافظ على وشائجها اجتماعيًا عنطريق الاستعمار، ويعمل الآن على تفكيكها أُسريًّا أو اجتمَاعيًا لتسهيل غزوها دون أي استعمار.

هذَا التَّهميش لدور العمود الفقري (الأم) لمؤسسة الأسرة التي تُعتبر أهم المؤسسات الإنسانيَّة التي يحتمي بها الإنسان ويُحقِّق من خلالِها جوهرهُ الإنساني، ويَكتَسِب داخل إطارها هويته الحضاريّة والأخلاقيّة، كَمَثَلِ تَهْمِيش التعامُلات الإنْسَانيّة في المجتمع دون حَصْرها في مَادة أو تَسلعها والإطلاق عليها علىٰ استِحيَاء: “إِنَّها حالة إِنسَانيَّة”!!”

نعم، الإنسان الذي تقوم بصهره شركات عابرة للقارات كأنَّه عُنصر من عناصر الطبيعة المَاديَّة، وليس له أدنى تميز عن الحديد، والماغنيسيوم!

المرجعية المادية لا تحترم الاحتياجات الفكرية والأخلاقية

فَدعونا لا نتعجَّب-إذًا- حينما نرى تَدافع الرَّجل لركوب وسيلة مواصلات جنبًا إلىٰ جنب مع المرأة وكأنَّها لا تختلف عنه جسديًّا ولا فارق؛ بدلًا من أن يُفسِح لها الطريق لتركب هِيَ أولًا. ولا نتعجّب حينمَا نرىٰ صالة انتِظار للامتحانات وكل الطلبة الذكور جالسون والطالبات واقِفات! أو أنَّ العلاقة الجنسيّة تحوَّلت إِلىٰ مجرَّد غريزة دونَ النظر إلىٰ هدفها السامي في حفظ النوع البشري على الأرض، وتُصبح العلاقات الجنسيّة مَشاعًا فلا حفظ أنساب ولا عقد اجتماعي يحفظها(كما يحدث في المجتمع الغربي علنًا، وفي المجتمع الشَّرقي سرًّا). ولا نتعَجَّب مِن تَطبيع الشُّذوذ الجنسي والتصريح بأنَّهُ أيدلوجية لها الحق في الممارسة وليست مجرد انحراف مزاجي أو مرضي، والقيام بهدم طبيعة الإنسان الاجتماعيّة وإلغاء ثنائية العمران الاجتماعي والإنساني؛ ثُنائيّة الذكر والأنثى. أو تشبيه المرأة كـ “سوق مُتغيّر” تَتبارىٰ في سبيل الحصول علىٰ أحدث وسائل التجميل، وانتظارها كل عام بشغف وإِلا أصبحت بضاعة كاسدة يَعَافُهَا الرِّجال ولو حتَّىٰ ربطتهم علاقة مُقدَّسة (الزواج) ولا نَنْدَهِش حِينمَا تُقبِل مجموعة من الفتيات على تعلُّم وسائل للدفاع عن أنفسهنَّ ضدَّ التَّحرُّش بوسائل تُغيّر من طبيعتهن النفسيَّة والوظيفية والجسدية؛ كالصراخ في وجه أحدهم بصورة مُدوِّية، أو مُحاوَلة القِيئ في وجهه، أو تَعلُّم التايكوندو والكاراتيه ورفع الأثقال، أو مُحاولة معاكسةِ الشَّباب بصورة جدِّية وليسَ علىٰ سبيل المزاح، دونَ البَحث في أصول الفَساد الأخلاقي في المجتمعات!! وأخيرًا لا تتعجب مِن هذا الحِوار الأزلي منذ عصرِ ما بعد الحداثة؛ حوارٍ على طاولة في مطعمٍ مَا بينما يتناول الرجل والمرأة سويًا شطائِر (البيتزاهات) ويحتسُون (الكوكاكولا)، تقوم المرأة بمُصَارَعة الرَجل لأنَّهُ يُعارض حقَّها في العمل!!

يقول الدكتور(المهدي المنجزة) رحمه الله: “إذا أردت أن تهدم حضارة أُمَّة فَهُناكَ وسائل ثلاث هي: ١.اهدم الأسرة ٢.اهدم التعليم ٣.أسقط القدوات والمرجعيّات لكي تهدم الأسرة عليك بتغييب (دور الأم) اجعلها تخجل من وصفها بربة بيت. ولكي تهدم التعليم: عليك بـ(المُعلِّم) لا تجعلْ لهُ أهمِيَّة في المجتمع وقلل من مكانته حتى يحتقرهُ طُلَّابُه. ولكي تسقط القدوات عليك بـِ(العُلماء) اطعن فيهم، قلل من شأنهم، شكك فيهم حتى لا يُسمع لهم، ولا يقتدي بهم أحد. فإذا اختفت الأمُّ الواعيَة واختَفَىٰ المُعلِّمُ المُخلِص وسقطَت القُدوة والمرجعيَّة فَمن يُرَبِّي النَّشء علىٰ القيم؟! ” انتهى كلامه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

-تَشْكُو إِليَّ إحداهُن بِأنَّ مَنْ يتقدَّم لِخطبتها يشترِط بأن تكون زوجته طبيبة، فتبتأس لعَدَم التِفَاتِه لذَاتِها وإِهمالها، واهتمامه فقط بالصورة الإِنتَاجيَّة.. هيَ لا تُريد أُسرة كمَّية أو مَادية، هي تُريد الاهتمام بالكيف… تُرَىٰ مَتَىٰ نَنْتَبِه إِلىٰ إِنسَانيَتِنَا ونَتَحرَّر مِن أغلالِ المَادَّة؟

إنَّنِي لا أدَّعِي بأنَّ المرأة غير مُؤهَّلة للعمل في سوق الإنتاج مقابل أجر نقدي، ولَكِن أدْعو إِلىٰ احترام ذاتِيَّة المَرأة كإنسانة، وأنثَى وأم حتَّى تتحقّق الشَّراكة الإنسانيّة الاجتماعيّة الفِطريَّة بين الذَّكر والأُنثىٰ

اقرأ أيضا … الرجل والمرأة من نفس واحدة فلماذا نرى اختلاف بينهما؟ وما دور كل منهما؟

اقرأ أيضا … حقائق مؤلمة تكشف لنا أحوال المرأة في المجتمع الغربي … الغرب ليس جنة

اضغط على الاعلان لو أعجبك

داليا عادل

طالبة بكلية الطب – جامعة المنصورة

باحثة ومحاضرة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة