The Voice – هل سأُعجب الحكام؟ هل سيحبني الجمهور؟ برنامج ذا فويس, مصيرك بين يدي الحكام

ذا فويس الديمقراطي

دقات قلب متسارعة، أنفاس متثاقلة بطيئة، خطوات مترددة لقدمتين كبلهما القلق، لشاب فى مقتبل عمره وهو يمثل أمام لجنة من بضع أفراد، لم لا؟! وهو ينتظر الحكم المبدئي على موهبته الذى سيؤهله فيما بعد لانتظار رأي العوام، ليس هذا الموقف حكرًا على برنامج (ذا فويس) أو (أحلى صوت) فقط، بل ربما هو المشترك الرئيسي بين كل برامج المواهب، فعلى كل راغب فى المشاركة أن يمثل أمام لجنة من الخبراء أصحاب القدرة على الحكم الموضوعي، بناءً على معايير فنية تتحدد طبقًا لهدف البرنامج وغايته، ومن ثم يصبح المتسابق جاهزًا لخوض المسابقة آملًا فى الدعم الجماهيري الذى سيرجح كفته على متسابق آخر اجتاز نفس الاختبار المعياري أمام اللجنة المختصة، فعلى الرغم من اعتماد تلك البرامج بصورة أساسية على ذلك الدعم الجماهيري الديمقراطي لكل متسابق، إلا أن ذلك الاعتماد لم يكن كافيًا لتجاهل حقيقة وجوب وجود معايير واضحة تضمن وجود الحد الأدنى من الموهبة لدى كل متسابق.

“لربما نشهد نهاية التاريخ فى لحظة كهذه: تلك اللحظة التى تكون هى نقطة النهاية لحركة الفكر الإنسانى وعولمة الفكر الديمقراطي التحرري الغربي كصيغة نهائية لإدارة الشئون الإنسانية”، هكذا يعلنها المفكر الأمريكى الجنسية الياباني الأصل (فوكوياما) واضحة صريحة، من اليوم لم يعد هناك صراع فلسفي وفكري حول نظم الإدارة السياسية، ليتردد صدى دعواه فى العالم كله إلى يومنا هذا، فاليوم أصبحت هناك قناعة تامة لا بأن #الفكر الديمقراطي هى الحل الأفضل للوصول بالمجتمعات إلى تقدمها ونهضتها، بل أصبحت هى الحل الوحيد الذى لا يجوز بأى حال من الأحوال نكرانه أو مجرد الشك فيه، فالفكر السياسي لم يعد فيه من الآن فصاعدًا سوى الديمقراطية غاية وهدف، دون النظر إلى أى أطروحات أخرى، انطلاقًا من ظن ساذج بأن انهيار الاتحاد السوفيتي صاحب الأيدولوجية المناهضة آنذاك كافٍ للبرهنة على قوة البناء الفكري والفلسفي بل والعملي للديمقراطية، مع جهل بأبسط مبادىء البحث الفكري والفلسفي المتجرد عن الأحداث الجارية والنظر إلى الموجود بما هو موجود.

فبالنظر إلى دليل صحة #الفلسفة_الديمقراطية -كما أورده فوكوياما- الذى يتمثل فى سقوط الاتحاد السوفيتي، نجده قد انطلق من أن الحق ينتمي للقوة، هذا وقد تجاهلنا حقيقة الثنائية التى وقع فيها أهل الديمقراطية، حيث يرى أصحابها أنه إن لم تكن الديمقراطية التحررية فهى الديكتاتورية المستبدة، ونحن إن سلمنا بحق القوة فإن هذا يستتبعه الاعتراف بانهزام الديمقراطية اليونانية قديمًا أمام سقراط ورفاقه، فكانت عودة الديمقراطية إلى ساحة البحث الفكري مرة أخرى حائلًا أمام تلك الآراء التى ترى بأن الديمقراطية أصبحت هى الإجابة الوحيدة والناتج الحتمي، بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى حقيقة أن ذلك الاستدلال قد وقع أسيرًا لنسبنة الحق -أن الحق نسبي-، تلك الأطروحة المتهافتة التى يلزم الإيمان بها عدم جدوى النظر فيها إذ يصبح الناظر مقياس للحق، فيُلزم بإيمانه بأن الحق مطلق تلك النظرة بالتصديق على ما يراه، ويُلزم إيمانه بأن الحق نسبى التصديق بأنه ربما يكون مطلقًا، فلا يتهاوى فقط استدلال حق القوة، بل يوجب ذلك دحض البناء الفكري المتهالك للفلسفة الديمقراطي كلها، فلا يصبح الحق تبعًا للقوة أو للأكثرية العددية.

نحن إن أطلقنا على تلك الرؤية المتهالكة لفظة فلسفة الديمقراطية فذلك إنما هو فى معرض وصف ذلك اللغط الذي وقع أنصار الديمقراطية أسرى له، إذ أن الديمقراطية فى ذاتها ليست شرًا مستطيرًا ولا خيرًا محضًا، بل ولا ترقى لأن تكون فكرًا وفلسلفة وهدفًا وغاية كما يراها أنصارها، بل هى مجرد إجراء جزئى، لا ينبغى أن يُسقط المبدأ الأعم المعنى بإدارة المجتمعات، إذ أن الغاية من الحكم هى #العدالة، ذلك المعنى الذى تسعي لخدمته الإجراءات المختلفة، فنحن إن لجأنا إلى الديمقراطية فإنما ينبغي أن يخضع هذا لمعايير عقلية واضحة، فكيف يقبل العاقل أن توضع تلك المعايير ممثلة فى لجنة حكام ضمن برامج ترفيهية – خرجت أول ما خرجت من مجتمعات ترسى ديمقراطية الأكثرية- تبحث فى الأمور الاستحسانية الاعتبارية الخاضعة للذوق، بينما يأبى أن تكون تلك المعايير جزءًا من مسألة محورية كمسألة الحكم وإدارة المجتمعات، كيف تستسيغ نفوسنا وجود #معايير صارمة تضمن ألا نحتكم إلا بين متسابقين ذوى الحد الأدنى من الموهبة على الأقل، بينما تعلو الأصوات رافضة لأى نظام عاقل تكون الديمقراطية إجراء ضمنى فيه نحو مجتمع عادل يرتقى بالفرد والمجموع على حد سواء، إيمانًا بأن لا صوت يعلو على صوت الديمقراطية كنظام أوحد لا مجال للنظر فيه ولو بالتعديل والتصحيح، متناسين أن الطريق بأى حال من الأحوال لا يمكن له أبدًا أن يغنى عن الوجهة، فلا يجوز للإجراء الديمقراطى أن يمحى الغاية بتحقيق العدل، لذا فلنقتدى بـ (ذا فويس) .. الديمقراطي.

#بالعقل_نبدأ
أقرأ ايضاً …. قلب و عقل – حرب لاتنتهى
أقرأ ايضاً …. لم أجد السعادة الا فى عيون البسطاء
أقرأ ايضاً …. كفاية يا عم بخ

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.