مقالات

ما هو الاستعمار، وما هي دوافعه ؟

وجهة نظر المستعمر الأول

بذور الشر عبر التاريخ

يظن البعض أن الشر المنتشر على وجه البسيطة وليد اللحظة الراهنة، أو أنه ظاهرة معاصرة اتخذت أشكالًا وأنماطًا متعددة، من أهمها الاستغلال والاستعمار الذي تقوم به دول ذات قوة وسطوة لدول أخرى ضعيفة.

لكن كل هذا غير صحيح، إذ أن الشر ظهر على سطح الأرض في مرحلة مبكرة جدا، بل ظهر عندما كان عدد البشر ستة أفراد؛ قام أحدهم بارتكاب الجريمة الأولى ضد الآخر، فكان أول علامة من علامات وجود الشر بشكل متلازم مع وجود الإنسان نفسه. يتخذ الشر صورا عدة من أهمها الاستعمار.

ما المقصود بالاستعمار؟

الاستعمار لغة يعني طلب الإعمار أو العمران، فأصل الكلمة الإعمار، وهي مشتقة من الفعل استعمر المزيد بحروف ا، س، ت، ويفيد الفعل بهذه الصيغة الطلب، مثال القول استنصر أي طلب النصر، لهذا من الجور أن تتخذ هذه السلسلة من الجرائم تلك المفردة، والمفردة الأنسب والأجدر هي الاحتلال.

استقى المحتل الغاصب من هذا المعنى الكثير من الحجج والذرائع التي تجعله يفترض وجود خراب أو فراغ أو تأخر في بقعة ما من العالم، ثم يبسط نفوذه عليها بحجة تحويل حالة التأخر التي يقبع فيها أهل هذه المنطقة أو تلك إلى وضع أفضل، من خلال مشاريع البناء والإعمار والتحديث.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أما المعنى السياسي لكلمة الاستعمار، فإنه يعنى استعباد الشعوب من قبل المستعمرين/ المحتلين، ويتميز واقع الاستعمار بأنماط معينة منها: الاستعباد، السيطرة، ثم الاستغلال.

إذا كان المستعمرون الأوائل يعتقدون أنهم يقومون بالإعمار والبناء لصالح البلاد، وأن هذه الحركة –المعروفة بالاستعمار– لها مدلول إيجابي لدى هذه البلدان، فإن الواقع ينبئ بعكس ذلك، فالشعوب التي تعرضت للاستعمار قد عانت منه كثيرا، وعانت من المردود السلبي الذي عاشوه واقعًا حيًا، لذلك من المؤكد للجميع أن الاستعمار والاستغلال متلازمان، إذا وجد أيهما فابحث عن الآخر.

دوافع المستعمر عبر العصور

article 2273164 1755DC80000005DC 941 634x482 634x470 1 - ما هو الاستعمار، وما هي دوافعه ؟

لا يغيب عن المتأمل في دوافع المستعمر أن الاستعمار قديم قدم الإنسان نفسه، بسبب الهجرات والغزوات منذ التاريخ القديم للبشرية، ولكن هذه الحركات لم تكن مقننة ومخططة بالصورة التي وصلت إليها الحركة الاستعمارية الحديثة والمعاصرة، إذ تباينت دوافع المستعمر عبر التاريخ منذ أن فكر الإنسان في استغلال أخيه الإنسان.

الدوافع الاقتصادية

ظلت الأسباب الاقتصادية على رأس قائمة المبررات، وذلك بسبب الثورة الصناعة التي نشأت في أوروبا، التي تفجرت شرارتها الأولى في ستينيات القرن الثامن عشر باكتشاف الآلة البخارية في بريطانيا، فتسارعت وتيرة ازدهار صناعة النسيج والصلب وهما أهم الصناعات حينها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بعد ذلك انتشرت الظاهرة إلى باقي أرجاء أوروبا ثم أميركا الشمالية في مطالع القرن التاسع عشر، هذه الاحتياجات الاقتصادية من أهم الدوافع التي أدت إلى تبني هذه الحركات الاستعمارية.

الدوافع الدينية والثقافية

تأتي الدوافع الدينية والثقافية في مرتبة تالية، إذ عملت الحملات الصليبية على توظيف الخطاب الديني بما يتناسب مع أهدافهم الاستعمارية، مثال الحملات المسيحية التبشيرية، إذ أدّى الدين دورًا كبيرًا في استعمار الدول الأخرى وتنصيرها بهدف نشر العدالة والمساواة.

كانت كلٌ من إسبانيا والبرتغال من أوائل الدول الأوروبية التي بدأت في اكتشاف الدول الأخرى واستعمارها، إذ دعمت الكنيسة هذه الحملات.

اقرأ أيضاً:

هل الاستعمار ذكر أم أنثى؟!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

هكذا يربي المستعمر ليضمن بقاءه

الاستقلال يبدأ من العقول

الدوافع الاستكشافية

ثم تأتي الدوافع الاستكشافية لبلدان وأراضٍ وقارات بكاملها لم تصل إليها قدم من قبل، تبدأ الأحداث في النصف الأخير من القرن الخامس عشر الميلادي عندما سقطت غرناطة –التي كانت آخر معاقل المسلمين– بعد قرابة أربعة قرون من حروب شنتها ممالك الشمال المسيحية على الثغور الأندلسية فيما سُمي بحروب الاسترداد، ثم انتهى وجود المسلمين في الأندلس.

ساعد سقوط غرناطة في زيادة نفوذ وسيطرة الدول الأوروبية من خلال كنز استراتيجي تركه المسلمون، يتمثل في مكتبات زاخرة تحتوي على عديد من الخرائط للعالم.

كذلك قام الأوروبيون باستقطاب عدد لا بأس به من أمهر البحارة العرب، وتم إرسال الرحلات الاستكشافية بهدف اكتشاف مواطن جديدة ومن ثم السيطرة عليها وإخضاعها والحصول على مواردها الطبيعية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

بالفعل تم اكتشاف الدول الأوروبية لقارات أمريكا والقارة الأسترالية والظفر بثروات هائلة وتم استعمار هذه البلاد والتخلص من السكان الأصليين وتغيير الهوية الثقافية لها.

صور أخرى من الاستعمار

546ec2d66259f1888761201 - ما هو الاستعمار، وما هي دوافعه ؟عندما تأسست الأمم المتحدة عام 1945، كان نحو 750 مليون نسمة، أو ما يقرب من ثلث سكان العالم وقتئذ، يعيشون في أقاليم تابعة لقوى استعمارية. اليوم لم يتبق من هذه الأقاليم سوى سبعة عشر إقليمًا يعيش فيها أقل من مليوني نسمة، وهي لا تتمع بالحكم الذاتي، من أهم هذه الأقاليم: الصحراء الغربية، وجزر فيرجن البريطانية، وجزر فوكلاند، ومنطقة جبل طارق، وغيرها من الأقاليم.

لكن رغم هذا الانحسار للحركات الاستعمارية إلا أن الاستعمار اتخذ أقنعة أخرى من خلال ما يعرف بالاستعمار الجديد، وهو استغلال الرأسمالية والعولمة والاستعمار الثقافي للتأثير على بلد نامٍ بدلًا من الأساليب الاستعمارية السابقة للسيطرة العسكرية المباشرة (الإمبريالية) أو السيطرة السياسية غير المباشرة (الهيمنة).

وهذا المصطلح أطلقه الفيلسوف جان بول سارتر، واستُخدم لأول مرة من قبل الزعيم الغاني كوامي نكروما، لوصف حالة البلدان الإفريقية المارّة بعملية إنهاء الاستعمار في ستينيات القرن العشرين.

خطورة الحركة الاستعمارية

مكمن الخطورة في حركة الاستعمار الحديث أن الفلسفة لم تتغير ولكن تغيرت الأساليب، فجوهر الاستعمار هو سيطرة القوي على الضعيف، وهو ما يحدث الآن ولكن دون استخدام يذكر للقوة، فالذي كان يُفرض قديمًا باستخدام القوة المسلحة الغاشمة، يمكن أن يُفرض الآن من خلال مكالمة هاتفية لا تستغرق بضع ثوان.

كذلك ما يتعلق بخطاب المستعمر الجديد، والذي يتسم بالتزييف والكذب والنفاق، مثال الادعاء بأن هدفهم هو نشر الحضارة، والنهوض بالأمم، وإرساء مبادئ حقوق الإنسان، وغيرها من الادعاءات الشائعة.

هذا إضافة إلى تبني تحركات مدروسة من التضليل عبر آلة إعلامية مستبدة تمتلك من الأدوات والتابعين الكثير، من المثقفين الذي يكتسون بثوب من الوطنية والنضال.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

مقالات ذات صلة