مقالاتفن وأدب - مقالات

الدقيق أمام أبوابهم لا يعلمون من واضعه ، يا ترى من هو؟

من أين شوال الدقيق

في صباح كل يوم ، يستيقظ #فقراء القرية ، يوم جديد من العناء ، يمضي معظمه في البحث عن قليل من الطعام ليسد #جوع البطون الفارغة ، ولا ينتهي دوما بإشباعها! ولكن اليوم كان مختلفا كثيرا عما سبقه ، فما إن فتح عم عبد الله باب بيته الخشبي البسيط حتى وجد أمامه شوالا كبيرا من الدقيق ، ما هذا ؟ من أتي بكل هذا الدقيق ووضعه أمام بيتي ؟ ياللعجب ، خرج عم عبد الله مسرعا ينظر يمينا ويسارا علّه يجد أحدا أو يلمح طيفا ، و لكنه لم يجد ، أسرع الى جاره ، فوجده هو الآخر خارج بيته وقد بدا عليه القلق ، وقبل أن يسأله ، أسرع اليه جاره وقال له: لقد وجدت اليوم أمام باب بيتي شوالا كبيرا من الدقيق ، ولا أعلم من أين جاء ولا من أتي به؟ فرد عم عبد الله: وأنا ايضا حدث معي نفس الشيء؟ ولم يمر كثير من الوقت حتى علم عم عبد الله أن كل فقراء القرية وجدوا أمام بيوتهم أشوله الدقيق نفسها ، وأصابتهم نفس الدهشة وهم يتساءلون: هل ما زال في الدنيا أشخاص يفعلون الخير بهذه الطريقة؟ انتهى اليوم وجميع فقراء القرية تغمرهم السعادة مخلوطة بالتعجب والدهشة ، وبات الجميع حامدين لربهم أن أرسل لهم هذا الرزق الوفير على يد أحد عباده الصالحين ، والذي وفر عليهم عناء كبيرا ، عناء البحث عن لقمة العيش يوما بيوم ، فراحوا جميعا يعملون ويدخرون أموالهم البسيطة ، ليسدوا بها العديد من المطالب الأخرى التي كانت مؤجلة للأبد دون أمل في تحقيقها ، وبعد مرور أسبوع ، وقبل أن تنفد أشولة الدقيق استيقظ فقراء القرية ليجدوا أمام بيوتهم أشوله جديدة من الدقيق تكفيهم لأسبوع آخر ، وأصبح الأمر عادة ينتظرونها وهم يدعون ليل نهار لهذا الطيف الجميل للعبد الصالح اللذي يفكر فيهم ويسعى لمساعدتهم دون أن يعلن عن نفسه ودون أن يتظر أي مقابل.

كان جديدا على القرية ، غريبا عنها وفد إليها منذ وقت ليس ببعيد ، قليل الكلام ، كثير التأمل ، أجزم كل من رآه أنه من أغنياء القوم ، بالرغم من بساطة بيته ومظهره  ، كان يخرج كل صباح وقد بدا النور على وجهه ، والابتسامة الطيبة التي لا تفارقه ، يقضي يومه بين المسجد وبين دار الكتّاب بجواره يعلم الأطفال ويناقشهم وأحيانا يلهو معهم فتسمع أصوات ضحكهم تملأ السماء بهجة وفرحة ، ومع الوقت بدأ الجميع يتعرف إليه، كان صالحا اسما وفعلا أحبه الجميع وأحبوا الجلوس إليه، بدأوا يقصدونه ليتحدثوا معه عن همومهم، ويسمعون منه الكلمات الطيبة العاقلة  التي طالما أضاءت لهم الطرق المظلمة التي كانوا يمشون بها، كان كالمنارة التي تضيء للتائهين في خضم الأمواج العاتية طريقهم فترشدهم الطريق وهي شامخة مرتفعه مضيئة، كان هذا ما يعرفه أهل القريه عنه، ولكن كان له جانب آخر لا يعرفه أحد ، كان ينهي يومه ويرجع بيته ليلا ليبدأ جزء آخر من يومه بين القراءة والتعبد والتأمل والصلاة والدعاء ، وبعد منتصف اليل ، بعد أن ينام كل أهل القرية يخرج متوشحا رداءه ، يحمل على ظهره أشولة الدقيق ويضعها أمام بيوت الفقراء ، ويمشى مسرعا قبل أن يراه أحد ، يفعل ذلك كل أسبوع دون ملل أو كلل ودون أن يعرف بأمره أحد ، وذات يوم ، وفي نفس الموعد الأسبوعي الذي ينتظر فيه فقراء القرية الدقيق ، فتحوا أبواب بيوتهم ولم يجدوا شيئا ، تعجبوا ، كيف؟ ماذا حدث؟ إنه لأمر غريب، لربما يأتي الدقيق في اليوم التالي ؟ وظلوا منتظرين ، ولكن شيئا لم يأت لا في اليوم التالي ولا اليوم الذي يليه ، ألهتهم الدهشة ، ولم يلحظوا غياب صالح لمدة ثلاثة أيام ، انتبه لذلك عم عبد الله ، ذهب مسرعا لبيته ، طرق الباب مرة ومرات عديدة ولكن أحدا لم يفتح ، تجمع سكان القرية ، حاولوا فتح الباب ، فُتح الباب  ليجدوا صالحا  ملقى على الأرض وقد فاضت روحه الطاهرة لبارئها وبجواره وجدوا أشولة الدقيق !! لقد كان هو؟

“نور من نار”

كان يجد نفسه في ابتسامة من حوله ، وكان يسعى دوما أن يكون أحد أسبابها ، ولو بقول طيب أو فعل بسيط ، وفي حين يقضي أصدقاؤه أوقات فراغهم يلتقون ليأكلوا ويتسامروا، كان يقضي هو أوقاته وسط عمال مصنعه ، يسمع منهم ويتحدث إليهم ، يذهب إلى بيته ، وهو مثقل النفس ، لا يتوقف عقله عن التفكير فيهم وكيف السبيل لمساعدتهم ؟ لم يدخر وقتا أو جهدا ليساعد عمال مصنعه في مختلف جوانب حياتهم ، أحبه الجميع ، وأصبح يقصده كل ذي حاجة أملا فيه أن يساعده ، ولم يتأخر يوما عن أحد ، ومن مصنع لآخر ، أخذ يشيد عددا من المصانع التي تستوعب العديد من الشباب الذين لا يجدون عملا ، يتابع عملهم ويشجعهم نهارا ، ويلتقي بهم ليلا ليتحدثوا في كل الأمور ، فأصبح ليس فقط صاحب العمل الذي يعملون عنده ، ولكنه أيضا أصبح سببا في زيادة وعيهم ومعرفتهم بحقوقهم بنقاشاته معهم التى لا تنتهي ، وبابه اللذي لا يغلقه أمام أي منهم ؟ التفوا حوله ، طالبوه أن يمثلهم ويكون صوتهم الذي لا يستطيعون أن يوصلوه لأصحاب السلطة والمال ، رفض بشدة ، أصروا عليه ، قبل ممتعضا، ولم يمض كثير من الوقت ليفاجأ الجميع بحريق هائل في مصانعه ، أتت عليها ولم تبق شيئا ، وقف هو مذهولا ، بينما حاول عمال المصنع أن يطفئوا الحريق الذي لم يلتهم المصانع فقط ، بل التهم معها آمالهم وأحلامهم ، كانت الدموع تملأ عينيه ، مشدوها من هول الصدمة، ولكنه بالرغم من كل شيء كان صامدا ، وما إن كاد العمال يطفئوا الحريق حتى خرج عن صمته وما كان منه إلا ان أخذ جذع شجرة ، وأشعل طرفها من النار قبل أن يتمكن العمال من أن يطفئوها كلها ، وراح بهذه الشعلة ، يضيء جانبي الطريق المؤدي للمدينة والذي كان مظلما لا أعمدة كهربائية تضيئه ، بينما ينظر إليه عماله بتعجب وحزن شديد ، ظنوا أنه فقد عقله ، ولكنه لم يتركهم كثيرا في وهمهم ، نظر إليهم قائلا ، دعونا ننِر الطريق ، دعونا نأخذ من النار #نورا لنضيء بها طريق الآخرين.

“سيد القوم”

الإنسان كائن مختار ، باحث دوما عن السعادة  ، طامح دوما إلي الكمال ، وفي سبيل تحقيق السعادة والقرب من الكمال يتخد  العديد من الطرق والوسائل ، والتي أهمها  مساعدة الآخرين ، فالانسان كائن ضعيف فقير في حاجة دائمة لغيره يلتمس كماله من خلالهم ، يمد يديه ليساعد الناس ، فيجد أنه يساعد نفسه قبل أن يساعدهم  ويقترب شيئا فشيئا من سعادته وكماله ، كلما أغلق في وجهه طريق ، فتح بإيمانه طرقا أخرى مضيئة  بنور اليقين وثبات النفس ووضوح الرؤية وعظمة الغاية ،  كلما #تواضع ارتفع ليسود ممالك النفوس ويعلو قدره في القلوب ويشار إليه بالبنان بين أهل الأرض والسماء ، وهكذا كان دوما وسيظل أبدا   “خادم القوم هو سيدهم”.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

#بالعقل_نبدأ

منى الشيخ

مطور برامج

باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالاسكندرية

مقالات ذات صلة