الأولويات التي تحول دون سقوط الفرد والمجتمع .. الجزء الثاني
تحدثنا في المقال السابق أن الإنسان مخلوق طالب للكمال إذا احتفظ بروحية المطالبة بكل شيء وقد بينا تفسيرنا لمعني كل شيء؛ فالسعي للكمال يظل رغبة داخل الإنسان إلا أن يخوفه أو يؤثر على وعيه شخص آخر أو ثقافة أخرى، بحيث يقنع بالقليل ثم القليل حتى لا يبقى له شيء يذكر.
كذلك طرحنا سؤال حول أسباب سقوط الفرد أو المجتمع ، وهنا نضيف سؤال آخر ما هي الأسباب التي تجعل الإنسان يتوقف عن طلب الكمال؟ وما هو موضع توقفه تحديدًا؟
الفارق بين موضوع السقوط وموضع السقوط
ففارق كبير وواضح بين أسباب التوقف وموضع هذا التوقف، فلو أنَّ إنسان سقط أثناء سيره فقد تكون الأسباب كثيرة منها انشغاله بموضوع ما أو عدم وضوح الطريق الذي يسير فيه، وهذا بخلاف موضع سقوطه؛ فالكلام هنا يكون حول تحديد موضوع السقوط لا الأسباب.
وهنا نركز الحديث أكثر حول موضع السقوط لما لهذا الموضوع من خطر كبير يتعرض له الإنسان على مدار حياته. إن موضوع السقوط هو أشبه بمنعطف خطر على طريق يوضع فيه علامات إرشادية لتُنبه السائق بأن أمامه منعطف خطر يجب الحرص والحذر منه،
تلك العلامات الإرشادية لا تعني أن السائق غير ماهر في القيادة بل أن المنعطف هو الخطر وإمكانية السقوط فيه ممكنة لمن يتقن القيادة ومن لا يتقنها وذلك لشدة خطورته، فكما أشرنا سابقا فإن كثير من المجتمعات والأفراد رغم امتلاكهم مقومات النجاح والتقدم إلا أنهم سقطوا وتراجعوا.
غياب المعرفة
إن هذا الإنسان الراغب في الكمال الراغب في كل شيء مُعرض للسقوط الكبير والتوقف عن الكمال نتيجة عدم معرفة فلسفة وجوده في هذه الدنيا ولأي شيء خلق، دعونا نضرب مثلًا بطفل يلعب بلعبة صغيرة ويشاهد لعبة أكبر منها، فإنه يبكي للحصول على اللعبة الأكبر،
لكن بمجرد أن تعطيه اللعبة الأكبر وتطلب منه لعبته الأصغر؛ فإنه يرفض وربما يبكي أيضا، هذا هو حال الإنسان الطالب للكمال والذي قد تميز بالاختيار فما أن ينال ويختار الأفضل؛ فعليه أن يتخلى عن الأقل، لكن الإنسان قد يخطئ الاختيار عندما يريد شيء أفضل بعدم ترك الأقل منه مما قد يكون سببًا في عدم حصوله على الأفضل!
هذا الاختيار أمر طبيعي وموجود في الحياة، غير أن البعض قد لا يفهم ذلك أو يسأل لماذا يجب أن أتخلى من الأقل حتى أحصل على الأفضل؟
حقيقة وجودنا
يجب أن نعلم أن هذا هو المنعطف وموضع السقوط – الاختيار- هو حقيقة وجودنا ولهذا خُلقنا، فكل ما نمر به هو تحت هذا القانون الذي يحدد فيه كلا منا مكانه ومنزلته، بدون هذا الاختيار لا ترقِّي ولا كمال، وإن من طبيعة هذه الدنيا أنها عندما نحصل فيها على شيء فإننا نفقد في مقابله شيء آخر.
إن العزة والكرامة والتقدم قيم لابد من دفع ثمنها بالتخلي عن الغرور والخوف والكسل والرضا بسيطرة المحتل وقبول الذل منه مقابل حفنة من فتات الدنيا،
ولنا في جيل أكتوبر الذي حقق النصر على العدو عبرة على ذلك فقد دفعوا ثمن التحرر والعزة لكل الشعب، وكذلك باقي دول العالم الحرة التي لا ترضي بالذل والهوان، هذه القوانين تنطبق على كلا من الفرد والمجتمع معًا.
جيل أكتوبر خير قدوة
فلو رضى جيل أكتوبر بالقليل من العيش تحت رحمة المحتل واكتفى أبناء هذا الجيل بتأمين المأكل والملبس فقط لكنَّا حتى اليوم مستعمرين، لكنهم طلبوا كل شيء طلبوا التحرر والعزة والشرف وطرد المحتل وبناء بلدهم والعزة والمستقبل المشرق لأنبائهم ولكل المجتمع وقد فعلوا.
ذلك الجيل رفض الخضوع لمحتل طلب أن يأخذ منا كل شيء، ثرواتنا ومستقبلنا وثقافتنا وهويتنا وأرضنا وشرفنا .
بل طلبوا كل شيء بدلا من أن يكونوا في موضع الاحتقار من عدو يستعبد البشر لا يرحم أحد ، هذا الجيل عبَّر عن حقيقة الإنسان الحر الذي يطلب كل شيء طالما كان ذلك صحيح،
فلم يطلب جانب مادي فقط لعلمه بأن هذا ليس كل شيء يحتاجه الإنسان، بل عرف وفهم أن الإنسان لا يحيى فقط بالطعام والملبس بل أيضا بالعزة والكرامة والشرف وسبيل تحقيق ذلك التخطيط وبذل الجهد والتضحية.
التخلي بداية السقوط
لا يمكن أن يطلب الإنسان أو المجتمع الحياة الكريمة التي ترفعهم وتبني لهم مستقبل سليم بطريقة غير سليمة، فإن التخلي بداية السقوط الذي يجعل من الفرد والمجتمع وقود لنار المستعمرين والتي لا تُبقى على أي شيء،
فالمجتمع الذي لا يهمه بناء حضارة أو لا يهتم بالحد الأدنى للحفاظ على موارده وكرامته لن يرحمه هؤلاء الهمج المدعون لحفظ حقوق الإنسان وهم المنتهكين لها،
لن يسمحوا لنا بالحفاظ على هويتنا وقيمنا الأسرية؛ لأن هذا مصدر قوة لنا؛ بل سيسعون لهدم تلك القيم وإدخال قيم وسلوكيات شاذة تجعل منَّا ضعفاء ماديًا ومعنويًا فلا نقدر أن نطلب كل شيء ونرضى وقتها بأي شيء ونترك لهم كل شيء وبهذا نكون للأسف الشديد بهذا الضعف مصدر قوة لهم.
إن نقطة الضعف المحورية في كل هذا السرد السابق حول سقوط الفرد؛ لو تأملنا لوجدنا أنها مرتبطة بالعطاء!
وهنا -عزيزي القارئ- أرجو منك أن لا تشعر بالتناقض في القول بالسعي للحصول على كل شيء، وفي نفس الوقت يكون عدم العطاء هو سبب عدم قدرتك على طلب كل شيء، وهذا ما سنحاول تفسيره في المقال القادم.
اقرأ أيضاً:
الإنسان العاقل والاختيارات اللازمة والضرورية
الموروث الخطأ بين الهوية والاغتراب
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا