مقالات

إلى روح رافع العَلم في ذكرى نصر العاشر من رمضان/ السادس من أكتوبر ١٩٧٣م

محمد أفندي رافع العلم فلاح من مدينة القرين

مازالوا يحملون في القلوب نبضات الانتماء وروح أكتوبر مع أبناء الشرقية الأبطال الذين شاركوا في معركة رد الكرامة. حيث تتجلى نفحات الروح الوطنية مع الأغنيات التي تبث عبر وسائل الإعلام، كلما هلت علينا ذكرى نصر أكتوبر 1973، لتستنهض فينا عبق الذكرى لتفتح صفحات التاريخ التي سجلها جنود مصر بدمائهم وأرواحهم.

نتوقف كثيرا لنعيد قراءة السير العطرة للأبطال والشهداء الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الله والوطن، ونستعرضها للأجيال التي لم تعاصر هذا النصر العظيم، نصر العزة والكرامة، نبث فيهم روح أكتوبر كي يستمدوا منها التضحية والفداء لمواجهة الأزمات والصعوبات في ظل تحول المجتمع المصري، لإحياء روح الانتماء للوطن.

مر 42 عاما على نصر أكتوبر، قلبنا الصفحات وبحثنا عن أسماء سطرت سيرتها بالنور في تاريخ العسكرية المصرية. من هؤلاء الجندي محمد العباسي أو”محمد أفندي” كما أطلقوا عليه. هو أحد الأوائل الذين رفعوا العلم المصري على الضفة الشرقية لقناة السويس في حرب أكتوبر 1973. ترى أين هو الآن؟ هل مازال يعيش في مسقط رأسه في مدينة القرين في محافظة الشرقية؟ ترى ماذا فعلت الأيام معه؟ وماذا تبقى لديه من ذكريات عن نصر أكتوبر العظيم؟

نشأته

وقف كما النخلة فوق خط بارليف، وقف على قدميه ليرفع العلم على أرض سيناء الحبيبة متباهيا في عزة وكرامة، هو ذلك الجندي الذي أطلقوا عليه محمد أفندي رافع العلم. استدعيت معلوماتي عنه من كتيب الشئون المعنوية، هو (محمد محمد عبد السلام العباسي ) الذي ولد في 21 فبراير عام 1947 بالقرين مركز أبو حماد إحدى مدن محافظة الشرقية التي اشتهرت بالنخيل وكانت ملتقى القوافل العربية القادمة من الشام مرورا بمصر محملة بالطوب لبناء مسجد قايتباي بالقاهرة، تستريح الجمال لبعض الوقت تحت ظلال نخيلها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ومن أشجار النخيل اشتهرت نخلتان بقرنيهما ومن هنا جاء اسمها القرنان، ثم حرف لتصبح القرين. كما حرصت القوافل على بناء مسجد بها أطلق عليه أيضا مسجد قايتباي بالمدينة. اشتهرت القرين بمواقفها الوطنية ضد الاحتلال الإنجليزي بالتل الكبير وأثناء العدوان الثلاثي على مصر.

فقد كان الأهالي يهاجمون معسكرات العدو الإنجليزي ويعودون بالأسلحة والعتاد ليسلموها إلى السلطات المصرية.  شاهد (العباسي) كل هذه المواقف فشرب الوطنية، وعندما ألحقه والده بالكتاب حرص على تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم ثم حصل على الشهادة الابتدائية من مدرسة القرين ثم حصل على الشهادة الإعدادية واكتفى بهذا القدر من التعليم متجها إلى التجارة ورزقه الله من المحل التجاري الذي يديره رزقا كثيرا.

عن التحاقه بالخدمة وعودته مره آخرى لأرضه

وعند بلوغه سن السادسة عشر زوجه أبوه لأنه أكبر الذكور في أسرته حيث كان له أخ يصغره وأختان تكبرانه. مرت الشهور ورزقه الله بمولود أسماه (جلال) وقبل نكسة 5 يونيه 1967 بقليل تم استدعاء (محمد العباسي) للتجنيد والتحق بالخدمة العسكرية في الأول من شهر يونيو عام 1967.

وفي بداية عام 1968 انتقل إلى الإسماعيلية ليشارك في معارك الاستنزاف، وهناك خضع مع زملائه من الجنود المصريين للتدريبات العسكرية المكثفة في سلاح المشاة بعد مرحلة التدريب الشاق في الهايكستب ثم انتقلوا إلى جبهة القتال في الإسماعيلية لردع العدو.

وعند لقائي بمحمد أفندي بدا عليه وقار الشيوخ في جلبابه وعمامته البيضاء ولحية مخضبة بالنهار وابتسامة مشرقة واسترجع الذكريات إلى الوراء، سنوات طوال تعدت التسعة والثلاثين عاما ولم تخنه الذاكرة بل بدأ يستدعي هذه اللحظات بتفاصيلها وأيام العسكرية ولحظات العبور وعادت به الأيام بعد المعركة ليصحو من النوم مبكرا ويذهب إلى حقله، عاد إلى أرضه ليزرعها كما كان يفعل قبل الذهاب للجندية جلس يحكي أيام المرارة والانكسار بعد 1967 ورحلته في التدريب والعسكرية والغيظ المكبوت من آثار الهزيمة والنكسة التي خيمت على البيوت وسكن الحزن القلوب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

دعوة لتخليد الانتصار

ويناشد محمد أفندي المسؤلين في مصر بتدوين تاريخ مصر أكتوبر لتظل ذاكرة وروح أكتوبر في تاريخ مصر، والاهتمام بمشروع إنشاء حديقة الخالدين ويكون رافع العلم في صدارتها، يضع تمثاله ليكون مزارا للمصريين في ذكرى 10 رمضان /6 أكتوبرمن كل عام.

فهذا العلم المصري الذي يرفرف يجسد انتصارنا على من أرادوا قهرنا فقهرناهم وقلنا للعالم مصر المحروسة أم الدنيا لا تقهر ومنتصرة. وها هي النخلة الباسقة تؤتي أكلها في ذكرى النصر.

فهل تخلد هذه اللحظة؟ لحظة الانتصار بتمثال لرافع العلم؟ يوضع في حديقة الخالدين ليكون شاهدا للتاريخ والأجيال المقبلة ويكون قدوة لشباب مصر يقتدون به ويسيرون على نهجه في حياتهم. إلا أن هؤلاء الأبطال لا يجدون من يهتم بهم ويعيشون في الظل في انتظار الموت.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اقرأ أيضا:

خـَد الصباح – “عيد تحرير سيناء”

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الاستعمار الحديث

مذبحة صبرا و شاتيلا

إبراهيم عطية

رئيس اتحاد كتاب مصر بالشرقية والقناة وسيناء

مقالات ذات صلة