إصداراتمقالات

حضارتنا بين الغزو والتفاعل!

ما بين أخبار حوادث الطرق اليومية بسبب الخلل في الكباري والطرق والسكك الحديدية وإشارات المرور، والمنظر العام لملابس شبابنا وهيئتهم في شوارعنا وتقليدهم الأعمى لما يسمى صيحات الموضة العالمية..
ما بين العديد من البرامج التليفزيونية والمسلسلات والأفلام العربية المأخوذة عن مثيلاتها الأجنبية التي تملأ شاشاتنا دونما أي تغيير أو مراعاة لأي عادات أو تقاليد أو دين والإهمال الجسيم في مستشفياتنا والمرضى المحرومون من أدنى حقوقهم في رعاية صحية تليق بإنسانيتهم..
ما بين مريض بمرض قاتل في بلد كأمريكا يرى المتفائلون من الأطباء أن أقصى مدة يمكن له التعايش مع هذا المرض عامان أو ثلاث، وها هو بسبب التقدم الطبي والاهتمام اللازم يعيش عشرات السنين ومريض بمرض من المفترض أن يتعايش معه الناس عمرًا طويلاً يموت بعد عام أو عامين بسبب الإهمال والتخلف الطبي في بلادنا..

ما بين كل ذلك أجد نفسي أفكر في مصطلحات كالحضارة والهوية والغزو الفكري وأهمية فهمنا لها، فما أتعسنا وأتعس أمتنا وأتعس حاضرنا ومستقبلنا دون الفهم السليم لهذه المصطلحات والوعي بأهميتها!

فالحضارة كما يُعرفها صامويل هنتجون في كتابه صراع الحضارات هي التجمعات الثقافية الأعلى للناس والمستوى الأوسع للهوية الثقافية.
فأنا مثلاً عندما أعرف نفسي أقول طبيبة من مدينة المحلة الكبرى مصرية سنية مسلمة عربية..
فالحضارة التي أنتمي لها هي المستوى الأشمل للتعريف الذي عرفت به نفسي أي الحضارة الإسلامية أو العربية.

وللحضارات المختلفة أشكال من العلاقات ربما لا تخرج عن تلك الحالات:
أولاً: الحوار الحضاري وهو حالة مثالية من الاجتماع بين من يمثلون النخب وفلاسفة ومفكري الحضارات المختلفة يتم فيها التباحث عن المشتركات الإنسانية وعوامل اتفاق كل حضارة والحديث عن أوجه الخلاف بشكل غرضه التعارف والتفاهم فقط.
ثانيًا: التصادم الحضاري وفيه الكلام عن مرحلة الغزو الفكري والثقافي كمرحلة أولية للغزو والاحتلال العسكري والاقتصادي، أو ربما تأتي كنتيجة لما بعد مرحلة الاحتلال.
ثالثًا: التفاعل الحضاري وهي مرحلة وسيطة بين الحالتين السابقتين وقد حدد د. محمد عمارة في كتابه الغزو الفكري شرطين أساسيين بمجرد حصولهما تتم تلك الحالة من التفاعل الحضاري وهما التفاعل وتبادل المشتركات الإنسانية للحضارات وعدم التأثير في الخصوصية لكل حضارة .
والمقصود بالمشتركات الإنسانية الأشياء التي تخدم الإنسانية بوجه عام ولا يوجد اختلاف عليها مثل العلوم الطبيعية كالطب والهندسة والفيزياء والكيمياء والبحث العلمي وغيرها من مجالات العلم المادي الذي لا يمكن لأي حضارة أن ترفضه أو تقاومه لأنه لا يتعارض مع خصوصيتها ولا يُعتبر غزو فكري أو ثقافي لها.
أما الفنون الغربية التي لا تجد حرجًا في العُري والحرية الجنسية والإلحاد والدعوة له فيجب علينا التصدي لها والنفور منها لأنها تتعرض مع ديننا وثقافتنا وهويتنا!
أي يجب علينا التفريق بين ما هو مشترك وما هو خاص في حالة تفاعلنا مع أي حضارة أخرى.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وحتى لا تقع حضارتنا أسيرة للغزو الفكري والثقافي ونجد أنفسنا نقلد الغرب تقليدًا أعمى فيما يخالف خصوصيتنا الحضارية وفي نفس الوقت لا نجاريه في التقدم العلمي والتكنولوجي والمشتركات الإنسانية التي تحتاجها أي حضارة لتنهض وتزدهر لابد من الإدراك المعرفي لمفكري تلك الحضارة وساستها ونخبها لطبيعة المشتركات الإنسانية وضرورة الانفتاح على الحضارات الأخرى لاكتسابها مع الفهم العميق لخصوصية الحضارة والاستعداد للدفاع عنها حتى لا تنسحق وتذوب في أفكار الآخر وهنا يأتي دور مفكري ومتكلمي تلك الحضارة المنوط بهم توعية الأمة بحضارتها وتعزيز هويتها الثقافية وأن ذلك لا يتعارض مع آخر ما توصلت له الحضارات الأخرى من التقدم في المجالات الإنسانية التي لا خلاف عليها وأنه كما يقول الشيخ محمد الغزالي في كتابه الغزو الفكري يمتد في فراغنا أن الله لم يُرسل أنبياءه ليعلموا الناس كيف يحيون أرضًا مواتًا أو كيف يضاعفون إنتاج أرض صالحة أو كيف يحسنون إدارة الأعمال في أقصر وقت وأقل تكلفة أو كيف يعرفون خصائص النباتات الطبية والعقاقير المشابهة ويقيمون مؤسسات كبرى لشتى الأدوية!
إن ذلك كله وأمثاله وهو كثير موكول إلى عقول البشر وجهودهم يتنافسون فيه كيف شاءوا ويبتدعون فيه ما أعانهم الذكاء وأتاهم الحظ فإذا تخلف كسول فعلى نفسه جنى وهو وحده الملوم وإذا سبق نشيط فلنفسه بغى الخير.
ولو أن ما يجيئنا من الغرب هو العلم وحده لعددنا من يعترض طريقه خائنًا أو كافرًا!
إن التقدم العلمي ما يجيئنا منه إلا النزر اليسير، أما الطفح الحيواني والشتات الاجتماعي فسيل دافق وهنا مكمن الخطر.
فليتنا ننافس الغرب في قدراته الصناعية والإدارية والعلمية وندع ما يصدره لنا من انحلال فكري وأخلاقي!

وليتنا نعلم أن هناك شروط للاستفادة من الحضارة الغربية وهي أن يتم الاقتباس بشكل إرادي واعي فنأخد ما نراه أوفق لنا وندع غيره ونضع ما نقتبسه في مكانه الصحيح من حياتنا ولنعلم أن الاقتباس يتم لمصلحة المقتبِس لا لترسيخ قدم المقتبَس عنه وتمكينه من أعناقنا كما يأمل الاستعمار الثقافي
ولا بأس بين الحين والحين أن نراجع ما قلنا وما أفدنا وأن نحسب مدى الربح والخسارة في هذا التلاقي الحضاري وذلك على ضوء هويتنا وخصوصيتنا ومقدساتنا الحضارية .
لأن العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق لا يزيده سرعة السير إلا بعدًا!
فلعلنا ندرك أن الغزو الثقافي يتحرك بقوة وسط أمة نائمة أو تائهة فهل نصحو؟!

نوران فؤاد

طالبة بكلية الطب – جامعة المنصورة
عضو في أسرة الصفوة الطلابية
باحثة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة