مقالاتقضايا وجودية - مقالات

حضارة الأحلام، أريدها مزينة من الجوانب وعليها فيونكة!

بإحدى المواقع التي تعني وتهتم بالعقلانية وتنمية الفكر طرح أحد الزملاء الأفاضل فكرة عن ماذا ينقصنا نحن العرب لكي نحذو حذو الأمم الكبرى؟!فأورد بأننا نريد فلسفة كفلسفة سقراط وفكر أرسطو وإيجابية الحضارة الغربية وفلسفة الإسلام وروحه، وما ذكره هو فعلا ما نتمناه ونتطلع إليه، لكن تلك الفكرة تذكرني بقصة الشاب الذي له مواصفات لزوجة المستقبل ثم ذهب إلى حكيم بلدتة لكي يرشده إلى مطلبه فقال له الحكيم ما هي مواصفات الزوجة التي تتمناها؟
فأجاب الشاب: أريدها بيضاء حسناء ممشوقة القوام جمال “أفروديت” وروعة “نفرتيتي” وأخلاق “الزاهدات العابدات” ورحمة وحنان ” خديجة” وذكاء “عائشة”
فأجابة الحكيم: زوجتك موجودة لكنها ليست هنا بل في الجنة.
فالناظر إلى مسيرة التاريخ والحضارات والمدارس الفكرية الفلسفية يجد أن تلك الحضارة والفلسفات هي وليدة تجربة ذاتية خاصة بتلك المجتمعات والمدارس الفكرية فتمخضت عن ألم ومعاناة وتجربة فكرية امتدت لفترات طويلة حتى أنتجت وأينعت تلك الحضارات فكل حضارة لها ظروفها الخاصة بها وكل فلسفة لها نظرتها وكينونتها التي تتوافق وتتلاءم مع مجتمعاتها، فالدواء الذي يوصف لمريض ما قد لا ينجح مع آخر له نفس الأعراض.

فالمذاهب على تنوعها كالمذهب النفعي البراجماتي هو وليد النظرة المادية وطغيان النفعية ونسبية الأخلاق فكل سلوك له مردود نفعي هو مرغوب، وإن لم يؤدِ إلى نفع فهو منبوذ.

والحضارات على اختلاف مشاربها لا تشبه أحدها الأخرى وما أثبت جدواه مع الحضارة ما قد لا ينجح مع أخرى؛ فكما يقول أشبنجلر الفيلسوف الألماني  بأن الحضارات تشبه الكائن العضوي فكل حضارة لها طفولتها وشبابها وكهولتها فهي أطوار كأطوار الكائن الحي، ويوضح التباين بين كل حضارة والحضارات الأخرى فعلى سبيل المثال في جانب الفن نجد اهتمام الإغريق واليونان بالنحت والحضاره الإسلامية تهتم بالرسوم والخطوط العربية والحضارة الغربية بالرسم الزيتي ففي منحى واحد من مناحي الحضارة نجد التباين والاختلاف حتى داخل الدين الواحد والكلام مازال مع أشبنجلر نجد أن المسيحية الشرقية تختلف اختلافًا كبيرًا عن المسيحية الغربية.

مما سبق نستخلص ما نود أن نقوله بأن النمذجة والقوالب الجاهزة لن تجدي لاستخلاص الحضارة ذات فكر وذات كينونة تتطلع إلى مصاف الحضارات الكبرى، فلكي ننتج تلك الحضارة لا مفر من المعاناة والانصهار داخل بوتقة فكرنا وفلسفتنا الناشئة من داخلنا نحن والتي تتماشى مع ثقافتنا العربية ومع تقاليدنا وعاداتنا، والأمر يحتاج لوقفة مع النفس وتفاعل لكل القوى الموجودة على الساحة والتفاعل ليس مقصورًا على النُخب بل هو مسؤولية كل فرد فكلا منا يمكن بتتضافر الجهود أن يحدث فارقًا كبيرًا لمصلحة تلك الأمة التي وقف فكرها وتجمد عند القرن الرابع الهجري وتحتاج إلى من يوقظ المارد داخلها ولن يتأتى ذلك إلا من داخل ذواتنا فلنمحص الماضي لاستخلاص المسببات التي أوقفت مسيرة الحضارة العربية ونبدأ الانطلاق نحو العقلانية المرتبطة بالروح فكلاهما ضرورة  للنهضة المطلوبة فلا مادية مفرطة كالفلسفات المادية ولا روحانية منقطعة عن الواقع .

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

محمد سليم

عضو بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالإسكندرية

مقالات ذات صلة