إصداراتمقالات

حتى تكتمل الصورة…أي طابق أفضل ؟

حتى تكتمل الصورة…أي طابق أفضل ؟

كان فى الستين من عمره حينما كان يبحثٌ عن مكانٍ جديدٍ للإقامة حتى وصل إلى هذا العقار الذي تبدو عليه آثار الزمان جليةً ، أنه لازال محتفظاً بقدرته على البقاء صامداً أمام التحديات المقبلة .

دَخل و معه صاحب العقار يستفيضُ في وصف مميزات كل شقةٍ لديه قائلاً :

“هذه الموجودة في أول طابق ، تُطلُ على حديقةٍ ستمتلكها وحدك، بها كل ماتشتهيه النفس من فاكهة و خُضَر ، و علاوةً على ذلك فإنك ستكونُ جاراً لأجمَلِ إمرأةٍ في هذا الحي.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وأما تلك الموجودة في ثاني طابق  فإنها ضيقة المساحة ، إلا أن من كان يسكنها قبلك قد ترك فيها قبل وفاته مكتبةً بها مئات الكتب النادرة و غاليةً الثمن و أوصى بها لمن سيأتى بعده.

وهذه آخر شقةٍ في آخر طابق ، نصفها محكمُ البناء و نصفها الآخر لا شئ يحولُ بينه و بين السماء، لا أدرى حقاً لمَاذا لم يسكنها غير متصوفةٍ يقضون ليلهم في الصلاة و في الدعاء، إلا أنه لابد أن بها ما يأسرهم حقاً.

“اختر ما شِئتَ حسبما سيسعدك فعقاري هذا يناسِبُ جميع الأذواق”

نَظَرَ الرجل إلى صاحب العقار ثم قال:

” سيدى ، لقد قضيت ثلاثةً عقودٍ من حياتي أبحثٌ عن تلك السعادة التي تشير إليها ، كل عقدٍ منهم قضيته في طابق يشبه في ظروفه تلك الظروف التي وصفتها الآن، تنقلت في تلك الظروف الثلاثة بحثاً عن تلك السعادة الكاملة و لم أجدها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لا أُنكِر أننى استمتعت في كثيرٍ من الأحيان، إلا أنه كان ينقصني شئٌ في كل تجربة، فهناك فرق بين الحاجةِ و اللذةِ و السعادة

فالحاجة من خصائص الجسد وهي كل ما أن لم تفعله لن تستطيع البقاء فرداً كالطعام و الشراب ، أو مجتمعاً كالزواج، و الحاجة تختلف عن اللذة و السعادة في شيئين، أولهما أنها إن زادت عن مقدار حاجتك استحالت ضرراً، و ثانيهما أنها إن لم تخضع لتلك القوانين الإلهية فإنها ستتحول إلى لذةٍ في الظاهر و شقاءْ في الباطن.

وأما اللذة فهي من خصائص العقل و الروح، فلذةُ العقل في العلم والمعرفة ولذة الروح في القرب من خالقها و مناجاته، و اللذة في الأصل حاجة إلا أنك كلما استزدت منها ارتقيت و زادت متعتك، فلا ضرر من زيادتها مالم تكن حائلاً بينك و بين حاجات جسدك.

فحاجة العقل إلى المعرفة لا تقل عن حاجة الجسد إلى الطعام و الشراب، فالإنسان بلا معرفة كرجلٍ في جنةٍ مظلمة لا ينفذ إليها ضوء الشمس، لا يعلم أن ما حوله جنة ولا يعلم مكان المصباح الذي إن أضاءه اكتملت سعادته، فظن أنه في عذاب لا خروج منه مع أنه داخل الجنةِ بالفعل .

و حاجةُ النفس للقرب من بارِئِها هي حاجةُ الفطرة و الغاية، فالنفس تعلم أنه فاطِرها و أن إليه المنتهى.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كما أن الوفاء بحاجات العقل و الروح ثم الإستزادة منها يضع حاجات الجسد في حجمها الطبيعي ويحمي من الغرق فيها.

أما السعادة الحقيقة فتبدأ من معرفة حقيقة النفس، السعادة الحقيقة تكمن في الجمع بين استيفاء حاجات الجسد مع الإلتزام بالشرطين السابقين، وبين الإستزادة من حاجات العقل والروح.

سيدي، لستُ هنا لأشتري طابق واحد ، فقد قضيت عقدي الأخير أجمع المال لكي أشترى العقار كاملاً فعقارك لا يتجزأ.

 

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

عبد الله عامر

مهندس

باحث بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة