مقالات

الشيخة حسنية مضمونة مية في المية! وهم تضعه الإعلانات

إعلانات الوهم !

لم أصدق ما سمعته ورأيته حين شاهدت الوهم ممثلا في إعلانات التلفاز عن الشيخة الروحانية “أم حسنية” وقدراتها العجيبة على رد المطلقة وتيسير الزواج وعلاج الأمراض المستعصية، وجلب الرزق بل وترسيخ العزة والكرامة أيضا!

فضلا عن تخصصها في جلب وخطف عقل وروح وجسد الحبيب شرط أن تكون النية حلال، أي جلبه للخطوبة والزواج وليس للتهريج لا سمح الله! ولست أدري كيف تستدل على نية من يطلبونها؟

أم أن أثر قدراتها العجيبة لا يظهر إلا على ذوي النوايا الصالحة؟ فإذا لم ينخطف عقل وروح الحبيب فهذا دلالة إذن على فساد نية المتقدم لها بلا شك!

الإعلام يبيع الوهم !

ولم أتصور أن يصل بإعلامنا الحال للحد الذي يكون فيه منبرا لهؤلاء الذين يستغلون آلام الضعفاء وحاجاتهم ويتاجرون بأحلامهم البسيطة وآمالهم ويبيعونهم الوهم ويتربحون من وراء جهلهم وتعلقهم بأي أمل لحل مشكلاتهم.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

في الوقت الذي لابد للإعلام المخلص أن يلعب دور الدرع الواقي والحصن الحصين في مواجهة تجهيل الشعوب وتغييب وعيها وزرع الوهم فيها، فيمارس دوره المنوط به فعلا.

فالإعلام يتعامل مع الإنسان فردًا ومجتمعًا بأدوار متعددة، ووظائف شتى ووجوه مختلفة لكن لابد أن يشملها هدف واحد هو المساهمة في ترقي المجتمعات؛ فهو يلعب دورًا تربويًا يساهم في نشر الأخلاق الفاضلة والقيم السامية، ويسعى لتقديم نخبًا تمثل قدوات صالحة تعين الفرد في رحلته للتكامل.

ويلعب دورًا توعويًا يقدم العلم النافع بأساليب متنوعة تناسب كافة الأذواق وتخاطب الناس على قدر عقولها، وتارةً يكون تسويقيًا، يسوق فكرة أو أيدلوجية أو ثقافة معينة، أو منتج مادي يحمل دلالة خاصة على منتجيه.

ويلعب الإعلام أيضًا دورًا رقابيًا ويمثل حلقة اتصال بين الحكومات والشعوب؛ فيسمح للشعوب بمراقبة أداء الحكومات وقد يمثل ضغطًا كبيرًا إذا لوحظ انحراف ما.

سلاح فتّاك

ويشكل أيضًا وعيًا جمعيًا بأهداف الدول وغاياتها الكبرى ووسائلها لتحقيق تلك الغايات، ومن ثم يساهم في أن يبدو المجتمع كالجسد الواحد يضخ به الدم قلب واحد وتعمل أجهزته في تناغم وانسجام. وللإعلام أيضًا دور كبير في إيصال أصوات المستضعفين والمظلومين والمتضررين والمحرومين لمن يُمكنه تقديم المساعدة ومد يد العون؛ فهو قناة لاستغاثاتهم وطلبهم النجدة!

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كل هذه الأدوار وغيرها التي يقوم بها الإعلام جعلته سلاحًا قويًا قد يساهم في ترقي مجتمع أو انحطاطه، وقيام حضارات أو اندثارها، وانتصار أمم وثقافات أو هزيمتها بدوره الخطير في تشكيل الوعي الإنساني ومن ثم الحركة الإنسانية! لكننا ابتلينا بإعلام يسوق إلينا الجهل والظلام سوقا! ولسنا ندري أتشتكي مجتمعاتنا المسكينة من قلة عوامل التجهيل ودفع الناس للتواكل والاستسلام لنبتلي بمن يزيد الطين بلة؟!

تلك الأبواق الإعلامية الفاسدة كالأفعى التي تنشر سمها في أجساد المجتمعات؛ نحتاج للتحصن منه بالعقل والتفكير المنطقي الذي يُمكننا من التمييز بين الصواب والخطأ والحق والباطل فيهدينا في سبلنا ولا يتركنا ألعوبة لرأس مال الإعلامي يتلاعب بعقولنا وأحلامنا ويُشوه فطرتنا ويبيعنا الوهم.

و “أم حسنية” وغيرها من الذين يسمون أنفسهم –زورًا- روحانيين وينسبون لأنفسهم كرامات، ويدّعون انكشاف بعض الحقائق والمعارف لهم دون غيرهم؛ نقول هؤلاء ربما ينبهونا لضرورة التمييز بين  والمعرفة الصحيحة والمعارف الزائفة، وأهمية استخدام التفكير المنطقي والعقلاني في تمييز الحق من الزيف والوهم.

بين العقل و الوهم

فقد ادّعى الكثيرون انكشاف أنوار حقائق معينة في قلوبهم دون دليل، وقصروا المعرفة الإنسانية وطريقة الوصول للحقيقة على هذا الطريق، وهمَّشوا العقل وموازينه أو أنكروه تماما.

وفي الحقيقة لا يوجد مانع عقلي من إمكانية تمتع بعض الصالحين بكرامات ومقامات عالية، وبإمكانية وصولهم لبعض المعارف بطريقة غير تقليدية؛ مثل الإلهامات والرؤى والكشوفات. وقد اشتهر بعض أهل الصلاح والتقوى بمثل ذلك، بحسب ما يظهر من سيرهم، مع كونهم قدوة في الترفع عن ملذات الدنيا والزهد فيها، والانصراف للآخرة والتطلع نحو السماء.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لكن أيضًا ادَّعى آخرون مثل ذلك كذبا وبهتانا كما سبق، ولو قصرنا المعرفة على هذه الطريقة وأهملنا العقل؛ لأدى ذلك لغياب الميزان الموضوعي الذي يتم به التفرقة بين الصواب والخطأ، فكيف يمكنني التأكد من صدق إلهام معين وما ينبئني به؟ وكيف يمكنني أن أبني رؤيتي لحياتي وللكون وخالقه على منام مثلا؟ وماذا لو تعارض المنام أو الكشف مع حكم عقلي أو شرعي؟

بل أكثر من ذلك؛ فكل الأديان التي تعترف بإله مجرد متعالي؛ يتواجد بها اتجاه يعترف بوجود هذا النوع من المعرفة القلبية غير التقليدية، فأي دين وأي اتجاه منهم هو الصحيح؟!

التحصّن بالعقل

فادعاء الكرامات الغيبية وبخاصة المحصورة في الشخص نفسه مثل الرؤى والمنامات أدى للأسف عند تغييب الميزان الموضوعي –وهو العقل- إلى انتشار الشعوذة والدجل والدروشة، وتم نسب ذلك لها، حتى صارت “أم حسنية” شيخة روحانية! وصار تحكيم الهوى والشهوات واستغلال احتياجات المستضعفين وترك التمسك بالشرائع هو طريق القلب! خلافا لأهل الزهد الحقيقي الذين يقولون بالترفع عن ملذات الدنيا والزهد فيها ومجاهدة النفس للتخلص من الرذائل النفسانية والعطف على الضعفاء، ويا سبحان الله!

إن انتشار الجهل وغياب الوعي والمعرفة لا حل له إلا العلم والتحصّن بالعقل والتفكير المنطقي الذي يبني صرح المعرفة على أساس سليم ومتين يكفل للإنسان الوصول للحقيقة ويقيه التخبط والتيه والوهم  ويحميه من تلاعب الأشرار به وبأحلامه!

اقرأ أيضا:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 لُب الزيتونة .. البحث عن السبب الجذري أفضل من معالجة الآثار الناتجة عنه

أخلاقيات العمل .. كيف ننمي الأخلاق داخل بيئة العمل!؟

هاري بوتر والجمل الطيب .. تأثير الإعلام والأضرار التي يقدمها لأطفالنا الصغار

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

داليا السيد

طبيبة بشرية

كاتبة حرة

باحثة في مجال التنمية العقلية والاستغراب بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

حاصلة على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

مقالات ذات صلة