مقالات

ثم ماذا بعد؟ – الجزء الثاني

عن البيئة والسياسة

هل يكفي نُبل الهدف فقط؟ أم هل يجب أن يكون الساعون إليه على نفس القدر من النُبل؟ إذ للإنسان قدرة مدهشة على تسخير حتى الأهداف النبيلة لغايات مصلحية بحتة، إذ أصبحت مسألة الاهتمام بالبيئة تخضع للحسابات السياسية للدول والفوائد أو الأضرار قصيرة المدى التي قد تعود عليهم، كتوقيع اتفاقيات تصدير معدات معينة أو الدعاية الانتخابية أو العقوبات وغيرها.

فهل تضررت البيئة نتيجة العلاقات السياسية بين الدول؟ هذا ما سنوضحه في السطور التالية.

ابحث عن الاقتصاد

بناءً على اتفاقية كيوتو للتغير المناخي الموقعة عام 1997 باليابان تم تحديد الفترة الزمنية بين عامي 2008 و2012 لخفض انبعاثات الغازات المُسببة للاحتباس الحرارى مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروجين، مع تأجيل دول نامية ذات اقتصاد صناعي صاعد (مثل الصين والهند) لالتزاماتها بشان تخفيض الانبعاثات لفترةٍ أكبر،

وذلك لعدم امتلاكها للتكنولجيا أو التمويل الكافي حينها، هنا قامت الولايات المتحدة بالاعتراض على هذا التأجيل لحدوث ضرر على الاقتصاد الأمريكي، إذ أن خفض الانبعاثات يعني تقليل عدد معين من خطوط الإنتاج مع استخدام تقنيات تنقية دخان المصانع وإعادة التدوير بما يرفع تكلفة المنتج النهائي ويقلل من قدرة المواطن الأمريكي على شرائه،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مما يؤدي إلى قلة الطلب فينكمش الاقتصاد، بينما العكس تمامًا يحدث بالنسبة للدول غير الملتزمة بشروط الحفاظ على البيئة، لكن قام الرئيس الأمريكي حينها بوش الابن بتقديم حل وسط يتمثل في زيادة دعم البحوث العلمية في المجال البيئي وتشجيع رجال الأعمال والمستثمرين لاستخدام طرق إنتاج صديقة للبيئة من خلال تقديم حوافز ضريبية.

إلقاء التهم

تحول الاهتمام بقضايا المناخ والبيئة لما يُشبه الهوس، فنرى أن بعض الأحزاب المهتمة بالبيئة تقوم بتضخيم مشكلات التلوث لحشد مزيد من الدعم _بما يعني مزيدا من الأصوات الانتخابية بالطبع، وكذلك قيام السياسيين بتركيز اهتمامهم على الوقود الحفري كالبترول والفحم وإبراز دورهم في تلويث البيئة _الذي لا شك فيه_ لصالح شركات إنتاج مصادر الطاقة البديلة، مثل الخلايا الشمسية وطاقة الرياح حتى وصل الأمر إلى اتهام بعض العلماء الداعين لعدم المبالغة بشأن التغير المناخي بأنهم يعملون لحساب أصحاب المصانع.

اضغط ثم اضغط

في عام 2004 تم قـبول طلب روسيا للانضمام لمنظمة التجارة العالمية وبداية التعاون التجاري خاصة مع دول الاتحاد الأوروبي بعد توقيعها على بروتوكول كيوتو للبيئة، مما يعد مثالًا واضحًا على استخدام ورقة حماية البيئة كأداة للضغط والإخضاع وفقًا لدكتور/ حمدي هاشم الخبير في العمران البيئي.

بصفة عامة فإن الدول الصناعية تحاول بكل السبل التقليل من الأثر السلبي للصناعة بأشكالها المختلفة على البيئة، مع إلصاق التهمة بالنفط والبتروكيماويات للحفاظ على سوق رائجة لصناعاتها، وكذلك تقليل الطلب على النفط بما يؤدي إلى خفض سعره، وهذا أيضًا في مصلحة الدول الصناعية التي تعتمد على النفط كمصدر طاقة لمصانعها.

أعذار.. أعذار

أغلب انبعاثات الكربون وغيره من غازات الاحتباس الحراري سببتها الدول الصناعية الكبرى وليس الدول النامية منذ الثورة الصناعية، وهي _أي الدول الصناعية_ بعد أن وصلت لما وصلت إليه الآن من تقدم على كل المستويات أصبحت لديها الرفاهية للنظر بعين الاعتبار لقضية التغير المناخي، فهي معنية بنهاية العالم بينما الدول النامية معنية بتوفير ما يكفي من الرواتب لمواطنيها كي يستطيعوا الحياة ولو في حدها الأدنى،

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كذلك فإن مطالبة الدول المتقدمة للنامية باتباع المعايير البيئية يعني رفع تكلفة منتجاتها بسبب تغيير الماكينات القديمة الملوثة للبيئة لأخرى أقل تلويثًا _تشتريها من الدول المتقدمة نفسها، مما يؤدي لانكماش اقتصاديات الدول النامية مع تقوية اقتصاد الدول المتقدمة نتيجة بيع المنتجات والمعدات الصديقة للبيئة، بمعنى آخر أن يظل الغني غنيا والفقير فقيرا، كما أن هذا لا يتفق مع المسؤولية الأخلاقية للدول المتقدمة المسببة للتلوث أصلًا.

إضافة لما سبق فإن من أسباب صعوبة التوصل لاتفاق هو نظام مؤتمرات المناخ نفسها التي تعتمد على التفاوض بين 196 دولة، وهذا عدد كبير ويوجد بين هذه الدول بالطبع تضارب للمصالح يحسم بواسطة نفوذ الدول الكبرى، التي تقوم بتمرير أجندة خاصة _لمصلحتها بالطبع_ في شيء من الوصاية على الفقراء.

خاتمة

لا شك أن التغير المناخي حقيقة واقعة _دون تهويل أو تهوين_ وأيضًا فإن الفقراء وحدهم من يدفعون الثمن، إما لعدم قدرتهم على مواجهة التغيرات المناخية أو لعدم قدرتهم على استخدام وسائل معيشة صديقة للبيئة من الأساس، أيضًا فإن محاولة إحداث التوازن بين متطلبات حماية البيئة والنمو الاقتصادي هو أمر جيد، إذ بحسابات الواقع لا يمكن تجاهل أحدهما لحساب الآخر،

لكن ذلك يجب أن يكون على المدى المتوسط (خلال 5 سنوات مثلًا) لحين استحداث تكنولوجيا ما _محلياً_ تحقق الهدفين معًا، بناءً عليه فمن الممكن أن تتعاون الدول ذات المستوى الاقتصادي المتقارب في استحداث نظم للحفاظ على البيئة بما يتلاءم معهم ووفق آليات يُتفق عليها بينهم وبما يحقق مصالح جميع الأطراف.

المصادر

  • https://www.scientificamerican.com
  • التغير المناخي من العلم إلى دهاليز السياسة (تقرير خاص- مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية).
  • قناه (نعرف) للصحفي/ سيد جبيل على اليوتيوب.
  • أحمد قنديل- مسؤوليات مشتركة: تطلعات الدول النامية لمواجهة تغيرات المناخ. جريدة الأهرام 2015.

اقرأ أيضاً:

الجزء الأول من المقال

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الحضارة الإيكلوجية

التغير المناخي قادم

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

محمد طنطاوي

مدرس كيمياء الأراضي كلية الزراعة جامعة الأزهر أسيوط

 

مقالات ذات صلة