مقالات

تجديد الخطاب الفكري – الجزء الثالث

نتحدث في هذا المقال عن المنهج المعرفي السليم باعتباره هو الأساس في تحديد المنهج المعرفي السليم والبداية الحقيقية لتجديد النمط الفكري وتحديد الأولويات ورصد مواطن الخلل في الخطاب الفكري السائد منطلقين لتكوين خطاب فكري واقعي يكون المقدمة المنطقية والحقيقية لرصد المشكلات سواء الاجتماعية منها أو الثقافية كما أشرنا لذلك في المقال السابق.

ونجد هنا من المفيد عرض المناهج المعرفية السائدة وبيان منطلقات كل منهج وموقعه الواقعي في المنهج المعرفي الذي سنتوصل إلى قدرته على تجديد الخطاب الفكري، معتمدين على ابراز الأداة الحاكمة لكل منهج من تلك المناهج وطريقة تحصيلها للمعرفة ورؤيتها للعقل وباقي أدوات الأدراك الأخرى موضحين مدى صحة كل منهج ومواطن الخلل فيه ودورة الحقيقي في المنهج المعرفي السليم.

المنهج التجريبي المادي

هو المنهج المعتمد على التجربة الحسية كأداة وحيدة فى كشف الواقع ومعرفة الظواهر الكونية، مع إقصاء واستبعاد كل مالا يمكن مشاهدته أو إخضاعه للتجربة..

الحس: هو الإدراك الأول والمباشر للموجودات المادية، ويتم بالحواس الخمسة التى تشترك جميعًا في كونها لا تدرك إلا الكيفيات المادية (الكيف المحسوس)، بحيث لا تدرك الأشياء التي لا كيفيات مادية لها، من قبيل الكيفيات النفسانية، كالحزن والفرح.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وتكمن ملامح هذا المنهج التجريبي في التجربة وهي عبارة عن تكرار المشاهدة لجزئيات متماثلة، تحت ظروف مختلفة، لمعرفة كون هذا الأثر ثابتا لموضوعه على نحو التلازم أو الاقتضاء أو ليس بثابت.

هذا النمط الفكري للمنهج المادي جعل له حدود لا يمكن تخطيها حيث  لا يمكن للقياس القائم على المنهج التجريبي أن يتخطى حدود المحسوسات، وإنّما يجري في المحسوسات فقط، ولا يصح إعمالها في كشف ما وراء الطبيعة، بل إنّ التجريبيين لا يمكنهم الوصول بواسطة التجربة إلى كشف حقيقة الطبيعة نفسها، وإنّما يعرفون بها ظواهر الطبيعة فقط، المعبر عنها بـ (الكيفيات المحسوسة) المنعكسة على الحواس الخمس

لذلك انطلق التجريبيون من استنباط حدود الحس والتجربة الخاصة بإدراك العالم المادي فقط، إلى تعميمها على حدود المعرفة ذاتها، فأنكروا وجود عالم ما وراء المادة أو الطبيعة من مبتدأ حكرهم مراتب الإدراك على الإدراك الحسي دون العقلي، والمعرفة على التجربة دون العقل أو باقي الأدوات المعرفية وهذا يعد خطأ واضح وصريح لهذا المنهج التجريبي سنوضحه لاحقا كنقد لهذا المنهج

اما بخصوص نظرتهم للعقل وباقي أدوات المعرفة الأخرى *جعل التجريبيون عقولهم فى حواسهم فضيقوا أفق العقل ووضعوا حدودا مادية لفساحته، وأسموا نفسهم بالعقلانيين أو الواقعيين وأطلقوا على الفلاسفة الإلهيين لقب ” المثاليين ” ظنا منهم بابتعاد الإلهيين عن العقل وهو المشار إليه بالعقل التجريبي .حيث  اعتمدوا على المنهج الاستقرائي المعتمد على التجربة فى كشف الواقع وأهملوا المنهج القياسي المعتمد على البرهان العقلي.

بعد ذلك الرصد يجب أن نحدد أولا مواطن الخلل في هذا المنهج التجريبي من جهة وأيضا مواطن القوة والاحتياج إلية بقدرته الواقعية في منهجنا المجدد للخطاب الفكري.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

نوجه النقد هنا لهذا المنهج

إن التجربة لم تأخذ منطلقها العلمى ومشروعيتها المنطقية سوى من البديهيات العقلية الضرورية،فمثلا: فعندما يضع الباحث مادة كيميائية علي مادة ما ويحدث ذلك دخانا أو فورانا  أو أي أمر ما، سرعان ما يبحث المجرب عن  أسباب صعود الدخان عملا  بمبدأ أصل العلية.

ومثلا:  لو أحضر الباحث ورقتى عباد شمس وأراد  أن يكشف عن سوائل معينة أيها قلوي وأيها حامضي.. فإذا ازرقت الورقة (أي أن السائل هذا قلوي) لا يمكن أن يكون حامضيا في نفس الوقت عملا  بمبدأ عدم اجتماع النقيضين

هذه البديهيات العقلية هى غير محسوسة وينطلق منها الباحث للاستدلال على حقائق مادية، لذلك فلاعجب من استخدام تلك المنطلقات ” والتى ثبت نجاح قيام التجارب على أساسها ” فى البرهان العقلى المدرك لماوراء الطبيعة والمحسوسات

لذلك فإنكار التجربة لدور العقل فى إدراك الماورائيات لايقع فلا يحيط الجزء بالكل، فالأولى أن يحدث العكس فيضع العقل حدودا للتجربة وينكر تعديها، فالعقل لا يسمح بأي وجه للتجربة الحسية التي اكتسبت مشروعيتها وحجيتها العلمية منه،

أن تتعدى حدودها إلى عالم ما وراء الطبيعة أو تستنتج أحكامًا حسية وهمية مخالفة لأحكامه العقلية القطعية، كما يفعل ذلك بعض التجريبيين الغربيين المصابين بالغرور العلمي عندما يبحثون عن بداية نشأة الكون ونهايته بالتجربة الحسية

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اما حاجتنا له في إطار قدرته الواقعية التي لا تستطيع أداة معرفية أخرى أن تحل محله

إن العقل قاصر بنفسه عن الحكم على العوارض المادية المحسوسة في هذا العالم المادي بدون الاستعانة بالتجربة الحسية، ولذا قال أرسطو: (من فقد حسًّا فقد فقد علمًّا)،ومن هنا صارت التجربة الحسية من مبادئ البرهان العقلي، ولكن في الأطر المادية لا غير، وذلك في علم الطبيعيات.

اقرأ أيضاً:

الجزء الأول من المقال

الجزء الثاني من المقال

في نقد المادية الراديكالية

*****************

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

مقالات ذات صلة