إصداراتمقالات

بحبه يا ماما

بحبه يا ماما

حبّيته من أول نظرة يا ماما ! أعمل إيه في نفسي! هو الحب كده بيدق على قلوبنا فجأة!” “لو شفتم حلاوة عينيه!”

يبدو أنّنا نشأنا في وسط ثقافة مجتمعية بل وعالمية تعتقد بأنّ الحب يأتي فجأة دون علل منطقية، وأنّه مرتبط أكثر بالأهواء، وبالإعجاب من النظرة الأولى، يتحرك في اللاوعي بعيدا عن قيود الوعي الصارمة، مما يرسخ فينا أنّا عبيد أهوائنا.

كما يتم تقديم الحب أيضًا بشكل يتمركز بالكامل حول الشهوة والجسد، ويجعلهما مركز العلاقات الإنسانية بل والحياة بأكملها. فالحب أصبح مرادفًا إما للهوى والإعجاب اللحظي، أو للشهوة والالتذاذ الجسدي

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فالمشهد التخيلي في أول المقال( بحبه يا ماما  ) والذي يمكن أن تجد مثله بسهولة في “سيناريو” أي عمل “فني” محلي؛ يتم تقديم آخر شبيه به في السينما الغربية مع تركيز أكثر على الجسد ربما. صحيح إنّ القبول والإعجاب المتبادل قد يكون عاملًا مهمًا في العلاقات خاصةً بين الجنسين، لكنه ليس العامل الأهم، كما أن الجسد لا يجب أن يكون هو الأساس

ففي الحقيقة هناك نظرة أخرى أكثر منطقيّة وواقعيّة؛ تنظر للإنسان بكل أبعاده دون اختزاله في مجرد جسدٍ أو هوى. فتضع العقل في موضعه الحقيقي، وتنظر له باعتباره أسمى ما في الإنسان، وله السلطة على كل ما دونه. فهو موضع خيرية الإنسان ومحل التكليف، وموضع الاختيار والإرادة. هذه النظرة ينتج عنها نوعٌ آخر من الحب أقل شهرةً في واقعنا الحالي، لكنه أكثر جمالًا ورقيًا، وأعظم في النتائج.

هذا النوع من الحب الراقي أو الحب الحقيقي يمرّ بعدّة خطوات، فيبدأ بأن نعرف الحق ونعرف الفضيلة، فنعرف أهل الحق وأهل الفضيلة، وبالتالي ما ومن يستحق الحب. وينتج عن هذه المعرفة نوع أرقى من اللذة والقبول والإعجاب والراحة النفسية.

لكن هذه المعرفة العقلية وحدها غير كافية، ولا تقوم عليها العلاقات الإنسانية، بل لا بدّ من فعل، أي لا بدّ للعقل أن يسيطر على مملكة الجسد بتوسّط القلب.

وتوسط القلب معناه إيمانه وتسليمه لما توصل له العقل من حق، وينتج عن ذلك أن يبذل الإنسان بالإرادة أفعال الحب من اهتمام وتضحية والتزام وقول وفعل وصبر وعطاء، فالفعل الإنساني السليم -وبخاصة في العلاقات الإنسانية-يحتاج إلى قدرٍ عال من مجاهدة النفس والتحلي بالأخلاق النفيسة. والزيجات التي لا يتمتّع طرفاها بالقدر الكافي من هذه الأخلاق والتضحيات هي الأسرع فشلا، أو الأكثر تعاسة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ونتيجة لهذا الفعل الإنساني الراقي من بذل وتضحية؛ تحضر في القلب مشاعر الحب في أسمى وأرقى صورها. وهي مشاعر أخرى غير المشاعر المؤقتة أو المحدودة الناتجة عن الشهوة أو اللذة أو الإعجاب اللحظي أو المتقلبة بتقلب الهوى. أي أن “الحب العقلي” الذي تبعه “التسليم القلبي” ثم “الحب الفعل”؛ أثمروا في النهاية عن “الحب العاطفة والمشاعر” في أسمى وأعذب صوره

إننا بالفطرة نحب ونعشق كل جميل، وكل كمال هو جميل ويستحق الحب. لكن تشخيص هذا الكمال وهذا الجمال يختلف باختلاف الأداة المستخدمة في الحكم، وذلك لتعدد القوى الإنسانية. فالحكم العقلي مثلا يحكم بأن الجمال والكمال الحقيقي مرتبط بالروح والعقل والخلق، ويضع جمال الجسد في مرتبة أقل. فيحب أهل الفضيلة والأخلاق والكمالات النفسية، فنجد هذا الحب مجردا عن الزمان والمكان والمادة، لا يتغير بتغيرهم ولا يتأثر بهم. وهذا الحب وهذا الكمال الحقيقي مستمر وخالد، وكلما استزدت منه ارتقيت وتكاملت. وهو حب ينفع صاحبه في الآخرة كما ينفعه في الدنيا

بينما اللذة الجسدية والجمال المادي -اللذان تشخصهما الشهوة والحس-هما من نوع الكمالات الوهمية المحدودة بالزمان والمكان والمادة، العابرة جدا والضيقة بحقّ. وبرغم أهميتهما للجسد ولبقاء النوع الإنساني؛ إلا أن ترك العنان لهما يهبط بالإنسان إلى أسفل سافلين، ويجعله في مرتبة الحيوان

إنّ “هوليوود” تصمم على إخبارنا بالعكس، لكن “ستيفن آر. كوفي” يؤكد على الجزء الثاني من المعادلة؛ وهو الإرادة التي تترتب عليها المشاعر، أي بذل التضحيات الذي يؤدي لمشاعر الحب.

بينما تراثنا الإسلامي يضرب المثل للشطر الأول والأرقى والفوقي من المعادلة؛ وهو الخضوع الكامل للعقل، وألا نحب إلا الحقّ ومستحقي الحب. فالعقل يحكم بأن الكمال المطلق لله وحده، وهو وحده مستحق الحب بالذات، وكل حب لغيره يجب أن يكون امتدادًا لحبه، وإلا كان وهمًا. وبالتالي يحب العقل كل من يربطه بهذا الكمال المطلق؛ فيحب الأنبياء والصالحين، ويحب شريك الحياة الذي يسمو به ويربطه بالله، ويساعده على تنفيذ أوامره، ويقربه منه، والذي يتحلى بالكمالات الأخلاقية الحقيقية التي يحبها الله

اضغط على الاعلان لو أعجبك

“وهو ده الحب الحقيقي.”

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

 

 

اضغط على الاعلان لو أعجبك

 

أحمد عزت هلال

د. أحمد عزت

طبيب بشري

كاتب حر

له عدة مقالات في الصحف

باحث في مجال الفلسفة ومباني الفكر بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

صدر له كتاب: فك التشابك بين العقل والنص الديني “نظرة في منهج ابن رشد”

حاصل على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

حاصل على دورة في الفلسفة القديمة جامعة بنسفاليا

مقالات ذات صلة