مقالات

الحق يقال، لم أعد أرى الكثير من الحق ليقال

“الحق هدم الهدم”

عندما سمعت بهذه المقولة أول مرة وأنا في المرحلة الثانوية، لم يستوعبها عقلي؛ فطالما تلازم البناء مع الحق ولا يجتمع معه الهدم، فكيف يصبح الهدم حقًّا؟! ليشرح لي أستاذي معناها  قائلا: كل باطل يُهدم هو تشييد للحق، وكل قبيح يترك لهو حق، وكل زائف يزال فقد استبدل بحق، وكل خطأ يتم معرفته وتصحيحه هو بداية طريق الحق، فأدركت معنى المقولة جيدا، وحفرت كلماتها بين ثنايا عقلي، لأبصر واقعي بعد ذلك لأرى أنه تعددت به الأفعال الباطلة، والأقوال الخاطئة، والرؤى المضللة، والصور الزائفة، وكثر به كل ما هو هدم!

طالب لم يطلب الحق

فالطالب هدفه هو الحصول على أعلى الدرجات في الامتحان وهذا ليس باطلا، لكن الباطل أنه لا يسعى لتحقيق ذلك بالاجتهاد والمثابرة، بل يحقق ذلك بطريقة غير مشروعة كالغش مثلا، ليصبح هدفه هو اكتساب نظرة الفخر من أبويه، والتقدير في عيون الآخرين، وليس ليكون نجاحه وسيلة للمساهمة في بناء مجتمعه.

أب يسرق لغرض شريف

وأب يعمل ليل نهار، ويتفانى في توفير كل ما تتمناه أسرته من متطلبات مادية ورفاهيات، ليوفر لهم المكانة الاجتماعية المرموقة وسط مجتمعهم، فكلما ارتقَ مستوى المعيشة كلما زاد الفخر والإعجاب من الآخرين، وقد يغفل أثناء ذلك عن إشباع الجانب الروحي والأخلاقي والوجداني لدى أبنائه، فذلك باطل أيضا لا بد من هدمه.

وموظف يسعى للترقية بأي شكل كان وإن كان سبيله في تحقيق ذلك إلحاق الضرر بزملائه؛ ليكون هو الأفضل والمستحق للترقية، وطبيب كل ما يهمه الربح من مرضاه بدلا من شفائهم، ومعلم صار التعليم لديه مجرد تجارة، فالمال هو المحرك الوحيد له، وغيرها من الأمثلة المنتشرة في مجتمعنا، التي تفقده تماسكه وتقدمه ورقيه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إندثر الحق، فكيف صار الحال؟

وكانت النتيجة قيمًا اندثرت، ومعايير مختلة غير واقعية وغير عادلة، أخلاق تم محوها، وضمائر باتت في سبات عميق وأصبحت إفاقتها أمرًا مشكوكًا فيه، ورؤى سطحية للأشخاص فيتم التصنيف طبقا لمظهرهم ودرجاتهم العلمية ووظائفهم، بغض للنظر عن أخلاقهم وأفكارهم وسلوكياتهم.

والسبب في ذلك هو فقداننا لميزان عادل نحكم به، ومعيار حقيقي يحركنا، فعندما يكون وجهتنا الاجتماعية ومظهرنا أمام الآخرين هما الأساس لكل أفعالنا وسلوكياتنا، يكون الوقوع في الخطأ أمرًا يسيرًا؛ فالمظهر مجرد قشرة ضعيفة لا تكشف عن باطنها، وبريق تلك القشرة لا يعني بالضرورة بريق الجوهر، وعندئذ يكون الحكم من خلال المظهر غير منصف.

ولكي نقي أنفسنا من الزلل، ينبغي أن يكون ميزاننا محققًا للعدل، وعاصمًا من الوقوع في الخطأ، وليس هناك أفضل من ميزان العقل والمنطق، فالعقل قادر على التفريق بين ما هو حقيقي وما هو مزيف، وما هو حقيقي وما هو باطل، وبين الجوهر الثمين والجوهر الفقير، بناءً على بديهياته العقلية وقواعده المنطقية، فعند اتباع طريق العقل للمعرفة والحكم ويصبح هو المحرك للسلوكيات وبه ميزان الأفعال ويكون المنهج العقلي هو منبع الرؤى والأفكار، حينها يمحى الباطل ويسود الحق، ونصل لغايتنا النبيلة ألا وهي تحقيق العدل سواء على مستوى الأفراد أو مستوى المجتمعات، لذلك بالعقل يهدم الهدم!

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مى محمود

عضوة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة