مقالاتفن وأدب - مقالات

اوعى تعيش بشوقك .. الأغنية المدمرة

بعد سماعي لكلمات تلك الأغنية التي تحث الشخص على مواجهة مشاكل الحياة المادية بشكل يظن المطرب أنه الأنسب لإيجاد الحلول المناسبة، تذكرت إحدى الإحصائيات التي تقول بأن بعض الدول التي يعيش معظم أفرادها في حاله ميسورة مادياً بل وتصل أحياناً للثراء والرفاهية بموازين العالم المادية حالياً، لكن برغم هذا فهي لديها أكبر نسب انتحار في العالم مثل السويد اواليابان

فمن الواضح أن الحل ليس في الحالة المادية الميسورة،ولكن على كلٍ دعونا نكمل مقاطع الأغنية :

في مقدمة الأغنية يقول المطرب “لومن تقل الهم عليك فاض بيك… لوليك أي لازمة ماتشتكيش واسمع نصايحي”

فخلال سير الأغنية يقدم المطرب نظرته لما يجب أن تكون عليه الحلول لهذه المشكلة، فدعونا نقيم هذه النصائح على ميزان العقل والمنطق…

اضغط على الاعلان لو أعجبك

المنطق والتصور السليم:

في المنطق عندما نريد الحكم على أي شيء يجب أولاً أن نتصوره تصوراً صحيحاً ثم نعطي مفهوماً واضحاً عنه حتى لا نحكم عن جهل، فهل حقاً المشكلة في الحاله المادية غير الميسورة؟ يمكن توضيح هذه الصورة إذا جاوبنا على سؤال:

هل المال غاية أم وسيلة؟

غاية أم وسيلة

لقد جعلت الأموال لكي تكون وسيلة لشراء متطلبات الجسد المادية مثل المأكل والملبس؛إذاً ليست الأموال غاية الإنسان بل هي وسيلة،وبالمثل ليست الملابس والمساكن والفنادق غاية فهي أيضاً جعلت لتحفظ حياة الإنسان من الخطر أوالموت،

ومن هذا كله نستنتج أن هذه الكماليات الجسدية ليست غاية وإنما وسيلة لتحقيق غاية،وإذا كانت رؤيتي عن هذه الأشياء أنها غاية ستكون تصرفاتيأن أحصل علىأكبر كم منها لتحقيق السعادة وبفقدها سأكون في حالة يرثى لها من الحزن والاكتئاب لأني فقدت سبيلي للسعادة ولهذا غياب الغاية وعدم التفرقة بين الغاية والوسيلة يضع الإنسان على بداية طريق الانحدار والتيه ويصبح معرضاً للمشاكل النفسية ولعقبات السعادة الحقيقة.

الماديات والروحانيات والبحث عن السعادة

فالمشكلة حقاً تبعاً للمنطق هي التعلق بالماديات فعندما نتصور المادة تصوراً صحيحاً نرى أنها غير ثابتة وتتغير من حال إلى حال، إنها لمشكلةأن أربط سعادتي بشيء متغير وزائل، لكن السعادة الحقيقية والدائمة والتي تجعل الإنسان مطمئناهي التعلق بالمعاني والقيم النبيلةوتحصيل المعارف والتخلق بالفضائل.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ثم يكمل المطرب فيقول “لوانت مفلس خالص ومحيلتكش جنيه…  قول على الجزمة الباته اللي انت لابسها انها سينيه…

مثل على الدنيا في عز الفقر ان انت سعادة البيه”

وإذا كانت هذه هي الحلول لمشاكل المادة أن أوهم نفسي بأني غني وأملك من المال الكثير ولا أفكر أن يكون هذا دليلاً على احتياجي للمال لـ أمور ضرورية، فوهم النفس لا يغير من الأمر شيئاً؛ فالتعمق في الخيال والبعد عن الواقع يجعل الإنسان بعيداً عن معرفة الخلل الحقيقي وأسباب المشكلة الواقعية.

إنه وهم وليس قناعة

فالسعادة وراحة البال حقاً ليست في أوهام النفس بأنها تمتلك المال والمظهر الجيد تحت مسمى القناعة؛

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فالقناعة بحق هي أن تحدد احتياجاتك الحقيقية التي تستحقها وترضى بها ولا تتطلع إلى ما فوق ذلك.

وينظّر كاتب الأغنية أيضاً على أنه من سبل تحقيق السعادة الوهمية فيقول “اصرف كل اللي في جيبك… دلع نفسك عيش صريف”

فحساب الضرر والخسائر واحتمالات الاحتياج المادي فيما بعد هونتاج تفكير كل عاقل واقعي وليس إنفاق كل ما أملك في سبيل تحقيق السعادة دون تعقل!

هل الإحساس وحده كافٍ ليكون دليلاً؟

وفي إحدى المقاطع يقول المطرب “إحساسك قالك حاجه امشي ورا إحساسك صادق”

اضغط على الاعلان لو أعجبك

فهل يمكن للإحساس والمشاعر أن تقود الإنسان ويبني عليها أفكارهومبادئه؟ هل تعطي تصوراًفعلياً عن الواقع؟

كل هذه الأسئلة يجب على الإنسان العاقل أن يسألها ويجيب عليها قبل أن يولي مشاعره زمام الأمور،ولتبيين هذا الأمر نقول بأن المشاعر والأحاسيس خلقت في الإنسان لتدفعه إلى الحركة نحوما عقد عليه العقل بصحتهوهي ليست معنية بمعرفة ما إذا كان هذا حق أم باطل، حسن أم قبيح،ولهذا فهي تحتاج لهدي العقل والمنطق.

إذاً فالاهتمام الأول يكون للعقلانية والمنطقية في التفكير، ثم تأتي بعد ذلك المشاعر لتقوم بدورها فلا يمكن أن نعطي الأهمية الأولى للإحساس والمشاعر فتتكون عليها رؤيتي للحياة ثم ما ينبغي أن يكون عليه طريقي لأصطدم بعد ذلك بمشاكل الواقع لعدم تصوري له تصوراً صحيحاً ناتجاً عن اتباعي لإحساسي.

وفي نهاية الأغنية يقول المطرب بأن راحة البال والسعادة لها أصول ومبادئ.

فإذا كانت للسعادة وراحة البال مبادئ حقا -وهي كذلك فعلاً- فيجب أن نعلم بأنها ليست في التعلق بالماديات والبعد عن الروحانيات أو إقناع النفس بالوهم والبعد عن أصل المشكلة أو أن طريق السعادة يكمن وراء إحساسي وما يهواه شوقي ونفسي،

بل حقاً تكون أصول السعادة بتكوين رؤية سليمة عن حقيقة السعادة ومعرفة الغاية من وجودنا وبما ينبغي أن تكون عليه حياتنا ومعرفة أن حقيقة وماهية الإنسان أنه ليس جسداً فقط بل لديه روح، وأن غذاء الروح هوالمعرفة والأخلاق التي تحقق له السعادة المعنوية الحقيقية وليست لذة مادية زائلة

ثم باتباع العقل والمنطق لتكوين أفكار ومبادئ سليمة وندع حينها المشاعر تنطلق ضمن نطاق العقل وهنا يتحقق الكمال الحقيقي للإنسان.

اقرأ أيضاً:

الكوميديا ودورها في الغزو الثقافي

من ” أحلم معايا ” لـ ” داري يا قلبي ” .. لماذا لم يحبنا العالم ؟

 ذئاب الجبل.. هل المسلسلات القديمة فقط هي من تدعو للحكمة و القيم الفاضلة؟

مصطفى إسماعيل

عضو بفريق بالعقل نبدأ القاهرة

مقالات ذات صلة