علم نفس وأخلاق - مقالاتمقالات

مفهوم التسامح وفاروق جويدة

عقدت مكتبة الإسكندرية مؤتمرًا دوليًا حول التسامح وقبول الآخر خلال الفترة من 22 إلى 24 نوفمبر 2022م، تحت رعاية الأزهر الشريف والكاتدرائية المصرية، والاتحاد الدولي للمؤرخين وآخرين. حضر المؤتمر لفيف وكوكبة من المهتمين بهذا الأمر، وعلى رأس الحضور كان وزير الأوقاف والبابا تواضروس.

اليوم العالمي للتسامح

سبق حضوري ومشاركتي في هذا المؤتمر مطالعتي لأخبار الصباح في يوم الأربعاء الموافق السادس عشر من شهر نوفمبر عام 2022 الماضي، وهو يوافق أيضًا يوم احتفاء العالم باليوم العالمي للتسامح (International Day for Tolerance)، والذي أقرّته منظمة الأمم المتحدة عام 1996 حتى يصير يومًا عالميًا تحتفي فيه الأمم الأعضاء والحكومات بالتسامح.

دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة (the UN General Assembly) إلى التزام النهوض بحقوق الإنسان وحريته وتقدمه في كل مكان، والتشجيع على التسامح والاحترام والحوار والتعاون فيما بين مختلف الثقافات والحضارات والشعوب، كما دعت القائمين بالتدريس والإعلامين إلى الحديث عن تلك القيمة الهامة والضرورية.

أكّد إعلان المبادئ الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 16 نوفمبر عام 1995م أن التسامح ليس تساهلًا أو عدم اكتراث، لكنه احترام التنوع الغني لثقافات العالم وتقديره، وأشكال التعبير وطرقه لدى سكانه لكونهم بشرًا. ويعترف التسامح بحقوق الإنسان العالمية والحريات الأساسية للآخرين، فالناس متنوعون بطبيعتهم، والتسامح وحده الذي يضمن البقاء للمجتمعات المختلطة في كل منطقة من العالم.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

ولكن كيف يكون التسامح؟

cognitive bias and the need for evidence based decision making - مفهوم التسامح وفاروق جويدةلكنني في نفس اليوم طالعت، على الفيسبوك، تدوينة للشاعر الكبير فاروق جويدة يقول فيها: “من كان في نيته سوء لنا فلا تجمعنا به يا ألله، لا صدفة ولا حلمًا ولا واقعًا”. وبسبب قامة كاتب التدوينة وقيمته، فقد أحدثت بلبلة وشيئًا من الالتباس داخلي، وأخذت أتساءل مُتعجبًا: هل العَالم يحتفي حقًا بقيمة التسامح ومؤمن بوجوده بيننا؟ أم أنها مجرد دعاية ودعوة للتسامح والحض عليه لا أكثر، مع شدة الإيمان بعدم وجوده؟!

الغريب في الأمر أن تدوينة فاروق جويدة تم إرسالها لآخرين ألف مرة (آنذاك)، وقد طالعها ستة آلاف وثمانمائة متابع وأبدوا إعجابهم بها (آنذاك)، وعند التدقيق في هذا الرقم، نجده يعني عدم شعور السواد الأعظم –من المتابعين لفاروق جويدة– أو إيمانهم بالتسامح، لأنهم قد وقع عليهم ظلم لن يسمح لهم بالتسامح في حق مَن ظلمهم. فالظلم الاجتماعي لا يمكن غفرانه، والاضطهاد الديني والعرقي لا يمكن محوه، فكيف يمكن التغني بالتسامح والعفو وهناك آلاف، بل ملايين، مضطهدين ومنبوذين حول العالم؟!

في ظل هذه المطالعات والتفسيرات، استدعت الذاكرة، على الفور، ما وقعت فيه الإمبراطورية الرومانية من اضطراب وفوضى عندما اتسعت رقعتها، وصارت هناك شعوب عدة تدين لها بالولاء والتبعية، فأخذت تفكر في الأسلوب الواجب عليها اتباعه مع بعض الممارسات والمعتقدات المتعارضة معها، هل ستتعامل معها بتسامح أم اضطهاد؟

ملحمة الأرغونوتيكا ومفهوم التسامح

كما استدعت الذاكرة أيضًا بعضًا من الأحداث التي أوردها الشاعر السكندري “أبوللونيوس الرودي” (Apollonius of Rhodus)، في ملحمته “الأرجوناوتيكا” (Argonautica)، والتي كتبها في القرن الثالث قبل الميلاد، وذلك عندما أشار إلى وصول بطل ملحمته إلى أرض كان يجب أن يحصل منها على بُغية رحلته الطويلة الشاقة، وأخذ يتشاور هذا البطل مع أصحابه عن طبيعة تعاملهم مع أصحاب تلك الأرض، هل تكون المعاملة بالرفق والحوار أم بالقتال والحرب؟

لكنهم فضلوا الرفق والحوار على القتال، ويُحسن ملك تلك الأرض استقبالهم ويغدق عليهم من كرمه، إلا أنه يتحول عن كرمه وحُسن استقباله فور عَلِمَ بحقيقة غرض زيارتهم، فيصير غير متسامح أو قابل لوجودهم على أرضه، ويخاطبهم أنه لو لم يقابلهم ويُجلسهم على مائدته لكان له معهم تصرف آخر، ويجعلهم عِبرة للآخرين من أُولي الأبصار والعقول.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

إن التسامح والمعاملة باللطف مع الآخر أمرٌ مُقدمٌ وطبيعيٌ، لكنه يتحول ويصير رفضًا وتعصبًا عند معرفة حقيقة نيات وتصرفات الآخر، من ثم فأنا أتفق كل الاتفاق مع تدوينة ودعوة فاروق جويدة، اللهم لا تجمعنا صدفة أو حلمًا أو واقعًا مع من يسوء لنا او يضمر لنا شرًا.

مقالات ذات صلة:

في مفهوم التسامح وسماته 

ثقافة الاعتذار

الْحَيَاةُ الطِّيِّبَةُ

اضغط على الاعلان لو أعجبك

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أ.د صلاح السيد عبد الحي

أستاذ دكتور بقسم الدراسات اليونانية واللاتينية بكلية الاداب جامعة سوهاج. ومدير مركز حضارات البحر المتوسط.

مقالات ذات صلة