المعلم البداية – الجزء الثالث
ختمنا المقال السابق بصعوبة المنافسة للدور الذي يقوم به المعلم، ووجوب إدراك المعلم لتلك المنافسة من خلال مواصفات خاصة يجب أن يتمتع بها المعلم في عصرنا الحاضر، تلك الصفات والقدرات ستكون هي مقالنا.
صفات أساسية واجب توافرها في المعلم
إن النتائج المترتبة على دور المعلم تعد من الأهمية التي تجعل من الضروري أن يتصف صاحب هذه المهمة بمجموعة من الصفات الأساسية، وإحدى هذه الصفات أن يكون صاحب همة عالية مفعمًا بالنشاط والحيوية، فأصحاب الهمم الضعيفة لا يجب أن يكونوا مسؤولين عن دور كهذا، وإن لم نستطع فيجب أن تكون أولوية في المراحل المؤثرة لأصحاب الهمم العالية المستعدين لبذل المزيد من الجهد والإبداع في عملية التربية التعليم.
ومن المميزات الأخرى تلك المتعلقة بالجانب الأخلاقي للمعلم؛ لما يمثله من قدوة للطلاب أثناء العملية التعليمية، فلا يكفي تفوقه وتَمكّنه من العلم الذي يدرسه، بل يجب أن يقترن العلم بالأخلاق الحسنة، وهذا لا يعني طغيان جانب على الآخر، بل ما نقصده هو بلوغ أعلى درجات المهنية والتفوق العلمي والإبداعي للمعلم قدر الطاقة، وتغليف ذلك التفوق بالسمات الأخلاقية المميزة؛ حتى يتسنى للمعلم خوض صعوبات العملية التعليمية سواءً علمية أو تربوية.
وقد مر أغلب الناس في مراحل التعليم المختلف بنماذج مشرفة من المعلمين أصحاب تلك الصفات؛ ومن ثم تعلقنا بهم وحفظنا لهم جميل صنعهم لنا في مراحل تعليمنا، فالمعلم العالم صاحب الخلق لا يزول تأثيره حتى بمرور الزمن، بل لا نبالغ لو قلنا أنه قد يكمل بعض النواقص والقصور المحتمل في المناهج التعليمية نفسها نتيجة وعيه وإحساسه بالمسؤولية.
فالمعلم يستلم الطفل من سن السادسة تقريبا إلى أن يصل للسابعة عشرة، فهو من يحدد للطفل جانب كبير من شخصيته وطريقة تفكيره ووعيه الشخصي والعام، ومن ثم لا يجب أن يقتصر دور المعلم على نمط مقولب، بل من الواجب عليه أن يمد الطلاب بالمعلومات الصحيحة بما يتناسب مع المرحلة العمرية،
ويحدد لهم كيفية الاستفادة منها وحثهم على المزيد من المعرفة بخلاف المقررات الدراسة، فمن السمات الهامة للمعلم فتح آفاق المعرفة بوجه عام أمام طلابه، ومساعدتهم على تكوين خبرات صحيحة، وتنمية ملكة التساؤل لدى الطفل من الصغر؛ حتى لا يكون فريسة سهلة للأفكار والسلوكيات المنحرفة.
على المعلم نفسه قبل الآخرين أن يدرك أهمية دوره الحساس، فلا يجب أن تكون مهنة التعليم كبعض المهن التي تسعى لتأمين المعيشة فحسب، بل هي أكبر وأعظم من ذلك، هي مهنة بناء الإنسان والتي هي مقدمة لبناء المستقبل.
المهمة صعبة لكن دائما الأمل موجود
وهنا يجب التأكيد على أن تلك المهمة تقابل من الصعوبات والعوائق التي قد ترهق عاتق المعلم بحيث لا يستطيع أن يؤدي دوره المطلوب على الوجه المرغوب منه، ومن ثم لا ينكر عاقل أحد تلك الصعوبات، الأمر -فقط- مرتبط بإيمان المعلم بأهمية دوره وشعوره بحجم المسؤولية والتي لا يمكن أن تتوقف حتى تتحسن الظروف.
فكما أشرنا أن المعلم هو مربي ومعلم في نفس الوقت، وهو بمنزلة رب الأسرة الذي يبذل قصار جهده لتوصيل أبنائه لبر الأمان دون انتظار إلى أن تتحسن الظروف، بالطبع لا ننكر صعوبة تلك المهمة، لكن في نفس الوقت يعلم كل عاقل أن المهام الكبرى تقع دائما على أصحاب الهمم الكبرى، الذين من صفاتهم تحدي الصعاب وإيجاد الفرص والتعامل مع الصعوبات بروح التحدي والإبداع، معتمدين على الله العادل الحكيم الذي لا يضيع أجر المحسنين الصابرين، فما أعظم هذا الدور الذي يقوم به المعلم للمجتمع ككل!
ذكرنا في المقالات السابقة كم الغزو الفكري والثقافي الذي تتعرض له أغلب بلدان العالم، ومدى التأثير السلبي لتلك الهجمة الفكرية على أغلب شرائح المجتمع من الطفل إلى الرجل والمرأة، فلم يسلم أحد من تلك التغيرات التي لحقت بنا.
ولا سبيل لوقف تلك الهجمة المسعورة في الفكر والثقافة وتغير الثوابت إلا بالتعليم الواعي الذي يقوده هذا المعلم المدرك لدوره، والصابر على تلك الصعوبات، تلك الصعوبات التي يعتبرها القائمون على هذا الغزو الفكري من مصادر قوتهم.
فهم يعلمون مدى صعوبة الكثير من الأوضاع؛ ومن ثم يمارسون شتى أنواع الضغط معتمدين على خلو الساحة التعليمة في أغلب الأحيان من ذلك المعلم الواعي الصابر المُضحي صاحب العلم والخلق.
المهمة صعبة وتحتاج نماذج صلبة؛ لكن دائما الأمل موجود، فبوجود تلك النماذج ستتحول الصعاب إلى فرص، وستمضي العملية التعليمية والتربوية فى الاتجاه الصحيح، وما يعد صعبًا اليوم، سيصير بالصبر والعمل والتضحية سهلًا في الغد، ومن نرغب في تغييره اليوم فى أولادنا، وما نطمح أن يكونوا عليه في المستقبل إن كان صعبا في البداية، فمع العمل الجاد والواعي سيصبح حقيقة.
ومن التغلب على الصعوبات واحدة تلو الأخرى سنصل لمرحلة الإبداع والاستفادة بكل القدرات والمواهب فيما يساهم في بناء المستقبل المشرق للجميع كما نتمنى.
اقرأ أيضاً:
*****************
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا