مقالاتعلم نفس وأخلاق - مقالات

يقولون أن نهاية العالم هي مدينة مهجورة، ولكن ألسنا في هذه المدينة المهجورة الآن؟

بعض الروايات عندما تتخيل نهاية العالم تتصور الإنسان وقد أصبح يعيش في تلك المدينة المهجورة التي لا يسكنها غيره، يسير في طرقاتها وحيدًا بلا بشر، وقد تم تصنيف تلك الروايات على أنها خيالية مستحيلة التحقق، ولكنك مع شديد الأسف عندما تنظر لحال البشرية الآن تجد أنه قد تحقق بالفعل، فهناك بشر نلتقي بهم يوميًا دون أن نراهم أو يرونا، لكل منهم شأن يغنيه، منكب الهامة مطأطئ الرأس معقود الحاجبين متجه إلى ما بين يديه مخترقا عوالم افتراضية من الرسائل والإشعارات، يهمل حياته تماما في مقابل أن يطور سبل استلام فيض الرسائل والمعلومات، ويتعامل مع الواقع الملموس بدون تركيز على أمل العودة السريعة  لعالمه الوهمي،  فمعيار النجاح  لدى إنسان المدينة المهجورة هو تطوير وسائل تواصله مع عالم الافتراض، وتطوير حسابه الخاص، وجل اجتماعياته وعلاقاته ترتبط بخوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي.

فالمدينة المهجورة هي التي تفتقد التواصل الحقيقي بين سكانها، تواصل تراعى فيه المعايير الصحيحة، التواصل باللمس والنظر والاستنشاق، تواصل نعرف منه الحالة على حقيقتها بدون رموز سمجة صفراء، هناك مقولة لآينشتاين تقول “أخشى اليوم الذي تطغى فيه التكنولوجيا على التواصل بين البشر، سيكون في العالم جيل من الحمقى”

العالم الافتراضي

تلك الحالة من التوحّد والتيه والانعزال جهزت الإنسان ليكون ضحية لحملات دعائية يومية مدفوعة من شركات الاتصالات المختلفة حيث ربطت رفاهيته وسعادته بالعالم الافتراضي، عالم أدواته أجهزة موبايل والألواح الإلكترونية الحديثة كوسيلة يهرب بها من عالم الواقع، يهرب  إلى المدينة المهجورة قاصرًا صداقاته وحياته بأكملها على مواقع التواصل الاجتماعي منتشيًا بذاته ككائن اجتماعي دون أن يلحظ أنه قد تجاهل من يجلس بجانبه في وسائل مواصلاته منعزلًا عن محيطه الواقعي بالكامل. دعاية تحاول بشكل متكرر مخاطبة الجانب المادي الاستهلاكي لدى الإنسان بشكل مغلوط بعرض رسالة دعائية تظهر الإنسان مستاءً من محادثات الآخرين معه أثناء انتظاره في الطريق والإقناع بالهروب للعالم الآخر عالم الرفاهية ومواكبة تطورات العصر الحديث، ودعاية أخرى بين الأصدقاء تظهر أن الانعزال وعدم التواصل وسائله البعد عن استخدام الأجهزة الحديثة والاكتفاء بالكلمة المباشرة بينهم.

أخطر ما في الرسالة

وأخطر ما في هذه الرسالة أنها دعوة صريحة للفردية والتفكك بين المجتمعات وتكريس لفكرة انعزال الانسان بإرادته واختياره لعالم آخر يظن أنه يشكله وفقًا لاختياراته دون اقتحام أو تطفل من أشخاص لا يرغب في محادثتهم واهمًا أنه قد حقق سعادته وكمالاته، والحقيقة أنه قد أخضع نفسه لمعايير شركات ربحية تتكسب من خلق هذا الواقع الوهمي وتُخضع لها الإنسان مستغلة تلك الرغبة الدائمة لديه للتواصل مع مجتمعاته بفهم يقتصر فقط على #الاستهلاك بتطوير أجهزته الحديثة دون إدراك أنه قد طُبع بسمات المدينة المهجورة.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

مدينة معمورة يسكنها أشباح منخدعون بوجود افتراضي.

ما هو الحل؟

إلا أن هذه ليست دعوة للامتناع عن استخدام التكنولوجيا الحديثة أو الإنكار التام لها، وإنما الهدف هو الإشارة للضرر الذي يمكن أن يعود على الإنسان من إدمانها واستخدامها فيما لا ينفع، والحث على استخدام لا يؤدي إلى العزلة التامة عن الواقع بل يساهم بشكل فعال في اكتساب المزيد من العلوم والمعارف التي تعود بالإيجاب على الواقع، استخدام لا يخضع فيه الإنسان لإرادة الآلة بوهم التواصل بل الآلة هي من تخضع لإرادة الإنسان بالاستخدام الصحيح لها.

اقرأ أيضا:

التعميم الأعمى يلاحقنا .. لماذا هو أعمى ؟ وكيف لنا أن نتخلص منه ؟

القوى الكامنة في الإنسان .. لماذا نحن مميزون بالعقل (1)

اضغط على الاعلان لو أعجبك

توهم المعرفة.. هل كل خريج جامعة يعتبر متعلم ؟

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أحمد صالح

عضو فريق مشروعنا فرع القاهرة

مقالات ذات صلة