مقالات

ياه لذكريات العيش في منزل دافئ مليء بالاستقرار!

مكان الاستقرار

تنشأ بين الإنسان ومكان الاستقرار الذي عاش فيه علاقة قويّة وممتدة حتى بانتهاء إقامته جسديًا فيه، ويبذل ما في وسعه في أن يخلّد ذكراه فيه، حتى وإن خط بالقلم اسمه على الحائط، أو على خشب الأسِّرة التي نام عليها.

إحدى الزميلات كانت ضيفة عندي بسكن الأطباء؛ ولكني قد نسيتُ أن آخذ رقمها إذا أحبّت أن تأتي إليّ مرة أخرى، فما كان مني إلى أن قد كتبت رقم هاتفي على باب الغرفة؛ إذ لربَّما جاءت وأنا غير موجودة. هذا الموقف قد حدث في بداية سنة الامتياز تقريبًا. وانتهى الموقف ولم تُشرّفني زميلتي مرة أخرى.

كل يوم أدير المفتاح لأفتح الباب وأدخل، وفي كل مرة أرى رقم هاتفي واسمي على الباب ولا أهُم بمسحه وأتركه، وأنا على علم أنني سأترك المكان بعد شهور قليلة..

أحب دائمًا أن أقرأ هذه الأسماء المكتوبة بالتفصيل، قرأت أسماء وذكريات عديدة على حوائط وجدران المدينة الجامعية. العجيب أنها تكون ذكريات عزيزة كعلاقة صداقة فلانة بفلانة، أو كعلاقة خطوبة فلانة بفلان ومدى حبها له، أو ذكرى امتحانها السيء. لذا أحب أن أقرأها جيدًا وبتأني؛ فهي ذكريات مُهمّة جدًا بالنسبة لكاتبيها وأجد من الاحترام أن أقدِّرها.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لربَّما لهذا السبب يعاني أحد أقاربي -يقيم بالخارج لمدة أكثر من عشرين عامًا- من العودة إلى مصر؛ فقد اعتاد العيش في الخارج، وعرف الناس هناك، وتطبع بطبعهم، بل عاش جل حياته وزهرة شبابه ، هناك. صحيح وُلِد بمِصر، لكنه مالبث أن سافر وصنع كل ذكرياته بالخارج في بلده الثاني كما يُطلق عليها، لقد أصبحت مكان الاستقرار له.

الاغتراب وعدم الاستقرار

أجتهد كثيرًا في حفظ السمت العام الثابت لغرفتي، بثبات ساكنيها ودائمية وجودهم، أعني هم بالتحديد، أشعر أن ذلك يحقق كثيرًا من الثبات النفسي والاستقرار لديَّ. أشعر بالانقباض حينما أفاجأ بإحدى الزميلات التي لم أرها مسبقًا والتي يُمكن أن تُقيم معي الفترة القادمة وبعدها تمضي؛ حيث أجد أن الغرفة تحوَّلت من مسكن دائم لفترة قصُرَت أم طالت إلى مجرد غرفة في “لوكاندة” يعني أنَّ حالة من الاغتراب ستتولد بالضرورة. لذلك أحارب هذا الوضع بكل شراسة؛ بأن أنسل عائدة إلى مرفأ آمن وثابت؛ محيط أسرتي الدائم والحمد لله وأترك هذه اللوكاندة!!

تخيّل أن محل إقامتك مُتغير دائمًا؛ تتنقل دائمًا بين الفنادق و”اللوكاندات” حتمًا ستُصاب بحالة من الاكتئاب الحاد، ولربما هجرتك زوجتك وأطفالك؛ فهم لا يطيقون حياة بهذه الطريقة؛ “حياة التنطيط” فهي حياة تصيب الذين يعيشونها بالوهن والعجز ناحية المحيط الإنساني. حياة تحياها وسط الشركات والتعاقدات وسوق العمل. إيقاع رهيب يؤدي إلى انسلاخك من إنسانيتك.

لا تعيشوا في لوكانده

الريف المصريّ يتميز بدرجة عالية من الثبات والاستقرار؛ الأبناء يعيشون مع ذويهم، مكان العمل بالقرب من البيت، لا ساعات عمل مُرهقة، إحساس بالطمأنينة عند العودة إلى البيت وإذا بالأم راعية البيت هاشّة باشّة في استقبال أبنائها وزوجها.

أرجوكم؛ لا تدعوا النظام الاجتماعي لحياة الإنسان الغربي يتسرَّب إلينا، لا تدعونا نعيش في توتر وقلق وأمراض نفسية، لا نريد أن نصبح كالإنسان الغربي الذي تمَّ وصفه بأنه” خفاش يطير بتوتر ولكنه لا يعرف إلى أين”

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لا نريد أن نعيش في “لوكاندة” ولكن نريد أن نعيش في بيت تحفّه السكينة والمرحمة والرأفة والاستقرار حتى ننعم بإنسانيتنا.

.الإنسان ليس بدوي رحالة، وليس في حل وترحال دائمًا؛هذا مستحيل ولا يستطيع تحمل هذه الحالة أبدًا. الإنسان يحب الاستقرار ويبحث عن الطمأنينة.

اقرأ أيضا:

هاري بوتر والجمل الطيب .. تأثير الإعلام والأضرار التي يقدمها لأطفالنا الصغار

يعني ايه تربية؟ ( الجزء الثاني ) – دور البيئة في عملية التربية وصناعة الإنسان

اضغط على الاعلان لو أعجبك

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط

ندعوكم لزيارة قناة الأكاديمية على اليوتيوب

داليا عادل

طالبة بكلية الطب – جامعة المنصورة

باحثة ومحاضرة بفريق مشروعنا بالعقل نبدأ بالمنصورة

مقالات ذات صلة