مقالاتعلم نفس وأخلاق - مقالات

القدوة بالأخلاق

أحيانًا يُقابلنا في حياتِنا بعض الناس، كالطبيب، و الأستاذ ، والمحامي، والعامِل، وغيرهم، منهم: السهل اللين حسن الخُلق، كريم السَّجايا، ومنهم: اللئيم الخبيث، والمُتكبِّر المُتعجرِف، والبخيل حتى بالمعلومة البسيطة والإرشاد الذي لا يُكلِّفه إلّا أن يفتح فَمَه ثُم يُغْلِقه مرة أخرى في أقل من غمضة عين

سنُلقي الضّوء على نموذجيْن مُؤثّريْن أسوة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أولهما أ.د/ إبراهيم رزق وحش، أتكلم عن حقيقة عملية، وقامَة عِلْميّة ينبغي أن نَدْرسها ونُدَرِّسها لأبنائنا؛ ليتعلموا القدوة والمَثَل الصالح والنُّبل والصفاء والتسامح والمساعدة… إلخ

الأستاذ الصديق

كنتُ تلميذًا لأستاذي –أستاذ المناهج وطرق التدريس- بكلية التربية بدمياط، في الدراسات العُليا، وهي مرحلة مِفْصَلية تحتاج إلى جهد جهيد ودراسة مُتأنيّة، وكما نقول: عُنق الزجاجة

أنا وزملائي عندما دخلنا عليه مكتبه، فوجئنا بهذا الشخص، مبتسم، هادىء الطِّباع، يُساعد غيره مَن يعرفه ومَن لّا يعرفه على السواء، أسلوبه سهل بسيط، شخصية غير مُعقّدة، وفي هدوئه ورزانته إذا سوَّلت لكَ نفسك مرّة وشكَكَتَ في قُدرته العِلمية وقاعدته المعرفية، يُمكنك فقط أن تستمع إليه وهو يتكلم في محاضرة أو سيمنار أو مناقشة، وبالتأكيذ ستغيِّر رأيك فورًا لا لشىء سوى ما تراه من الكاريزما وما تسمعه من المعلومات الجديدة

اضغط على الاعلان لو أعجبك

أنا تلميذه إذًا وصديق، نعم صديق، بطريقة لا إرادية مِنّي فهو الذي يبدأ بالصداقة بمجرَّد أنّك تلميذه، وبالتالي يُشعِرُكَ بأنك قريب منه، ويترتَّب عليه: أن تسأله فيما يصعب عليك، أو أن تطرح عليه مشكلة تؤرِّقكَ، أو أن تتصل به في أي وقت في الليل أو النهار؛ لأنه لا يغضب أو يتلوَّن، فهو أستاذ فريد، سَمْح الخُلق، طيِّب المَعْشَر

أذكر بعض الأمثلة التي تؤكِّد كلامي، وحتى لا يسرح خيالكَ بعيدًا أنني أُجامله أو أبغي مصلحة- وهذا ليس من طبعي- فهو عند الله نساله تعالى أن يتغمَّده بواسِع رحمته

ففي بداية اختياري لموضوع الماجستير، وكان عن سَرْد القصص، زُرْته في مكتبه بالكلية، وعندما رأى معي بعض الأوراق المكتوبة بخط يدي، عدَّل لي فيها بالقلم الأحمر، وأعطاني رسالة كان هو مشرفًا عليها لأستفيد منها، وتكون مرجعًا ما زلت أذكرها، وكان لقائي هذا مع حضرته في سنة(2005-2006م)

دعم الأستاذ لطالبه

والموضوع لم ينته هنا، فقد اتصلتُ به من قرية السوالم التابعة لمركز كفر سعد بدمياط، حيث كُنتُ في هذا الوقت أعمل في مدرسة(مِهْرشان للتعليم الأساسي) اتصلتُ به وقلتُ له: هل يمكنني أن أُصَوِّرَ (كُل) الرسالة؟ فقال لي: افعل ماشئت

وأثناء التطبيق التجريبي في الماجستير سنة 2007م، في مدرسة ميت أبو غالب رقم(2) (سابقًا)، الشهيد الشرباصي عامر(حاليًا)، حدثَتْ لي عَقَبة توقَّفَتْ أمامي، فعلى الفور ذاكِرَتي لم يأتِ فيها ولا أمامها إلا الأستاذ الصديق إبراهيم وحش، فاتصلت به، وكان التطبيق في الطابق الثالث، فبكل بساطة قال لي”افعل كذا وكذا”، وانتهت المشكلة

اضغط على الاعلان لو أعجبك

وعند اختيار موضوع الدكتوراه كان في البداية عن” الكتابة الإقناعية” فقد اقترحه ورشَّحه لي أساتذة كِبار في القاهرة، وبالفعل بحثتُ واشتريتُ المراجع … إلخ، ولكنه لم يُعجب بعض الأساتذة بل وتَنّقَّصه وقلّلَ من شأن موضوع

تأثَّرتُ جدًا لدرجة أنني كنتُ في حالة نفسية سيئة، فاتصلتُ بالدكتور إبراهيم حوالي الساعة من (11- 12) مساء ليلةعلى التليفون الأرضي، وحكيتُ له، فاستمع لي- وكان مُستمعًا واعيًا جيدًا- فتحدث معي ثم قال: وما المانِع أن تقوم بعمل نظرية باسمك ويكون عنوانها” نظرية وائل الصعيدي في الإقناع”، فاستعدتُ الثقة في نفسي والموضوع مرة أخرى، ثم ختمتُ الحديث بالشكر، والتأسُّف على الاتصال في وقت متأخر

السعادة الحقيقية

إنّ السعادة الحقيقية ليست في اقتناء المال أو اعتلاء المناصب أوالشُّهرة والأضواء الباهتة الزائلة، وإنما تتمثّل في صديق صدوق مهذب خلوق يفهمك ويُسَرّي عنك ويضع لك حلولًا ولو بسيطة كسلاح لتجابه به أمواج الحياة العاتية ومشاكلها وأعبائها الطاحِنة

وتشترك الأخلاق العربية مع الصينية في الأصالة والجمال فها هو ذا النموذج الثاني الصيني الدكتور يانغ يان هونغ (رشدي)، رئيس مجمع اللغة العربية بالصين –سابقًا، هذا الأستاذ صاحب الشخصية الفريدة المساعِدة، لا أقف معه أو أجلس في مكتبه إلا ومعي ورقة وقلم لأسجّل منه بعض الأفكار التي ألتقط خيوطها من حديثه الثري دائمًا لأنه رجل يحب الخير للجميع، يعطيك أفكارًا ويفتح لك آفاقًا تفيدك في عملك وحياتك، هذا فضلًا عن كرمه وسخائه.

إننا وبحق نحتاج إلى أمثال هذه النماذج الحيّة المخلصة في حياتنا: القدوة والمثال، والبساطة في المعاملة، والتواضع مع الرِفعة في العِلم، التي تعمل على بناء الشخصية، ووضوح الرؤيا، ولتكون نبراسًا للطريق وشعاعًا للأمل ومصباحًا يضيء عتمة النواحي المظلمة من حياتنا.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ أيضاً:

القدوة بين المفهوم والواقع

ميزان العلم 

لا تشرق شمس حضارة إلا بالأخلاق

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

د. وائل زكي الصعيدي

خبير مناهج وطرق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها/ جامعة الاقتصاد والتجارة الدولية

محاضر في: جامعة الدراسات الأجنبية كلية العلوم الإسلامية الصينية / بكين – الصين

دكتوراه فى المناهج وطرق تدريس اللغة العربية

ماجستير في أدب الأطفال، ودبلوم خاص في المناهج وطرق التدريس، رئيس قسم الموهوبين بإدارة ميت أبو غالب التعليمية دمياط سابقاً

عضو اتحاد كتاب مصر

مقالات ذات صلة