مقالات

الفقر الثرثار

الفقر الثرثار

افترض أن مشكلةً ما قد أهمّتك، وليكن خلافًا بينك وبين مديرك المباشر في عملك، وأنت تجتهد لتبحث الأمر وتبين أيكما مخطئ، وهل يجب عليك الاعتذار فقد كنتما صديقين طوال مدة عمليكما، وبينما أنت تحاول تحليل المشكلة وتبين أوجهها إذا بصديق لك أتى إلى جوارك وبدأ يتحدث عن مشاكله العائلية، ثم انتقل بسرعة للحديث عن فلسفة العلاقات ككل في مجتمعنا، ثم بسرعة انتقل للحديث عن تاريخ بعض العادات والتقاليد السائدة، ثم انتقل للحديث عن كتاب كان قد قرأه يدور حول بعض المصطلحات الشائعة في عصرنا وأصلها ومصدرها، ثم نقلك إلى سيرة كاتب ذلك الكتاب وكيف أنه كان يحترم آراءه إلى حد بعيد، ثم وجده حاد عن الحق فاحتار في أمره، وهو الآن يسألك ترى كيف يحيد أولئك الذين استفاضوا في وصف الحق في كتبهم عنه؟ كيف فشلوا في تلمسه؟
كيف يا ترى سيكون موقفك بينما أنت تحاول التركيز على قضية رئيسية ومشكلة يهمك أمر حلها في القريب بينما ذلك “الصديق الثرثار” ينقلك من موضوع لآخر ومن تفصيلة لأخرى؟
بالطبع لن تستطيع التركيز على مشكلتك، وسوف تضيق بذلك الصديق الثرثار، وإذا ما حاولت التعاطي معه ستستغرقك كل تلك التفاصيل التي ألقاها بين يديك وتشغلك عن همّك الأساسي!
هكذا هي الحياة صديق ثرثار دومًا.. تلقي إلينا بما لا تحتمله نفوسنا من تفاصيل وجزئيات تشغلنا عن همّنا الأساسي، عن قضيتنا الكبرى، عن بحثنا في وجودنا ومغزاه.
كذلك الفقر أيضًا صديق ثرثار.. تشغلك احتياجاتك الأساسية عن التفكير في قضية الوطن مثلًا، وعن تحمل هم التحرر من قبضة التبعية، بل لن يتسنى لك أصلًا استيضاح مفهوم التبعية ومظاهرها!
هب أنك أب لطفلين ومرتبك بالكاد يكفيك لإعالة أسرتك، فإذا تعب أحد الطفلين لن تملك من المال ما يكفي لتزور طبيبًا ذا سمعة جيدة بدلًا عن مستشفيات وزارة الصحة في بلادنا التي يذهب إليها الاصحاء ليعودوا مرضى! ثم يأتي دور شراء الأدوية لتخرج من زيارة الطبيب بدَين عظيم لا تدري كيف ستسده.. وكيف الظن بأسرة أكبر من تلك؟! لن يجدوا ما يسد رمقهم بالضرورة.
في ظل وضع كهذا هل سيشغل أفراد الأسرة كثيرًا نقاش يدور حول نظام الحكم الأمثل، وهل الديمقراطية تكفل تحقيق العدالة أم أنها استجابة للأغلبية التي لا يُشترط أن تتفق على العدل؟
هل ستشغلهم كثيرًا مشكلة انخفاض الوعي، وضرورة تدوير عجلة النشاط الثقافي، وتشجيع القراءة وتوفير الكتاب لأن العقل السليم هو أمل البلد ومستقبلها؟
بل هل سيهتموا أصلًا حتى بمتابعة آخر أخبار البلد حتى ولو لم يهتموا بأن يصنعوا بعضها؟ لا أظن ذلك..
يقول الإمام علي بن ابي طالب”كرم الله وجهه”: الفقر في الوطن غربة”
هو غربة، غربة عن الوطن وما يدور فيه، وما يهمّه، هو ثرثرة تشغلك عن الوطن!
ورفعت الدولة الدعم أيضًا فازدادت الغربة غربة..
ماذا سيتبقى من انتمائي لوطن لم يوفر لي ما يسد رمقي ورمق أولادي؟ أما كان الأولى الحديث عن رفع قبضة رجال الأعمال عن الاقتصاد أو بالأحرى عن”قوت الغلابة”؟ أو تطبيق الحد الاقصى للأجور على الجميع؟ أو التفتيش في ملفات الفساد العتيق في الدولة؟
ولكن ليزدد الفقير فقرًا وغربةً أيضًا..

لقراءة المزيد من المقالات يرجى زيارة هذا الرابط.

ندعوكم لزيارة قناة أكاديمية بالعقل نبدأ على اليوتيوب.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

داليا السيد

طبيبة بشرية

كاتبة حرة

باحثة في مجال التنمية العقلية والاستغراب بمركز بالعقل نبدأ للدراسات والأبحاث

حاصلة على دورة في الفلسفة من جامعة إدنبرة البريطانية

مقالات ذات صلة