قضايا شبابية - مقالاتمقالات

أزمة المجتمع الحقيقية

تمر مجتمعات العالم اليوم بأزمات كبيرة جدًا أصابت أنساقها الاجتماعية على المستوى الجمعي، ولم يسلم منها الفرد على المستوى الشخصي.

كتب كثيرون حول بعض هذه الموضوعات، باعتبار أن إصلاح المجتمع والفرد من الأمور الجوهرية التي تسعى كل الأجيال إلى الوصول إلى درجة مرضية من هذا الإصلاح، وهو أيضًا مسار دعوة الأنبياء والمصلحين على مر العصور.

هذا الأمل الذي يداعب قلوب وعقول الجميع لا يمكن أن يكون منفكًا عن العمل اللازم والمتوافق مع حجم التحديات والمشكلات، فلا أمل دون عمل.

عوامل إصلاح المجتمع

لا شك أن تفاضل الناس الحقيقي فيما بينهم هو بالعلم النافع والأخلاق الحسنة، كذلك الأمم والمجتمعات، فإن المجتمعات التي ترفع من قيمة مكارم الأخلاق وترسخ لقيم العدل والخير بين أفرادها هي خير المجتمعات.

من الأمور الأخرى التي تجعل مجتمعًا أكثر رقيًا من غيره هو احترام حقوق الإنسان الحقيقية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

المقصود بها ليست الحقوق الناقصة التي يدعو إليها الغرب كشعارات فقط، بل تلك الحقوق المرتبطة بطبيعة الإنسان الحقيقية، والتي تنعكس بدورها على رقيه في الجانب المادي والمعنوي سويًا، وليس إعلاء الجانب الشهواني والاستهلاكي فيه.

إن الربط بين الجهل وفساد المجتمع وأخلاق وسلوكيات الناس يبدو واضحًا، فمتى ما كان الجهل حاضرًا كانت النتيجة المشروطة غياب مظاهر الرقي والاحترام وبالتالي تسافل الأفراد، وما الدعوات للعزوف عن الزواج ببعيد عن هذا الجهل.

يظهر لنا من خلال هذا الطرح حضور حرية الإنسان وإرادته في تناغم غاية في الإتقان، بين الوجود المنظم وفق السنن والقوانين والإنسان صاحب الإرادة الحرة.

السنن التاريخية وتفسير الفعل الإنساني

اختيار الإنسان يمثل شرط تحقق النتيجة، فالشرط هنا هو فعل الإنسان نفسه والذي يتحدد بناء عليه النتيجة.

السنن التاريخية حينما نفهمها وندرسها وفق هذا القانون الشرطي، والذي يعد نمطًا من القضايا التاريخية يكون قائمًا بين حدثين أو مجموعتين من الأحداث، إذ يتم الربط بين الجزئين، متى ما توفر الشرط الأول تحققت النتيجة المشروطة.

عودةً إلى موضوع العزوف عن الزواج، نجد أن اختيارات كل من الأهل من جهة والشباب والشابات من جهة أخرى تمثل فعل الإنسان، والذي أدى إلى اختلال معايير الزواج الحقيقية في المجتمع اليوم، والذي بدوره جعل العزوف عن الزواج وإيجاد بدائل غير شرعية وغير أخلاقية هو النتيجة.

حين يحل فعل الإنسان محل الشرط تصبح الأحداث التاريخية والاجتماعية أكثر وضوحًا لنا، باعتبارها فعل الإنسان نفسه الذي متى ما وفَّر شرطًا معينًا كانت له نتيجة محددة.

بذلك يظهر بوضوح مدى تأثير فكر ورؤية الإنسان التي تحدد أفعاله، التي هي نتيجة شرطية للنتائج التي تظهر له، مما يؤكد على أهمية اختيار الطريق الذي يجب أن يسلكه كل منا في حياته، والأمر نفسه ينطبق على المجتمع باعتباره نتاج اختيار الأفراد فيه.

اقرأ أيضاً: تزوير التاريخ لا يكون فقط في كتب التاريخ

أسباب الفساد في المجتمع

لذلك نجد أن فساد المجتمع نتاج فساد أفراد على الأغلب، سواء من يمارس هذا الفساد أو من يستطيع تغييره ولا يمارس هذا الدور.

نلاحظ ذلك بوضوح في كثير من المجتمعات في هذا العصر، وهذا ينطبق بوضوح على بعض المجتمعات التي سمحت على سبيل المثال بانتشار الفساد الأخلاقي والشذوذ بين أفراد المجتمع.

إن هذه المجتمعات قد أسست لفساد المجتمع كله، إذ ستكون الأسرة والعلاقات الإنسانية السوية هي الضحية الأولى لهكذا ممارسات، والذي بدوره سيؤدي إلى فساد المجتمع ككل، على من مارس تلك الممارسات ومن سكت عن انتشارها.

هنا نستطيع أن نقول إن أزمة المجتمع الأولى والأهم هي ممارسات أفراده السلبية، وإن مقاومة هذه السلبيات مسؤولية الجميع، فبتلك المقاومة يستطيع المجتمع تدشين خط الدفاع الأول والذي سيلقي بظلاله على كل المجتمع في عملية إصلاحه.

هنا قد تسأل عزيزي القارئ كيف تكون هذه المقاومة؟ وما هي شروطها؟

كيف نحارب الفساد في المجتمع

الفساد في المجتمع

أولًا يجب أن تعرف عزيزي القارئ أن تلك المقاومة هي في ذاتها الدعوة إلى الحق على المستوى الفكري والسلوكي والأخلاقي، هي بتوضيح أكثر التزام بالحقائق الواقعية حول الفرد والمجتمع.

لتوضيح ذلك نضرب مثالًا حول قضية المرأة في المجتمع ما بين الحقوق والواجبات، الفكر الغربي ينشر في مجتمعات العالم مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء، وهذا غير صحيح واقعيًا، فلا ينكر عاقل الاختلافات بين الرجل والمرأة في نواحٍ عدة، وإن الدعوة الحقيقية والواقعية يجب أن تكون العدل في التعامل بين الرجل والمرأة، ذلك أن العدل هو إعطاء كل ذي حق حقه وهذا أمر واجب.

أما المساواة فهي غير متحققة في كل المجالات بين الرجل والمرأة، إلا في جوانب الارتقاء بالنفس والأخلاق، فهما في هذه القضية على قدم المساواة، كل على حسب عمله وسعيه.

إن مقاومة الأفكار والسلوكيات السلبية هي في الأساس دعوة إلى الحق والالتزام بالحقائق والتفرقة بين المفاهيم، حتى لا نقع فريسة للخداع الفكري والتأثير العاطفي دون إعمال العقل والمنطق.

اقرأ أيضاً: مناعة المجتمع العربي الاجتماعية

شروط محاربة الفساد في المجتمع

هنا يجب توضيح شروط تلك المقاومة، والتي تتمثل في: العلم بما يجب أن نرفضه، والعلم بما يجب أن نؤكد عليه، من تبني الحق ورفض السلبيات.

كذلك من شروط تلك المقاومة التحقق من إحداث تأثير محتمل، وذلك بالاستمرار في هذا النهج المقاوم –قدر المستطاع ووفق الطاقة– للسلبيات السلوكية والأخلاقية، حتى تتحقق بعض النتائج وإن كانت قليلة.

هنا نجد أنه من المهم أن نلتفت إلى المحور الذي أشرنا فيه أن سلوك وممارسات الناس هي بداية لفساد المجتمع.

ذلك أن عمل المفسدين من اتباع هوى النفس وإطلاق العنان للشهوات المادية دون ضابط أخلاقي، بالإضافة إلى زيادة وانتشار الأمراض الباطنية بين أفراد المجتمع، من تكبر وأنانية وحب للظهور والشهرة على حساب كل المبادئ والقيم، هو منشأ هذا الفساد السلوكي والفكري للأفراد.

حب النفس والأنانية وغياب الإنصاف أصاب المجتمعات بحالة من السوء الأخلاقي، منذ بداية الخلق حتى وقتنا الحاضر، فالفساد في حقيقته يبدأ من داخل النفس الإنسانية، ثم يتجسد في سلوكيات وعادات فردية سلبية، وبعدها ينتقل إلى باقي المجتمع في سلوكياته وعاداته الاجتماعية.

أخطر أنواع الفساد في المجتمع

الفساد الفكري من أهم أسباب أزمات المجتمعات أيضًا، فإن الفكر له الدور الأساسي في توجيه الفرد والمجتمع، لذلك كانت جبهة الفكر من أهم الجبهات التي تواجه أي مجتمع يسعى إلى حل مشكلاته الحقيقية.

هنا نلاحظ تأثير الفكر الغربي على المجتمعات البشرية من هذا المدخل الفكري، من خلال كثير من المفاهيم المغلوطة مثل مفهوم الحرية.

الحرية على الطراز الغربي دون ضابط أخلاقي هي مدانة بنظر العقل، فتلك الحرية الغربية هي في الأساس إبعاد للناس عن الفكر السليم ومعالي الأخلاق ذريعة الحرية، هي تدمير للأسرة بذريعة المساواة بين الرجل والمرأة، هي مزيد من التعلق بالأنانية والفردانية دون تحمل للمسؤوليات والواجبات الفردية والمجتمعية.

عوامل ساهمت في زيادة الفساد في المجتمع

نجد من المفيد الإشارة إلى العوامل المساعدة في زيادة أزمات المجتمعات، فلا يمكن تحميل الفرد المسؤولية منفردة دون الإشارة إلى العوامل المساعدة على تعميق الأزمات، خصوصًا عندما تنحرف عن دورها الحقيقي.

الدور السلبي للإعلام

يأتي الإعلام المضلل على قائمة تلك الوسائل المساعدة على تعميق أزمات المجتمع، من خلال العمل على نشر سلبيات المجتمع، والدعوة إلى التحلي بالقبيح من القيم، مثل البلطجة وتجارة المخدرات والقبح الأخلاقي، بحجة تسليط الضوء على السلبيات، فتلك مغالطة كبرى يمارسها الإعلام اليوم المدعوم من الفكر والمؤسسات الغربية المشبوهة.

نتج عن هذا الدور السلبي للإعلام فن منحرف وقبيح، كان مقدمة لفساد الشباب والفتيات والنساء، والذي بدوره أثر على نمط العلاقات والأخلاقيات داخل المجتمع، وما نشهده اليوم من قضايا وجرائم بشعة ما هو إلا نتاج مباشر أو غير مباشر لهذا الفن المنحرف الهابط.

غياب الهوية الفكرية والأخلاقية

لا شك أن غياب الهوية الفكرية والأخلاقية للمجتمع –نتيجة التقليد والاقتداء الأعمى بالغرب– هو أيضًا من أسباب أزمات المجتمع القوية، تلك التبعية التي تفقد الإنسان شخصيته وثقته بنفسه، ليصبح مجرد مقلد لما يرد له من الغرب دون تفكر أو تدبر أو تفكير فيما هو مناسب وما هو غير مناسب.

الغالبية لم تقلد الغرب في الاختراعات والعلوم، بل كان التقليد فيما يخالف هويتنا الثقافية، فكان التقليد في نمط المعيشة الاستهلاكية والعيوب الأخلاقية والعلاقات والمعاملات المنحرفة.

حل مشكلات المجتمع

الفساد في المجتمع

إن مشكلات المجتمع الحقيقية كما ذكرنا ليست بالأمر السهل، لكنها في نفس الوقت ليست مستحيلة، فيمكن التغلب عليها خطوة خطوة، لكن لا بد أن يكون نابعًا من وعي بالأزمات الحقيقية وسبل مواجهتها بواقعية ومنطقية، ولن يكون ذلك ممكنًا إلا أن تتكاتف الجهود.

إن الانتقال من إخراج الناس من مرحلة التأثير العاطفي إلى مرحلة الوعي والمعرفة والبصيرة لهو أمر ضروري، ويتضح أهمية هذا الأمر بأن حربًا كاملة بكل أدواتها تعتبر المعرفة هي قضيتها، وهي الحرب الناعمة التي ساهمت في التأثير السلبي على أغلب المجتمعات بدرجة أكبر من التأثير الذي أحدثه التدخل العسكري المباشر.

يمكن القول باطمئنان أن المسؤولية تستدعي نزول الجميع ساحة المعركة الفكرية والثقافية وغيرها من الساحات، وفق القدرات والمواهب المختلفة والمتفاوتة بين الناس، أن على الجميع مسؤولية يجب أن لا يتخلى عنها.

اقرأ أيضاً: النخب مصدر قوة المجتمع

كيفية معالجة الفساد في المجتمع

بعد هذا العرض السابق حول مشكلة المجتمع الحقيقية، نجد لزامًا أن نذكر جوانب الإصلاح التي يجب الإشارة إليها.

إصلاح المشكلات بوجه عام له أمور تعتبر أساس الصلاح وأبواب له وركائز يعتمد عليها، لأننا إذا فتحنا تلك الأبواب بالشكل السليم ستكون مفردات هذا الإصلاح ممكنة بقدر كبير.

تربية النفس الإنسانية

يأتي في مقدمة تلك الأبواب والحلول ما يرتبط بالنفس الإنسانية، باعتبار أن سلوك الفرد النابع من رؤيته وأفكاره هي المؤثر الأهم والأكثر فاعلية في طبيعة الإطار العام للمجتمعات كما أشرنا سابقًا.

إن تربية هذه النفس تربية فكرية وسلوكية سليمة وعلاج مشكلاتها الأخلاقية هو من أهم أدوات الإصلاح لمشكلات المجتمع، سواء على المستوى الفردي أو الجمعي، بلحاظ التفاعل المتبادل والتأثير المشترك لما هو فردي وما هو جمعي.

إصلاح الثقافة

من هذا الباب المرتبط بالنفس ننتقل ونؤكد على أهمية الثقافة التي تنتشر في المجتمع وتؤثر فيه وتشكل سلوك أفراده، فإن ما يصنع الشعوب وسلوكها هي الثقافة التي يتبناها أبناء هذا الشعب.

اليوم نرى شعوبًا على المستوى السلوكي والفكري هي مجتمعات غربية مادية خارج حدود الدول الغربية نفسها، وما هذا إلا دليل واضح على مدى تأثير الثقافة على الشعوب، فانعكاس ثقافة الغرب على كثير من مجتمعات العالم جعل منها مجتمعات شبيهة بالغرب وإن لم تكن غربية.

لذلك نجد أن تنقية تلك الثقافة من السلبيات التي تؤثر بالضعف على سلامة فكر الإنسان وروحه وسلوكه أمر هام على طريق حل مشكلات المجتمع، ولا نبالغ إن أكدنا على أن إصلاح الثقافة يعد هو البداية الصحيحة التي تجعل كل الجهود الأخرى مثمرة.

الاستعانة بالله والكفاءات اللازمة

هذا –وغيره بلا شك من أدوات الإصلاح– يحتاج إلى العمل المتواصل والجهد المستمر، فعملية الإصلاح هي عملية مستمرة، ويجب أن تتكون من برامج متوسطة وبعيدة المدى.

بالتوكل على الله والاستعانة بالجهود والخبرات المناسبة والقادرة على الرصد الحقيقي لمواطن الضعف، والكفاءات اللازمة لإنتاج برامج وحلول لتلك المشكلات المرتبطة بتربية الفرد وتنقية الثقافة، وغيرها من مشكلات يتعرض لها المجتمع.

تفعيل دور الشباب

أيضًا تشجيع الشباب على الاهتمام بالهوية الخاصة بمجتمعاتنا، لما تملكه من أصالة سلوكية وعمق فكري، يمكن أن يكون بداية حقيقية لانطلاق بناء حضارة عادلة، قائمة على القيم وتؤسس للعلم والمعرفة، وهذا الجهد يكون سهلًا على الشباب لما يمتلكوه من حماسة وقدرة على العطاء والبناء لما يفيد خدمة المجتمع ككل.

دور الفن والإعلام

لا يجب أن نغفل في نهاية حديثنا عن دور الفن والإعلام في الحل لكثير من المشكلات، التي هو طرف أصيل في انتشارها، مثل الترويج للثقافة الاستهلاكية وكثير من السلوكيات غير الحميدة، فكما هو طرف تعميق هذه المشكلات، يمكن مع تغير النمط والفكر والثقافة السلبية، يمكنه بما يملكه من أدوات مؤثرة أن يجعلها جزءًا من الحل والترويج له.

مقالات ذات صلة:

التيار الإصلاحى هو ضمير المجتمع

كيفية تكوين شباب يصلح للقيادة

المجتمعات المأزومة

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا