مقالات

مناعة المجتمع العربي الاجتماعية

هي الكيانات الاجتماعية الصغيرة والكبيرة التي تعمل كنظام دفاعي ذاتي ومكتسب، تقوم بمقاومة كل الأخطار التي تهدد المجتمع وتسبب مرضه وتدهوره وربما وفاته.

إن ذلك المجتمع المتدهور المناعة لن يستطيع الاضطلاع بدوره كواحد من المنظومات البشرية الفاعلة في الحياة.

لماذا تنهار المجتمعات العربية؟

لقد أصيبت المناعة الاجتماعية بأمراض خطيرة تعمل على القضاء عليها ليصبح المجتمع ضعيفًا دون حماية فكرية وثقافية.

ويمكن تشخيص ذلك الخلل المناعي في الآتي:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

انحصار الوازع الديني والأخلاقي

المجتمع الرشيد يقوم على عقد اجتماعي بين أفراده غير مكتوب، متمثل في أعراف متجذرة داخل الدماغ الجمعي، ويصوب شططها التدين، ويكون الخوف من الله الذي يحاسب الناس على جورهم وانتهاكهم حقوق الغير حاضرا دائما في الضمير، ويتم التنبيه عليه دائمًا في دور العبادة، وتتم التربية طبقًا للعرف والدين.

لقد حدث تدهور خطير وانهارت المنظومة الأخلاقية الحاكمة، ولم يتبق سوى مظاهر دينية على الأشكال متجرد منها القلب، فالناس تصلي وتسرق وتظلم ولا تحسن العمل ولا تطعم الجائع ولا تعطف على اليتيم ولا تجير المسكين.

التفسخ والتفكك الأسري

زيادة معدلات الطلاق والخرس الزوجي المنتشر، والذي يتبعه عدم حوار جاد مع الأولاد، وانعدام الشفافية والمصارحة، وانزواء الأبناء وعدم مصارحتهم بمشاكلهم للآباء، مما يتسبب في كثير من المشكلات الاجتماعية، كالعلاقات المشبوهة، والزواج العرفي وآثاره السلبية على المجتمع، والتي تنذر بكوارث قد تصل إلى جرائم القتل.

غياب منظومة القيم الأسرية

الأسرة مفهومها أشكالها وأكثر - مناعة المجتمع العربي الاجتماعية

لقد كانت الأجيال في الماضي متربية على مجموعة من القيم لا يحيد عنها أحد، بل أنه يلقى السخط الأسري والمجتمعي إذا حدث ذلك، فكان من المستحيل أن تجد أنثى في مواصلات واقفة، بل ستقوم أنت لها بسرعة لتجلس مكانك.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

كان من المستحيل أن تتحدث الفتاة مع زميلها في الهاتف مثلًا في غير الحاجة الضرورية الخاصة بالتعليم والدراسة.

كان الرجل هو الذي يقوم بشؤون الأسرة وبدوره في الإنفاق، وكان ذا هيبة ووقار، والزوجة والأبناء يحترمونه، ولكن الآن انهارت تلك المنظومة القيمية.

الاستخدام السيئ لتكنولوجيا الاتصالات

لقد أحدثت ثورة الاتصالات نقلة نوعية في حياتنا، ولها من الفضل الكثير في جعلنا نبقى على وصال بأهلنا وأعمالنا، ولكن في الوقت نفسه فإن الاستخدام السيئ لها جعلها كالشبح الذي تسرب إلى حياتنا وأصبح يهدد كيان الأسر.

أصبح من السهل الآن للفتاة والشاب التواصل عن طريق الهاتف النقال بعيدًا عن عيون الأسرة، في حين أنه في الماضي كانا يختلسان اتصالًا بالهاتف الأرضي.

كما يمثل الإنترنت أداة يمكن استخدامها من قبل الشباب لمشاهدة المواقع الإباحية، مع أن الإنترنت وسيلة عظيمة لو أحسن استخدامها كأداة للتعلم ولزيادة المعرفة، وإمكانية استغلالها كوسيلة للعمل عن بعد كالتجارة الإلكترونية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

اقرأ أيضاً:

عندما تتخذ المجتمعات قرارات كارثية

الفنُّ الوطنيُّ

عقل عربي وواقع مأزوم

السوشيال ميديا

صحيح أن مزايا وسائل التواصل الاجتماعي الافتراضية هي تقريب المسافات، وتسمح بتلاقي وصداقة الناس المشتركة في الاهتمامات، إلا أن من عيوبها العزلة الافتراضية، وانكباب المرء على العالم الافتراضي، وبعده عن الأسرة والحوارات الأسرية.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

الحالة الاقتصادية

58ea65bbe6e76 - مناعة المجتمع العربي الاجتماعيةفي زمن أصبح من الصعب للرجل أن يقوم بفتح بيت دون أن يعمل أكثر من عمل، مما يجعل هناك خواءً أسريًا لافتقاد وجود الأب في البيت، الذي لا يجتمع بأهله إلا عند النوم.

انعدام الحوار الأسرى –بسبب غياب الأب اللاهث وراء لقمة العيش– يجعل من السهل تفرد الأمراض العصرية الاجتماعية بأفراد الأسرة الصغار، ويجعلهم عرضة لبراثنها القبيحة، ناهيك عن عوادم تدهور الأخلاق التي باتت تخنق المجتمع بأسره وتفتك بمناعته الاجتماعية.

الفن الهابط

لقد كانت الفنون تقدم لنا في السابق دراما وسينما متميزة، كان لمصر السبق والريادة فيهما في المحيط العربي كله.

لكن الآن أصبحت الدراما ما هي إلا مسلسلات تشجع الجريمة والبلطجة، وتنقل للأجيال عادات سيئة يشعر معها المراهق أن الرجولة متمثلة في البلطجي والمدخن ومدمن المخدرات. ناهيك عن الأغاني الهابطة حاليا والتي أدت إلى تدهور الذوق العام.

كما أن السينما أصبحت تقدم أعمالا فنية حافلة بالمشاهد التي تدل على الثراء الفاحش لطبقة معينة لم تكدح، وإنما حصلت على الثراء بطرق غير مشروعة، مثل تجارة المخدرات والسلاح والآثار وغيرها، مما يكوّن وعيًا مضللًا ويجعل الشباب يحاول التقليد.

لقد كانت في الماضي السينما تشكل الوعي، وكان المسرح والغناء وعاء ثقافة ومنهل رقي، ولكن في تلك الأيام تغيرت الصورة.

غياب الوعي

قد تجد جارك يؤذيك برفع صوت المذياع المضبوط على إذاعة القرآن الكريم، وعند الاعتراض وتنبيهه أنه يؤذيك لأنك تعمل وتحتاج أن ترتاح في بيتك، تجده ينهرك ويتهمك بازدراء الدين!

غياب دور المدرسة وقصور الثقافة

لقد أصبح الآن الدور الذي كانت تمارسه المدرسة لتربية النشء والارتقاء بوعيهم فكريًا وأخلاقيًا غائبًا تمامًا، كما لم تصبح الأنشطة في المدارس ولا قصور الثقافة لها الأثر على الأطفال والشباب.

طرق تقوية المناعة الاجتماعية

5abe435798c8f697780715 - مناعة المجتمع العربي الاجتماعيةهذا رصد لبعض الأسباب التي أدت إلى تدهور المناعة الاجتماعية، وأصبحت تلك الأسباب بمثابة أمراض مناعية تطال كل المجتمعات العربية تقريبًا.

إن العلاج –في تصوري– يكون بمحاولة التصدي للأسباب وعلاجها، بل الوقاية منها، لكي نتمكن بسهولة تجاوز تلك النكبة التي أصابت المجتمعات، فجعلت هناك ميل إلى الجريمة، إذ تجد شابًا يذبح زميلته في وضح النهار وأمام الناس بسبب عدم موافقتها على الزواج منه، وهذا ما لم يحدث من قبل.

زيادة معدل الانتحار بين الشباب ازداد بمعدل مقلق، وزيادة نسبة الطلاق بين المتزوجين ذوي الأعمار أقل من ثلاثين عامًا.

يجب إعادة دور الأسرة والمدرسة والمؤسسات الفنية والثقافية، وجعلها تلعب دورها في الارتقاء بالذوق العام وجعلها تقدم تطعيمًا وتحصينًا للمجتمع.

وإذ أن فيروس الإيدز تكمن شراسته في كونه يهاجم جهاز المناعة فيجعل الجسد هشًا أمام أي هجوم بكتيري أو فيروسي لاحق، وهكذا الأمراض الاجتماعية التي تنهش في مناعتنا الاجتماعية شرسة وغاية في الخطورة، ويجب مكافحتها سريعًا.

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

د. محمد السيد السّكي

استشاري التحاليل الطبية وكاتب روائي

مقالات ذات صلة