مقالاتمنطق ومعرفة - مقالات

العقل والعِلّية .. الجزء السابع

القواعد الفلسفية للعلية-2

تحدثنا –صديقي القارئ صديقتي القارئة– في الدردشة السابقة (العقل والعلية ج 6 القواعد الفلسفية للعلية) عن القاعدة الأولى: “قاعدة: الشيء ما لمْ يجبْ لمْ يوجدْ”. وفي هذه الدردشة نتحدث عن القاعدة الثانية والثالثة والرابعة، من القواعد العقلية الفلسفية للعلية.

القاعدة الثانية: قاعدة إذا وُجدتِ العلةُ، فوجودُ معلولِها ضروريٌ

توجد قاعدةٌ أخرى تنظر إلى موضوع العلية من زاوية مختلفة، من زاوية العلة، تلك القاعدة التي تقول: “إذا وجدت العلة، فإن معلولها ضروري الوجود”. إن هذه القاعدة تنظر إلى الموضوع من جهة أعلى، جهة العلة.

بينما كانت القاعدة السابقة القاعدة الأولى: “قاعدة الشيء ما لم يجب لم يوجد”، تنظر إلى الموضوع من جهة سفلى، من جهة المعلول. القاعدة السابقة تقول إن وجود المعلول مسبوقٌ بوجوبه، والآن ننظر إلى العلة، ونتساءل:

 من أين اكتسب وجودُ المعلول ضرورتَه ووجوبَه؟

إنه يكتسبها من علته التي يحتم وجودها وجود معلولها. إن العلل التي سبقت المعلول إما أن تكون سببًا لوجوده وإما لا، في الحالة الأولى وجود المعلول ضروري، وفي الحالة الثانية، وجوده مستحيل، لأن العلل السابقة عليه لا تقتضي وجوده، فهي إذن ليست عللًا له أساسًا.

أما أن يتواجد بالرغم من ذلك فمعناه أنه قد تواجد بلا سبب، وهذا تناقض لا يقبله العقل لأن الحادث لا ينبثق من العدم من ذات نفسه.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

العلية: رابطةٌ وجوديةٌ بين العلة والمعلول، ولا يمكنُ فكاكُها

العلة والمعلولإذن العلية رابطةٌ وجودية بين ذات العلة التامة ومعلولها ولا يمكن فكاكها، أي وجوب وجود المعلول عند وجود العلة التامة (راجع العقل والعلية ج2- أقسام العلة)، لأن المعلول من لوازم العلة التامة التي لا تنفك عنها.

مثال ذلك: ضرورة وجود الاحتراق للورقة عند وجود علته التامة. أما وجود العلة التامة، ثم لا يوجد احتراق الورقة فمحالٌ وتناقضٌ لا يقبله العقلُ.

الجبر العلّي: هل العلةُ الأولى مجبرةٌ على إيجادِ معلولها؟

هل يعني ذلك أن العلة الأولى مجبورة على إيجاد معلولها؟ ما يسمى بالجبر العلّي؟ كما يقول بعضُ المتكلمين: “لو أنه متى ما تحققتِ العلةُ التامةُ، كان المعلول موجودًا، لكانتِ العلةُ مجبورةً في إيجاد معلولها”. ومن هنا نشأت شبهة عند بعضهم، وهي أن هذا القول يقتضي أن يكون الواجبُ تعالى علةً مجبورةً، أو فاعلًا مجبورًا، في إيجاد هذا العالم!

إرادةُ الفاعلِ جزءٌ من العلةِ التامة

الجواب: أن هذا التوهم لا يصدق على الواجب تعالى، لأن العلة التامة من أجزائها إرادة الفاعل، فما لم تتحققْ إرادةٌ لدى الفاعل، لا تتحقق العلةُ التامة.

اقرأ أيضاً:

الجزء الأول من المقال

الجزء الثاني من المقال

الجزء الثالث من المقال

الجزء الرابع من المقال

الجزء الخامس من المقال

الجزء السادس من المقال

القاعدة الثالثة: قاعدةُ السِنْخِّيةِ (التناسب) بين العلةِ والمعلول

هذه القاعدة تعني: أن بينَ المعلولِ وعلتِه تناسبًا، وإلا لزم صدورُ كلِ شيءٍ عن كلِ شيء، وذلك باطل بالبداهة، فالإحراق يصدر عن النار، لا عن الثلج لعدم السنخية (التناسب) بين الإحراق والثلج، وإلا لكان قد صدر شيء بغير علته.

إذن السنخية تعني التناسب بين العلة ومعلولها وأن هذا من ذاك، إن التفاحة من سنخ شجرتها لا من جنس شجرة البرتقال، أو أي شجرة أخرى.

القاعدة الرابعة: قاعدة التعاصر بين المعلول والعلة

العلة والمعلول

تنص هذه القاعدة على أن المعلول يجب أن يكون معاصرًا للعلة، ليرتبط به كيانُه ووجودُه، فلا يمكن للمعلول أن يوجد بعد زوال العلة، أو أن يبقى بعد ارتفاعها.

هذا ما يُعبر الفلاسفةُ عنه بقانون “التعاصر بين العلة والمعلول”، بمعنى أن لا توجد فاصلة زمنية بين العلة التامة ذات الزمان ومعلولها، وأيضا يستحيل التقدم الزماني للمعلول على علته.

الخلاصة

وضع الفلاسفةُ المسلمون قواعدَ عقليةً فلسفيةً، استمدوها من تحليلهم العقلي الذكي لمسألة العلّية، الأمرُ الذي مكنهم من خوض النقاشاتِ الفلسفيةِ العميقة، خصوصًا دفاعهم العقلاني المجيد عن وجود الإله ومعلولية العالم.

الأمر الذي يمكننا من مواجهة بعض آراء الفلاسفة الغربيين بقوة، لأننا حين نتسلح بمنطق الفلسفة الإسلامية، وبراهينها العقلية والفلسفية القوية، فلن يكون شبابُنا في مهب أي ريحٍ فكرية، فمهما كان جبروتها وجبروت من يثيرها –أعنى تلك الريح الفكرية– سيبقى ثابتًا مكينًا.

لأنه تسلح بالعقل والبرهان: ذلك الذي تتفقُ حوله العقلاءُ، وليس مجرد اتباعٍ للسفسطة والأهواء، ولو كانت –هذه السفسطة وتلك الأهواء– قد قال بها كبارُ عقولٍ جبارةٍ، من فلاسفةِ العالم!

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د شرف الدين عبد الحميد

أستاذ الفلسفة اليونانية بكلية الآداب جامعة سوهاج