لو تصورنا أن أحد الأبناء عاش طول عمره بعيدًا عن الأسرة وعن البيت، لأنه يعمل بالخارج منذ عشرات السنين ولم تره الأسرة خلال هذه الفترة إلا نادرًا، سنقارن هذا الوضع بوضع ابن لنفس الأسرة لكن بالتبني، وهو معهم منذ كان طفلًا حتى شب وكبر وصار رجلًا، فكان دائمًا هو رقيق القلب والمشاعر تجاههم لا يبخل عليهم بعطاء ولا يضن بمعروف، يشاركهم طول الوقت في السراء والضراء وهو لهم نعم السند.
بالمنطق وبالواقع وبالعقل وبالعاطفة وبكل مقياس سليم أيهما في هذه الحال سيكون أقرب إلى قلوب هذه الأسرة؟ الابن الحقيقي الغائب طول الوقت أم الابن المتبنى الحاضر معهم بجسمه وقلبه ومشاعره وعطائه؟ الإجابة متروكة لك..
غياب التعبير عن المشاعر داخل الأسرة يهز أركان الأمان
لكن المقصود أن العلاقة بين الوالدين والابن لا يمكن أن تختصر في كونها بيولوجية، بل هي علاقة رحمة ومحبة وعاطفة حميمية ليس كمثلها شيء، فإن لم تكن كذلك وكان أساسها الجفاء أو القسوة أو العنف، أو قامت على عدم الاحترام والتراحم والتعاطف فلا يصح عدُّها علاقة أسرية سليمة، سواء أكانت بين الوالدين والأبناء أم كانت بين الشقيق وشقيقه داخل الأسرة.
كثيرًا ما رأينا الأشقاء أعداء متباغضين ورأينا غير الأشقاء أخوةً متحابين، ورب أخ لك لم تلده أمك، فنوعية الاتصال هي عنصر أساسي في الأسرة الناجحة، فكلنا نتواصل مع أفراد أسرتنا لكن العبرة بأسلوب التواصل.
لا بد من العمل دائمًا على تقريب المسافة، المسافة بين مشاعرك ومشاعرهم ورغباتك ورغباتهم، البعض يهش ويبش عند ملاقاة صديقه ويبخل بالابتسامة أو حتى النظرة وهو يتحدث مع أفراد أسرته، هذا الشخص عليه أن يتوقف ويتأمل هذه المشاعر ويحاول أن يفسرها، وأن تضع يدك على المشكلة فتلك بداية الطريق نحو حلها، وعدم إدراكنا لوجود المشكلة هو لب المشكلة.
الكلمة الطيبة وأثرها في النفوس
الكلمة الطيبة حسنة ولها مفعول السحر، وهي بداية جيدة، ثم سيكون مطلوبًا منك بعد ذلك ما هو أقوى من التواصل بالكلام، التواصل بالأفعال.
أيام دراستي بالمرحلة الثانوية عرفت صديقًا ذات مرة طلب منه صديقه مبلغًا على سبيل السلف، ولم يكن معه ليعطيه ذلك المبلغ، لكنه رفض من أعماقه أن يقول لصديقه ليس معي المال لأقرضك، بل قال: “إن شاء الله بكرة أكون قد دبرت لك النقود”، وعندما جاءه في الغد وجد المبلغ المطلوب جاهزًا، هل تدرى كيف؟ لقد باع هذا الصديق ساعة يده ليفرج كرب صديقه ويسد حاجته ولم يخبره بذلك أبدًا، وذلك أقوى من الكلمات، هو إثبات المحبة بالفعل، الشعور الحقيقي باحتياجات الآخر والتعاطف معها، فإذا كان ذلك يحدث بين من هم ليسوا أسرة واحدة فليس أقل من أن يحدث بين أفراد الأسرة، هل تريد محبة ودفئًا ورحمة بين أفراد أسرتك؟ إذن عليك أنت أيضًا أن تقدم لهم المحبة والدفء والرحمة فهي مسألة تبادلية، يقول الشاعر:
ما ودني أحد إلا بذلت له صفو المودة مني آخر الأبد
تعرف على: طريقة تدمير الأسرة في خطوات معدودة
سر السعادة مع العائلة أم الأصدقاء؟
أفراد الأسرة هم الأشخاص الذين –سواء كانوا مرتبطين بيولوجيًا بك أم لا– من المفترض أن يحبوك ويعتنوا بك، إنهم في حياتك من خلال السراء والضراء ويريدون الأفضل لك فقط، ومع ذلك، وعلى الرغم من أن أفراد عائلتك لديهم نوايا حسنة، فقد تكون كلماتهم أو أفعالهم في بعض الأحيان مؤذية ومثيرة للغضب.
تحليل أسباب الفرق بين تواصلك الجيد مع صديقك وتواصلك الأقل جودة مع أفراد الأسرة هو سهل ويمكن توقعه، لأنك لا تحتك بصديقك نفس نوعية الاحتكاكات داخل الأسرة، ولا تعاشره على مدار اليوم مثلهم مما يولد تعارض الرغبات.
شقيقك يرفع صوت التلفاز وأنت تحبه منخفضًا، أنت محبط لأنك فوجئت بقميصك المفضل لم يغسل وما زال في سلة الغسيل وعندك موعد مهم الآن، فلا بد من إلقاء اللوم على أحد مع بعض العصبية، وإذا تدخل والدك ليؤنبك على عصبيتك لن تعذره بأنه مضغوط لا يمكنه تحمل المزيد، كما أن من حقه أن يهذب سلوكك، لكن تنظر إلى كل ذلك على أنها إساءة معاملة وأنك غير محظوظ بهذه الأسرة المحبطة.
ذلك في نفس اللحظة التي يتساءل والدك في سره: “أنا ليه ما عرفتش أربي؟”، هو أيضًا يظن أنه غير محظوظ بأولاده، والسر كله يكمن في أن الجميع كف عن التماس العذر للآخر، بعكس علاقتك بصديقك فهي للمرح والمزاح وقضاء الأوقات السعيدة بالخارج، ولم تفكر في أن صديقك لو كان معك في البيت لحدث نفس تعارض الرغبات ونفس الاحتكاكات ونفس العصبية وارتفاع الأصوات.
اقرأ عن: أسباب المشكلات الأسرية وعلاجها
سر نجاح العلاقات الأسرية
ثق أن أفضل حل لإنجاح علاقتك بأفراد أسرتك هي قضاء بعض الوقت بعيدًا عن جدولك المزدحم للتحدث معهم مجتمعين ومع كل واحد بمفرده، أن تمازحهم وأن تطرح أمامهم أفكارك الشخصية حول كل شيء، فهذا يساعدهم أيضًا على الانفتاح عليك، وذلك بداية التواصل العاطفي وإحساس كل فرد بالآخر، بمشاعره واحتياجاته، ولن يعود كل واحد بعدها متحفزًا تجاه الآخر، فالكل تحت ضغوط الحياة هو إنسان ضعيف وبائس ولديه مشاعره وعواطفه ومشاكله وأحزانه.
بهذه الطريقة سينجح كل واحد داخل الأسرة في إظهار احترامه للآخر، وسيشعر وهو يفعل ذلك بكثير من احترام الذات أيضًا، الأسرة خلقت لتتداوى ببعضها لا لتمرض ببعضها، الضغوط هي التي لا تترك الفرصة لكل إنسان ليكون مترويًا، وبالتالي ليكون مثاليًا وعادلًا تمامًا، هذا يعنى أن لا أحد يقصد الظلم في حد ذاته، لكن قدرات الإنسان لا تسمح له بأن يكون عادلًا طول الوقت، وإذا استطعنا أن نفهم ذلك سيتحسن التواصل داخل الأسرة إلى حد كبير.
مقالات ذات صلة:
* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.
_________________________________
لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا
لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا