فن وأدب - مقالاتمقالات

مشاهد من الحياة “السيدة بيرتا والرجل العجوز”

مثل أي قروي كان أول ما يتبادر إلى ذهني عند السفر إلى القاهرة مشكلة عبور الشارع. كان القروي منا يحب زيارة القاهرة، لكنه يحتاج إلى من يوقف له السيارات حتى يتمكن من عبور الشارع في أمان.

قصة السيدة بيرتا

سافرت إلى بلاد العالم وعدت، لكن مشكلة عبور الشارع في القاهرة لا تزال كما هي. كنت أظنني “بدعا” من الناس، لكنني قرأت للرائع “كلارين” قصة السيدة بيرتا الفلّاحة التي لم تغادر قريتها في أقصى الشمال إلا بعد أن بلغت من الكبر عتيا.

وصلت السيدة إلى العاصمة مدريد في مهمة لا غنى عنها في مكتب حكومي. عندما تعين عليها أن تعبر الشارع وقفت، على أمل أن يخلو الشارع من السيارات القادمة فتعبر.

في لحظة اختفت السيارات، فتقدمت خطوة ثم خطوة ثانية، بعد تردد، لكنها عادت أدراجها بعد أن لمحت سيارة قادمة من بعيد.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

تقول الحكاية إن السيدة بيرتا أمضت اليوم بطوله في محاولة عبور الشارع، ولما جنّ عليها الليل عادت إلى مسكنها المؤقت في العاصمة، على أمل أن يكون اليوم التالي أوفر حظًا.

جاء اليوم التالي، ولم يكن أوفر حظًا من سابقه، فعادت إلى مسكنها وهي تلعن مدريد وأهلها وسياراتها. في اليوم الثالث فكرت في حل جديد: ستسير حتى تقاطع الشوارع الرئيسة.

هناك عسكري مرور ستطلب منه أن يساعدها. ألقت عليه تحية الصباح، وقصت عليه قصة حياتها بالتفصيل إلى أن وصلت إلى سبب وجودها في مدريد وكيف أنها لم تستطع عبور الشارع في اليومين الماضيين، وسألته إن كان يستطيع أن يساعدها في عبور الشارع.

ساعدها الجندي الذي تعاطف معها، لكنها كانت قد أمضت اليوم كله في سرد حكايتها، وكانت المكاتب الحكومية قد أغلقت أبوابها، فاتفقا على أن تعود في اليوم الرابع، وسيساعدها في عبور الشارع بمجرد أن تصل.

المهم في ملابسي أن تعجبك

حدث اللقاء في مناسبة لا أحب أن أتذكرها، تماما كما كره السيد كيخوتي أن يذكر لنا تلك القرية التي كانت مسرحا للأحداث. كنت في ريعان الشباب، وكان الرجل قد تجاوز الستين، ويؤدي عملا شاقا. سألته:

اضغط على الاعلان لو أعجبك

– لماذا لا تستريح، وقد بلغت هذا العمر؟

– أعيش وحيدا بعد أن تزوج الأولاد وماتت زوجتي.

– لماذا لا تتزوج بامرأة تؤنس وحدتك؟

– ومن لي بمثل المرحومة؟

– النساء كثيرات يا عمي الحاج.

اضغط على الاعلان لو أعجبك

– لا أتصور أنني أجد امرأة مثل المرحومة. كان مرتبي يكفي بالكاد لنفقات الطعام وإيجار السكن. لم أكن أشتري ملابس إلا مرة في العام، عندما أقبض الحوافز.  كنت أذهب إلى بائع الأقمشة، وأشتري لها قطعتين.

كان وجهها يتهلل فرحا، وتبدأ في فاصل طويل من الدعاء لي بطول العمر وسعة الرزق، وكأنني لست مطالبا بالإنفاق عليها. ذات مرة سألتها “أنا رجل بسيط، وأشتري أقمشة ملابسك دون رأيك. دائما تمتدحين ما أحضره لك. ألم أخطئ مرة؟”.

أجابت “المهم في ملابسي أن تعجبك”.  أقارن مواقف المرحومة بما تفعله زوجة ابني.  يصطحبها لتختار ملابسها بنفسها، ولم أسمعها مرة تقول له كلمة طيبة.

اقرأ أيضاً:

عزيزي السائق المصري

كان سائقا متهورا

اضغط على الاعلان لو أعجبك

حكومة الميكروباص

* تنويه: الأفكار المذكورة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

*****************

لمتابعة قناة اليوتيوب لأكاديمية بالعقل نبدأ، اضغط هنا

لقراءة المزيد من المقالات، اضغط هنا

أ.د./ جمال عبد الرحمن

أستاذ اللغة الإسبانية، كلية الآداب والترجمة جامعة الأزهر

مقالات ذات صلة